رقصتي (شمعة)
بدأت الحياة عندما أُشعل الخيط أعلى رأسي، ظلال كثيرة تتقافز على جدار.. هنا وجه أمي وهناك وجهه (هو). أحسست بشيء دافئ ينساب بداخلي بسرعة، فبدأ رأسي الهلامي وجسمي المرن… يااااه!! أحس بأن وزني خفيف، بأنني أتحرك، أطول أقفز أتمايع!… أدور وأهتز أنتفِض وألتف.. أنا أرقص… أرقص ما أجمل هذا!. لن أرقص الكمبلا ولن أقفز على موسيقى الوازا؛ لن أحرك حتى أصابعي على أنغام الكيكي التي أحب، ولن أمط خصري وأنحني بعنقي إلى الخلف مثل (رقيص) جدتي، لن أصنع خلخالاً وأرتجف بوسطي كما في الأفلام العربية القديمة.. ولن أرقص السامبا ولا حتى التانقو. سأرقص بطريقتي وعلى موسيقاي، حتى أتحرر وتعيش الظلال بسلام.
أرقص بهدوء وتأمل كما في اليوغا.. يرتخي جسمي ويستقيم رأسي الهلامي.. دخان شفيف ينساب حد التلاشي.. صمت لا أسمع فيه سوى قطرات عرقي تتساقط.. شيء يشبه حمام البخار!. الظلال نائمة على الجدار، وهنا وجه أمي، وهناك وجهه هو.
لا سأرقص بطريقة أخرى.. أتحرك بسرعة في كل الاتجاهات.. أنتفض دون وعي مني، عرقي الأبيض بسيل يختلط بغبار السطح.. أنكمش وأتمطى أثور وأحتمي بكل شيء.. أصرخ أصرخ وأصرخ.. قليلاً ويهمد جسمي ويسكن. هذه سميتها رقصة الأضاحي.. كان النسيم مشغولاً بصنع الشواء وهناك وجه أمي.. وهنا وجهه هو متأثر والظلال في حال حنينها.
الآن هذه رقصتي التي أشتهي رقصة العشق والحرية والسلام، سأبدأها بالتلويح بلهيبي ثم أنتفض!… رأسي الهلامي يصنع ذراعين مستقيمتين إلى الأعلى، أحدقُ بتحدٍّ فيما حولي، أستقيم، يبتعد رأسي الهلامي عن خيطي المتقد، يتحرر منه، يتلون ضوئي، يتقاطر عرقي… يتحول إلى بياض كالثلج يلتصق بي، أضرب بلهيبي الفراغ.. يدور جسمي المرن.. أحس ببهجة.. أصدر أصواتاً أقذف بها في وجه الصمت أثور.. أقهقه.. أضحك.. أنتفض.. أهتز.. أحدق في وجهه.. أتحرك بدلال وغنج، بلذة يتسرب دفء إلى داخلي.. أعود وأنظر بتحدٍّ إلى ما حولي، أقفز برشاقة أمشي بخفة؛ هذه رقصتي التي سأجتاز بها صراط الألم.. سأعبر بها أنا وظلالي إلى الجنة التي نريد.. هنا وجه أمي.. وقريب منّي وجهه.. ألتف حوله بضوئي وأغمره بألواني هو وبحياد يشير إليّ – بأنني أحترق – وانا أغمز له بأنني أرقص.
أقترب.. أقترب من السطح تذوب كتلي المرنة عندها.
*قاصة من السودان – ود مدني