ثمار

كيف غادر المغني الريفي قمرة رحلته؟

البريد المتجه إلى المنزل المجاور لمنزل الغريب يبدأ هكذا:
“إن أجسادنا سؤال ينهض بعيداً عن عاديته، وغسق شاخص في وهج الكون، إننا رحلة الانهزامات الوعرة، وتحول الفصول للص وقور.
بصيرتي تفوق أحلام البُلَهاء طولاً، وظلي ساهم في ظلك الشفيف، فتهيأي لشوارعي القبيحة:
شارع مظلم متجه شمالاً أو غرباً ربما..
شارع ساحر متمهل
شارع خارج من اللغة المستعادة..
شارع وحيد في ضوضاء المدينة..
شارع يبحر في القارب الخشبي القديم إلى مدينة أخرى تعرف كيف تجعل الموت مغرياً..
شارع يعلن الحداد على القبلات المنسوخة في ركنه المخيف..
شارع يصرخ في وجه الحوائط المجاورة بغضب: أين سأذهب الآن؟..
شارع يحلم بالبحر لكنه عالق في مدينة السقوط..
لا تتركيني للنعاس، لا تتركيني للساعة المعلقة في بستان الأسى
إن ضجيجي الرقيق يغرق كتبي العتيقة بالبرد،  وملامحي نفاية الأيام،
ولكن حين أمرُّ متخفياً من على جسرك،
سأرى أجناسك المنسية،
وأغني نشيدك الحاشد،
وعلى صخرتك
-يا كل الغابات-
سأجدد غبطتي وأقطف ورودي”.

إلى المغني الريفي من امرأة الصيد العتيق.. رسالة مكتوبة على صوت ارتطام القارات ونحيب الكراسي..
“اسمك يتخبط في صيرورته، وقلبك ذو اللون السماوي مسرح لنهار منهوب، ارتدِ الباص القادم وارحل، لا تكن مذعوراً من الفراغ، ولا تَنْتَبْكَ الشكوك التافهة.
يدك الأليفة عرفت القرف المعاصر،
ووجهك بارز على سطح الإنسانية
كمكان قديم.
لقد قتلوك بروح يَقِظَةٍ وغَامضة
مثلما قتلوا الإنصات في المستقبل،
وحاصروك بقيود دينونتك
كما حاصروا نَهَمَ الغريزة،
فارحل أيها الريفي الجميل،
اسكب أسرارك على الخرائط
وغادر ارتيابك،
ولكن على تخوم المأساة
سأخاطبك عن النور والمحبة،
وأرافقك بالحقيقة الساطعة”.

في ألف الكلمة،
أودع محيطاً فاخراً،
وانحداراً منسياً في أذن الشمس،
قعد على تلة الأرواح،
وفكر برهة وهو متكئ.

* شاعرة من السودان

زر الذهاب إلى الأعلى