ثمارغوايات

شاي بالنعناع

شيراز

 

سمراء القلب.. حمراء الروح

خضراء الجسد..

خاوية البطن.. نابضة الرحم..

شاهقة الكرامة..

سوادها شديد البياض.. ولا رماد..

والنار رحلة قسرية نحو الحياة.. تنفخها بروحها

يحيطون بها كحشرات النور الليلية..

يدفعون دراهمهم للذة مسروقة.. رشفة من الشاي…

وابتلاع الريق بشبق مقزز.. سابحون في استمنائهم

يصفقون للمحة من ساقها النحيلة لفظتها الخرقة الخالدة

وعند امتلاء البطون..

تلملم كويباتها..

تخمد نارها بعرقها…

ثم

حاملة مقعدها على رأسها..

والجيب يقهقه بالقليل.. تتجه إلى الأفواه الجائعة القابعة في جحرٍ ما…

لتطعمهم دودتين !

“شاي بلبن وسكر وزيادة”

“قفلنا يا اللخو…تعال بكرة”.

وعند بزوغ صباحهم وامتداد ليلها

تعود إلى ركنها الحميم..

وتعجن أحلامها بسمن الأمنيات..

تعجن وتعجن… يتلاشى برطمان السمن

وتبقى الأمنيات..

يأكلونها لقيمة.. لقيمة..

معطونة بسكر العرق وعذابات قاع المدينة…

“بالله كبي زيادة فوق اللقيمات ده”

والنار تلتهب بالروح السابعة لأنفاسها

شمسها تأبى الشروق وشمسهم تأبى الغروب….

يحيطونها بحلقة خانقة….

ويسترقون من بين الخرق

اللمحة المائة بعد المليون لساقها النحيلة

يوم جديد.. بؤس قديم.. حزن مقيم

يتحلقون حولها مرة أخرى.. بلزوجتهم المعتادة

ليصفقوا للمحة قبل الأخيرة من ساقها النحيلة..

تناولهم كوباً من الشاي الشفيف.. المغسول بروح القرنفل..

ويناولونها غزلاً فادح السفور.. كافر الود.. جارح الشهوة…

تحكها ساقاها إثر التصاق العيون الآثمة.. ولا تبالي….

بل تجلس كمركز للمجرة.. تدور حولها أحاديث المدينة الصباحية…

وعفار المركبات الدائرة في غيها….

خبث الباعة.. وتخابث الزبائن..

كفر السوق.. والأرواح الهائمة للعاهرات…

ألحان الروائح.. وروائح الأصوات….

يدور عالم كامل في فلكها…..

ومن مركزها.. تمتصه.. وتشع سخونة وكيفاً لذيذاً…

ببعض الحبهان..!!

جالسة هي في مركزها شديد الجاذبية

معافرة للأصابع التي تضل الطريق إلى جسدها الظامئ

متجاهلة لتوسل الأعين.. وإيماءات الاصطدامات القسرية بساقها النحيلة..

سابحة في عالمها البعيد عن كل هذا الضجيج…..

ولا تبالي.. إلا بأحلام الأكواب الممتلئة.. وأسعار السكر المتمنِّع….

والأفواه القابعة هناك.. في انتظار ديدان المساء….

تنظر إلى نفس الكوب.. فتجد نصفه فارغاً… فتملؤه

المشهد الأخير.. أو الأول بعد المليون

المطاردات المطاردات..

المداهمات المداهمات…

العسس في سمائهم الخضراء…

لا يلوون على شيء إلا إسعاد الحاكم..

(فزوجة الحاكم -شديدة الطيبة – تريد أن تزرع وروداً على جوانب الطرقات!!

تحلم بكنس كل “القاذورات” وتجميل المدينة…

عاشت زوجة الحاكم).

الخرقة تمزقت بعصي العسس…

وهي تحملق في كويباتها التي تهشمت.. وسالت دموعاً في جنازة الحبهان.. وذرات الطين.. وحبات الشاي السوداء..!!

والبنابر حلقت فوق الرؤوس بعيداً.. ثم استقرت -يتيمة-

يدهسها المارة.. بغباء

ووقفت هي أعلى العربة المتجهة إلى البدايات البعيدة…

تحملق في فراغ ركنها الحميم…

تلكزها قدم.. تجذبها ذراع…

وتتناوب أعينهم الشاخصة أثداءها العطشى..

وقفت.. كطود..

ووقفوا هم حول العربة.. ليس لدفع ثمن الكأس الأخيرة…

بل ليصفقوا للمرة الأخيرة للمحة من سيقانها النحيلة!

 

 

* كاتبة من السودان

زر الذهاب إلى الأعلى