ثمار

نوكيا

 

من جديد تخرجنا حواء من الجنّة، فغرفة محمود – التي لم نتواجد فيها لوحدنا رغم كل الخطط إلّا نادراً – كانتْ تشكّل ملجأً في حال الهروب من البيت، إنّ قدرتي على الخروج وصفق باب بيتنا ورائي جعلتني أكثر تماسكاً في النقاشات التي جرت بيني وبين أبي، وأكثر قدرة على الهروب من إلحاح أمي تجاه موضوع ما , كان مفتاحها طاقة فرج لي، رغم أنّ نقاشاتنا كانت تنتهي إلى الصلح تحت مقولة : (ما على الرسول إلا البلاغ) , ما أكثر الرسل!؟

تصلني رسالة من لمياء , أظنّها ستكون سعيدة لعدم طرحي موضوع غرفة محمود من جديد , فمحمود لن يقبل أنْ تكون غرفته موضع شك لدى جيرانه، سيحافظ على سمعتها فعلياً كما يقول، لأنّ عليا ستكون زوجته !

أقرأ رسالتها على عجل، لولا طاولات المقاهي التي جمعتني بلمياء لقلتْ إنّها من نسج الخيال، أو شخصية رقمية تعيش داخل الكومبيوتر.

التقطتني من غرفة محادثة إلى سماعة هاتف فلقاء وكلام , دم ولحم في الكلمات فقط، من جديد تبدو الكلمات هي عالمي سواء كانت مكتوبةً أم منطوقةً , كلمات ليس لها قدرة إلّاعلى خلق سرابٍ في لحظة القذف التي يرتعش جسدي خلالها.

لمياء أنثى من تخييل , تكره الجوانب الواقعية بعلاقتنا , فعمرها الذي تزيدني به، وانتهاء دورة خصبها، وتهديد الواقع لها لحظة اختياري لأنثى أقرر معها إنشاء أسرة كأيّ رجل، أسبابٌ تكفي – كما ترى لمياء – للقضاء على جانب الخيال في التخييل.

محمود يخطط لبناء أسرة، غريب أمره هرب من أسرة ليكون هاجسه الآن تشكيل أسرة.

قالت لي إنّها تحتفظ بكل محادثاتنا، وبأصوات آهاتي، وصور عضوي، وستبقيهم لتعتاش عليهم، وتبقي نار خيالها متّقدة.

قلتُ ساخراُ عن سرّ هذا الاحتفاظ : يوماً ما ستقيمين متحفاً، وسيبيع ورثتك مقتنياته كأول وثائق واقعية لعلاقة عاطفية شبه افتراضية عندما يسود الافتراض بدلاً من الواقع في عالمنا، لذلك سأكتب وصية أطالب فيها بتلك المقتنيات.

أمّا هي فقد اعتبرتْ كلامي نبوءة، وأخذته على محمل الجد. هل تستأجر صندوقاً خاصاً بها في أحد المصارف…!؟

تطنّ بعوضة قرب أذني , صوتها يشبه صوت انقضاض الطائرات في الحرب العالمية الثانية، أجلس على حافة سريري , سنوات مضتْ , أشعر بصعوبة في تحديد التاريخ , الماضي عندي قد حدث, ليس له تاريخ، فالزمن يحتاج لعلامات فارقة لتتذكره , كما في النظر للبحر، المسافة في البحر خادعة، ما تحسبه قريباً يتكشّف لك بعد أن تسبح باتجاهه أنّه أبعد مما تصورت.

أحتاج لعلامة فارقة كخطيئة أؤرّخ بموجبها الزمن، الانتظار ليس خطيئة أصلية، ولا الكسل , العمل هو الخطيئة التي يعمر بها الكون، وما الخطيئة ؟ ما العمل ؟ سأتفلسف , سأصبح فيلسوفاً ؟!

 

(مقطع من رواية ” نوكيا” صادرة عن دار ليليت 2014)

 

*روائي سوري

Bassemsso91@gmail.com

زر الذهاب إلى الأعلى