ثمار

أكثرهم اعتناقاً للطفولة.. بوي جون

 

لمعان تاج الملك هتافنا له

كيف يحفر شخصٌ ما جملة في مخيِّلتك؛ يفتح خزانة القلب ويودعك إياها؛ في مقتلك؛ ينحت السؤال في وعيك الذابل؟!

أهي اللغة أم الحقيقة الناصعة.. غفل عنها الانتباه في حين انكشفتا على بعضهما؟!

فـ(الله أبعد مما يجب)، ولا سبيل سوى اللغة التي هي مكمنه!

اللغة أم الحقيقة.. أيهما اخترق الآخر في جملتك يا بوي؟!

جملتُك التي لا حدَّ لها؛ جملتك برهان نفسها؛ الأكثر افتضاحاً أمام غيِّ العالم.

الصمت: ما قاله الناس وهم يحجبون عريهم أمام (الذات/ الآخر).

الكلام: ما لم يُقل.. وما لا يُقال.

الناس هم من يصطنعون أساطيرهم؛ يصطنعون: المُلْك، الدمامة، الطول، القصر، اللمعان، الجمال، القبح، الحرب، الموت، والآلهة.

وأنت…

   كما أنت.. تصطنع (أسطورتك/حقيقتك).

21 مارس 2007

كان احتفالاً بيوم الشعر العالمي، واحتفالاً بالشاعر محجوب شريف بعد رحلة استشفاء.

في حوالي الخامسة والنصف بتوقيت الخرطوم، يوم ذاك بقاعة محمد عبد الحي، بمتحف التاريخ الطبيعي؛ كان فَتَيَانِ نحيلان -حتى تخال أنهما أرقُّ ما في الوجود- يتلوان قرآنيْهما: بوي جون وأحمد النشادر.

يقرآن فتصيب الجملة منهما من أصابت، وتعيد خلق العالم من جديد.

يقرأ بوي (حربة تغلق الشمس) ويؤسطر ما لم يتأسطر من دقائق اليومي.. يقرأ ونصاعة اللغة تخترق العقل والقلب معاً، وتخلخل دون ضجيج ما أسن في المخيلة.

أعيد قراءة النص الآنف بعد سنوات في ملف تخوم بصحيفة الأحداث؛ ثم مرة أخرى في موقع (سودانيز إنك)؛ ومرة أيضاً في في مجلة (إكسير)، فيعيد النص خلق الصدمة وكأني أقرؤه لوهلة أولى.

كيف لجملة واحدة أن تحثك على التأمل فيها.. جملة واحدة تهدم مملكة لتبني وجوداً.

جملة تجرد الأشياء من التصورات الزائفة التي أضْفَتْها عليها أوهام الناس: الحرب، الصراع، السلطة، الآخر..إلخ.

وعلى محيط نصه لا يزال يعيد بوي على قارئه أن هناك دوماً قوة كامنة في اللغة قادرة على إنتاج حقيقتها ومحاربة أوهام الحياة والناس.

في العام 2009

يقرأ بوي في نادي الشعر السوداني باليونسكو، برفقة مدثر العقب ومصطفى عبد الله، يقرأ (عشر مكانس لتنظيف الصمت)، كأنّه طفل يدفع بسؤاله في وجه العالم والناس ولا ينتظر الإجابة:

رأيتُ الناسَ يحرقون الدّجاجَ لأجل الناس
والجانجويد يحرقون الناسَ لأجلِ الدّجاج
لكني لم أرَ يدَ الله
تُنقذ الأبرياء
وحين صرختُ: أين الله؟
غضبَ الناس وترافعوا عن الله
وتناسوا الأبرياء.  – (المكنسة 4)

أن تكون بروح طفل، يعني أن تطرح من الأسئلة أقساها وأوضحها، وأكثرها فضحاً لبنىً كاسدة.. لذلك فإن بوي جون هو الأكثر اعتناقاً للطفولة في جيله.

 

* شاعر من السودان

حاتم الكناني

كاتب وشاعر وصحفي من السودان
زر الذهاب إلى الأعلى