ضَيَاعُ قَْصَّاصِ الأَثَرْ

دَنْقَرْ؛ تِكِنْ الضُّلْ العَوَجْ فِي نَزَقِ المُسَافِرِينَ بِالمُشَاجَرَاتِ عَلى مَنَافِيهِمْ. مَشوا بِتُؤْدُة الجَنَازَاتِ، يَرْجِمُونَ الغَيْبَ بِأوَّلِ سَارٍ عَلى مَشِيمَةٍ جَدْبَاءِ وآخِرِ بَعْرَةٍ لَجَمَلٍ أَضَلَّ تِيهَهُ فَنُحِرَ بِجَرِيرَةِ الوُصُولِ.
جِدُّو كَنْ لِحِسْتَ لَي كَجَاني مِنْ دُوَانَةْ إِيَّا نِصَلِّي وَلَا وَا نِصَلِّي..؟ قَعْمِسْ… دِينْ أَمَكْ. هَشَّ أَمْ غَيَانْ: لَا الْبَلُومْ وَكَدْ طَبِيقُو وَلَا جَبَدْ حَلْقُومُو فِي جَابُودِي الدَرَتَ الكَبِيرْ. المَشِيمَةْ رَحِيمَةْ يَا عِيَالِي – وَضَحِكْنَا. ثَلَاثَتُنَا مَشَيْنَا عَلَى حَدِ الخَطَلْ، حَمَلْنَا لِلْقَدَرِ أَقْلَامَهُ وَدَوَاتَهُ وَلَمْ نَسْأَلْ يَوماً مَاذَا يَكْتُبُ أَوْ لِمَ؟
بِتْ الرِزيقِي وَآدَمْ خَشْمَ المُوسْ وَأَنَا. كُنْتَ تَلْقَاهَا – بِتْ الرِزيقِي- تَكَادُ تَمْشِي خِلَالِهَا. كَانَتْ مِتِلْ نَارَ الْسَرَارِيقْ تُكذِّبُهَا عَيْنَاكَ وَلَا يُخْطِئُهَا قَلْبُكَ. لا تَرَاهَا تَرْمِي حَجَرَاً عَلى مِعْزَاتِها المَلْعُونَاتْ حَتى تَخْتَفِي لِتَظْهَرَ عِنْدَ نُقْطَةٍ أُخْرَى وَبِحَجَرٍ جَدِيْد. تُومِضُ كَوَمْضِ سَاعَةِ الكَاسِيُو الوَحِيدَةِ فِي حِلَّتِنَا؛ كَانَ قَدْ جَلَبَها خَدَّار وَدَ الفَكِي الذِي تَهَمَّل فِي دَارْ صَبَاحْ خَمْسَةَ عَشَرَ عاماً، وَحِينَ عَادَ، مَشَى بَيْنَ النَاسَ بِقَامَتِهِ المَدِيدَةِ لابِساً بَنْطَلُوناً سَمْنِيَّاً وقَمِيص تَحْرِمْنِي بِخِطُوطٍ رَمَادِيّة واضِعاً عَلى عَيْنَيهِ نَظَّارَاتٍ دَاكِنَةٍ وحَوْلَ مِعْصَمِهِ الأيسر سَاعَةَ الكَاسِيُو التِي رَأَيْنَاهَا لأَوَّلِ مَرَّةٍ هُنَا. ولَكِنْ أَشَدّ مَا آلَمَ أَبَاهُ تِلْكَ السِجَارَةِ التِي مَا إِنْ رَآهَا الفَكِي هَرُون حَتى هَزَّ رَأْسَهُ أَسَىً: مَا فِي زُولْ مُؤمِن بِاللهِ ورَسُولُو يَاكُلْ نَارْ مِتِلْ قَطَرْ. عَادَ أَدْرَاجُهُ إِلى الخَلْوَةِ دُونَ أَنْ يُصَافِحَهُ، وفِي الْصَبَاحِ كَانُوا قَدْ شَيَّعُوهُ إِلَى مَقَابِر السُنُطْ؛ وَبَنُوا حَوْلَ قَبْرِهِ بِشُوكِ كِتِرْ.
كُنْتُ وَبِتَ الرِزيقِي نَتَعَقَّبُ الجِبِنْ جِبِنْ لِلْدِقيقَةْ. ومَا إِنْ يَضَعَ اللبَنَ أَمَامَنَا حَتى يُلْقِي خِرَقَهُ وَيَمْضِي مُتَقَصِّياً حَتى مَجَرّ الرِيْحِ عَلى الرِّمَالْ. وَبَينَ حِينٍ يَعُودُ يَأْكُلُ مِنَ الدِقَيقَةِ، وَيَرْسِمُ عَلَى الأَرْضِ المَمْسُوحَةِ بِيَدِه المَبْلُولَةِ مَا يُسَمِّيهَا دُرُوباً لِحَيْوَانَاتٍ وَعَوالِمٍ لَمْ نَسْمَعْ بِهَا مِنْ قَبْل.
يَوْمَهَا عَادَ مِنْ أحد تَقَصِّيَاتِهِ لِيَقُول: “لِقِيتْ لَي دَرِبْ أَطْرَشْ جَا بِهِنِي مِنْ تَلاتِي يَوْمْ؛ وَدَّ الكَلِبْ بُدُورِي بَرْضَأَآ لَي غَنَمْنَا. والْلَّاي كَنْ فَاتْ لَي فَرِيقْ نَاسْ شَمْبَلِي إِلَّا نَلْحَقَا”. وَحِينَ سَأَلْنَا كَيْفَ عَرفَهُ أَطْرَشَ لَمْ يحِر الجَوَاب: “وَكِتْ جَيْتُو دَاكْ فِي دَابِي كَبِييير قَاعِدْ تِحِتْ لَعُوتَاي صَغَيَّر إِلا بَغَطِي، قَاعِدْ بَفْسَخَ لَي جِلْدُو، تَرَا جِلِدْ وَكِتْ بَفْسَخُو بِكَشْكِشْ.. كَنْ كَانْ بَسْمَعْ وَلا جَا عَدِيييل لَامِنْ دَقَشَا لَي لَعُوتَاي وَفَاتْ”. وَفِي المَسَاء، حِينَ كُنَّا نَتَفَقَّدَهُ دَائِماً لَمْ يَكُنْ لَخَشْمِ المُوسِ أَو لِسَفْرُوكِهِ شِدّ الكَلِبْ مِنَ أَثَر.
لَمْ أَعْرِفَ قَبْلَهُ يَوْماً وَطِئ قَلْبِي مِثْلَ ذَلِكَ اليَوْم. حَتى بِتَّ الرِزيقِي مَا عَادَتْ بِحِضُورِهَا البَاهِتِ وَاللَّامِعِ فِي آنْ؛ تَأْخُذُ نزر اِهْتِمَامِي. أَرَاهَا كَعَنْزَةٍ مَيِّتَةٍ لِلْتَو، غَائِبَةً وَلَكِنْ لا تَجِدَ طَرِيقاً لِتَخَطِّيهَا. وَحِينَ يئسوا حَتى أَبُوهُ بَعْدَ شَهْرٍ خَرَجَ فِيهِ الجَمِيعُ إِلَّا النِسَاءَ وَالأَطْفَالَ؛ ضَارِبِينَ كُلَّ صَعِيدٍ بَحْثاً عَنْهِ، عَادُوا يَجُرُّونَ عَلَى سَماءِ القَرْيَةِ ظِلّاً قَاتِماً سَيَظَل ولِلْعَشَرِ سِنِينٍ التِي سَأقَضِيهَا هُنَاكْ.
أَكُو إِيَّا أَنِي وَا نَاخُدِي لَمَرَا أَبَانِي.. قَالْ بَرْجَا قَالْ… آه يَا بِتَ الرِزيقِي.. وَضَحِكْنَا. شِفْتَ يَا وِلَيدْ مِنْ سَنَةَ الوَدَرْتَ دَاكْ بِقِيتْ نُقُصِّي لأَيِّ دَرِبْ، كَنْ فِي زَلَتَاي كُلُو. عَرَبْ كَبَابِيشْ الحُمُرْ تَقُولْ قُرُودَ الطَلِحْ دُولْ وَعِيَالْ زَغَاوَة البُقُولُو لَي وَاتَا كُلُّو بَعَرْفُو – هَوَانَاتْ، تَرَا كُلُّمْ بَرْجُونِي فِي الصَيَّاحْ، يَوْمْةَ الإِتْلَمُو أَشِدْ بَيمْ لَلُبْيَا جُوَا. دَرِبْ فِي سَفَّاي شِفْتِي دَي أَمْنِشِيفِي. إِلَّا.. دَرْبِي بَسْ غَلَبَانِي أَلْقَا”. لَوْ لَمْ تَكُونِي بَاهِتَةٌ كَلا شَيْء؛ لَوْ لَمْ تَكُونِي سَاطِعَةً كَلا أَحَدْ… دَاكُنِي أَنِي القَيدْ شُمَّاتِكْ كِسِرْتَ مِتِلْ فَصِ. دَاكُنِي الإِمَلَخْتَ مِنْ إِدَينْ حَلافَاتِكْ بَتُربَ المَا شَافُو شَرَابَ النَجِمْ مِنْ مُويَةْ بَنَاتْ أَمْ تِقْدِمْ.
دَنْقَرْ، أَعْمَلَ عَصَاهُ عَلَى الرَّمْلِ، رَفَعَ رَأْسَهُ إِلَيّ، ضَحِكَ ثُمَّ تَمْتَمْ – مَا فِي فَايْدَة. لأَوَّّلِ مَرّةٍ أُدَقِّقُ وَأَنَا العَيْنَاي صَارَتَا وَاحِدَةً (تُوَرْوِرْ لِلْسَمَا وَالتَانِي لَخيلَ السَبَقْ)، كَمَا قَالَتْ أُمِي تَنْتَهِرُنِي بَاكِيَة صَبِيحَة رَحِيلِه وَرَاءَ أَطْرَشِهِ ذَاكْ. دَقَّقَتُ فِي آدَم خشم المُوس أَوْ مَا صَارَهُ. ظِلُّ عَصَاه يَرْسِمُ الثَالِثَةَ ظُهْرَاً عَلَى تِلْكُمُ المَشيمَةِ المُجْدِبَةِ – كُثْبَان الصَحْراَء. دُرْتُ حَوْلَهُ مُحَمْلِقاً بِالأَرْضِ مَرَّة وَعَلَيهِ مَرَّاتْ.. لَكِنْ؛ لَا ظِلّ َلآدَم خَشْم المُوس..
مَانِبِي سَوَادْ هِنَا إِلَّا القُطْرَانْ.. أَلْقَاهَا مُخَدِمِي سَرِيعاً لَكَأَنِي لا أَحَدْ. تَقَاطَعَنا وَهي دَاخِلَةٌ عليّ. الرَّيَّحْ؛ رَوَّحْ يَا وِلَيدْ. إِلا كِنْ غِلِبْ دُتْ/ فَالوَدَارْ وَدَارْ البِذْرَة فِي صُلْبَ الفَحَلْ.. الله يَرْحَمِكْ كَنْ مَيْتَة أَو حَية أَمُّو أُم غَيَان.
كُنَّا قَدْ اِلْتَقَينَا فِي حَوشْ (التَشَارُكِيةْ)، واتَّفَقْنَا عَلى كُلِّ شَيء. دَخَلَتْ؛ لَمْ تُلْقِ حَتى تَحيةً مُقْتَضَبَةْ. أَخَذَتْ تُحَمْلِقُ بِكُلِّ اتْجَاه، تَنْظُرُ إِليَّ بِإِمْعَانٍ ثُمَّ تَبْحَثُ عَنْ جِهَةٍ أُخْرَى. آ.. المجنونة! وَبِكُلِّ أمَارَاتِ الحُنْقِ بَاغَتَتْنِي رَاكِضَة إِلى الشَارِعِ. خَرَجْت؛ تَبِعْتُهَا جَرْياً فَتَعَثرت، وَسََقَطْتُ. انْحَنَيتُ لأَسْتَنِدَ للنِهُوضَ؛ لَمْ أَجِدْ لِي ظِلاً. تَلَفَّت وَرَائِي لَمْ أَجِدْهُ – دَرْبِي… ابْتَسَمَ لِي، رَسَمَ بِعَصَاه رَبْلاً لِحَظٍّ مَا؛ وَتَمْتَمْ.. لَوَّحَ بِيَدَيهِ، وانْتَهَى شَيْئاً فَشَيْئاً فِي الظِلال.
* قاص وشاعر من السودان