غوايات

مَشَارِق

 

هاهِي المَشَارقُ يا غَالِيةْ..

وها الفجرٌ ينمُو عَلَى مرِّ الطُّرقاتِ اليتِيمَة، وهَا أنتِ نورُ النَّوافذِ في اللَّيل، أنتِ أُغنياتٌ وقُرىً وضيئةْ، وأَنتِ لَمسَةُ القَلبِ عندَ الحَنَانْ..

وهَا مَاضٍ نَحوكِ والدُّنيا على كَاهلي، ومبلَّلٌ بالأوقاتِ البعيدَة، أستدلُّ على وجودكِ بالمطَر، أستدلُّ على غيابكِ بالأمسياتِ الغَاربة، وأنتِ لا تزالينَ طَعمُ المسَاكنِ في الهِجرَات، رائِحَةُ الأرضِ عندَ الحنان،

وأنتِ الحُنوّ،

وأنتِ الأنهارُ يا غالية..

..

..

في ذلكَ السُّهد كنتُ أكَابدُ ألفَ يَأسٍ وأمل، وَنَدَهتُ عليكِ، كانَ الصَّمتُ نَاصِعَاً، وكانَ التَّعب، وكأنَّكِ نَسِيتنِي، كأنَّكِ تَنسِينَ طويلاً، فيمتدُّ ألفُ حجابٍ وحجاب، وكأنَّكِ تأتين مرَّة..

وكأنَّ المسَافَةَ لا تنطَوِي،

وكأنَّ العُمرَ غصَّةْ..

..

..

وكنتُ في العَتمَةِ مغسُولاً بِبَصِيصِك..

وكنتُ في الطُّرقاتِ مُخّضَّباً بِكِ..

وكنتِ الغائرة كَمَا الوَدَاعَات، وكنَّا ننتظركِ طويلاً، كما الصَّغارِ يَنشُدُونَ المَطَر، كما الحقولِ تتشهَّى السَّنَبلات، وكنتُ أقولُ في أمَلِي لعلَّكِ تأتينَ سَالمةً وطيَّبةْ..

..

..

ثمَّ هاهو الخريفُ يغمرُ الدُّنيا، هاهو الأملُ في رقَّةِ الصَّباح، في قَهوةِ الفَجر، وها السَّفحُ تنبتُ على جنباتهِ البيوتُ الظليلة، وها أنتِ مثل ضحكة، مثل ومضِ الذِّكرياتِ البعيدَة، وهاهِيَ الرَّتاجَاتُ تنثني، والسَّماواتُ تفتحُ أبوابها..

وها نترقَّبُ صوتك،

وحشةً إثر أُخرى..

وحشةً إثر أُخرى..

ونقول لعلَّ الحياةْ..

لعلَّ الحياةَ يا غَالِيَةْ..

..

..  

 

* شاعر من السودان

زر الذهاب إلى الأعلى