ثمار

قياسات مضطردة لوقائع المدينة واقتباساتها

من أعمال التشكيلي السوداني/ عمر خيري - جورج إدوارد
من أعمال التشكيلي السوداني/ عمر خيري – جورج إدوارد

 

 

إضاءة

كان كجدولِ ماءٍ مُنزلق إليكِ يترقرق بسيرةِ العابرين، يمْضُغ علكة الحِكاياتِ القديمةِ بصبرٍ، يرسم بإصبع مرتعشة إطار الشمس، ثم وبيده الأخرى يدلق من إبريق ذي عنق منحنٍ، ربما معقوف كعصا مغولية، قطرات ماء كيلا يحترق الرسم فينمحق اللون.

 

(1)

انزلق إليكِ، ها هو يقترب، فأنتِ أنتَ، لا فرق إلاّ هو، إلاّ هي، ويقترب أكثر: قال “سعيد بن إبراهيم التستري الكاتب”: (ليس يجري أمر المذكر والمؤنث على قياس مُضطرد، ولا لهما باب يحصرهما، كما يدعي بعض الناس؛ لأنهم قالوا: إن علامات المؤنث ثلاث: الهاء في قائمة وراكبة. والألف الممدودة في حمراء وخنفساء. والألف المقصورة في مثل حبلى وسكرى. وهذه العلامات بعينها موجودة في المذكر: أما الهاء ففي مثل قولك: رجل باقعة ونسابة وعلامة وربعة، وراوية للشعر، وصرورة للذي لم يحج، وفروقة للجبان، وتَلعَابة، وضحكة وهمزة ولمزة؛ مما حكى الفراء أنه لا يحصيه). وأما الألف الممدودة مثل: رجل عياياء وطباقاء، وبسر قريثاء، ويوم ثلاثاء وأربعاء وأُسراء وفقهاء وبراكاء؛ للشديد القتال. وأما الألف المقصورة ففي مثل: رجل خنثى، وزبعرى للسيئ الخلق، وجمل قبعثرى إذا كان ضخماً شديداً، وكمثرى والبهمى نبت له شوك، وجرحى وسكرى، وسمانى، وخزامى نبت، وأسرى ومرضى، وغير ذلك مما لا يحصى).

 

(2)

ها هو الآن بين ذراعيك يتقلب، والقصة أن “عبدو” ذاك الذي يُشْبِهْ بغلاً يطأ أشواك الضريساء، ولا يعبأ، كانوا ينادونه قُبيل قليلٍ جِداً بـ(عبدو تعالي هنا)، وكان يحث الخُطى لا يتلفت، ولا يأبه، رغم أنه لم يسمع بسعيد بن إبراهيم قط، كما لم يسمع به (مُدون) سيرته الذي لا يعرف حتى معاني خنثى، وزبعرى، ولا يكترث حتى لو كشفتا له عن ساقي بلنط أو رخام، أو انقشعتا له كتمام العُري.

خريره يخترِقُكِ، والمدينة مدخل الرصاص تمور وتغلي غليان مرجل مغربي (مشدودة) عليه طنجرة الكُسكُس، أو غليان أرجل الحوّامين على أحذية مسحوقة قيظ ظهيرة خرطومية ماكرة، يرتلون أناجيلهم بأصواتٍ كأنها صادرة من ألسن تعطنت في أقعر أكؤس دهاقاً، تخرج من الكلمات تنثني انثناءات أنثى غنجاء، أو صبي أغنج، كعسكر مقطع الفيديو المبثوث على (يوتيوب).

 

(3)

بغنج يقترب خريره من شفرتيّ أذنيها، قال: (يقال امرأة قتيل، وكف خضيب، ولحية دهين، وامرأة شكور وعروب وصبور، وامرأة رضى وعدل، ومقنع، ودنف وأمير ووزير، وشاهد وضامن وعاشق وصاحب، ومعطار ومذكار ومحماق، ومئناث. وكانت امرأة معطار ومئناث، وكان هو رجلاً محماق، فكان لا يعرف أن الدار أنثى تصغيرها (دويرة).

 

(4)

لذلك ذكّرها ولم يُقدّر، فغنى (الدار الما داري أنا ما بمشي ليه)، لكنّه كان يعرف أن الظُّهر مُذكر والظُّفر كذلك، وبظفره ظل يحك ظهيرة الشِّعرِ حتى أدمى مقطعاً لـ(عبد الوهاب المطلبي)، إذ يسيل بـ(من أنتج تاريخ المخدوعين أهو العقلُ الجمعي/ الهمزةُ: إنّ الديجورَ مُحيطٌ/ هل كان المعبدُ بغلتـَه الشهباء/ في غثِّ الماضي أو أَنَّ الحاضر/ في وله الأميين لا معرقة غير حليب الناقة وَلـّى منْ كان الأوفى وعجيزتهُ ميدانٌ ودهاء لا يقحم/ سيكونُ المعبدُ في خدمة عسل القصر/ ولهذا قافلة العشاقِ ذبحتْ وهي قياماً وركوعاً وسجوداً/ إذ قال له صاحبهُ: (لم تخرج لجهادٍ مزعومٍ في شكّ من دينك/ أحرقت القلبَ وكفاك التمثيل عليّ ما هي إلا سفرة شهواتٍ مروية).

 

(5)

قالت له: عندما يكون المعبد في خدمةِ عسل القصر، ينتجا تاريخاً للمخدوعين. قال لها وهو ماضٍ بحذق قشرة موزة في انزلاقه نحوها مُترقرقاً بسيرةِ العابرين: وهذا ما جعل الرجل يمسح على لحيته الدهين، وتجشأ امرأة مئناث شكور ورجلاً خنثى زبعرى.

وهكذا مضت الأمور في المدينة/ الخرطوم، قرابة عقود ثلاثة في شكٍّ من دينها ودنياها، وها هو ينزلق نحوها كمسافر في شهواته المروية، يدوس عشبها الناتئ كشوكِ ضريساء بحوافر بغلة ضارية الوطء.

 

إسدال:

تشتعل أصابعه، يشبكها على خصرها، ويحترقان.

 

* قاص وصحفي من السودان

زر الذهاب إلى الأعلى