ثمار

ماذا نريد من الخلود؟ ماذا يريد منا؟

10261715_10202042145796427_49951445_a

(لو كنت تريد تدمير الاعتقاد في الخلود في الجنس البشري ، ليس الحب فقط ولكن كل قوة حيوية تدفع على استمرار كل أشكال الحياة في العالم تعتمد عليها، من شأنها أن تجف في وقت واحد).
 فيدور دستوفسكي

(الوجود كله صورة واحدة تتكرر بلا انقطاع في الزمن اللانهائي).
 نيتشه

* يا لها من يقظة تلك التي تنشج في قلب المعنى المسفوح على كوكب الرؤى، يا لها يقظةً مثقلةً بالأجوبة الخفيفة المنتحبة، الناهضة المتبرئة من الأسماء والمعاجم، وهي تركض في الهاوية ملتاثة ووحيدة رغم الجمهرات.. يا لها من رفقة مكنوزة بالأسرار والامتحانات الوجودية الباهظة، وأنت ترى إلى نكهة الحياة تتناقص في صلافة محكمة.
* لكنك جدير بهذه الوحشية، اللائقة، البرية، المضمنة في السؤال الهش والمربك: ماذا نريد من الخلود؟ لكنك جدير باللا جدارة المروعة المنتشلة من ترف محدودية السؤال ولا نهائيته: ماذا يريد منا؟ لكنك في السؤال كل مرة.. مرة.. تهفو بفضول الهندسة لتجسّ معدنَ الغفلة، وتبذله للدروب.
* هكذا يأتيك المكان الصائر إلى وقت، مترعاً بالجيوش والسطوة، وأنت في الزفير تنثال، وتترمل، وتتكاثر عليك القواميس، والجهات، في شهوانية الدمع، هكذا توشك أن تنثر الحكايا مأخوذاً بالنور، والشحوب يرتق جسد المسيرة بالتخيل.
* ما أصغر العالم في حدقات الخلود.. ما أبشع الخلود في حدقات العالم.
* والخلود هو الشساعة المهدرة القفر، المدهونة الضجر الغافل المغلف بالتكرار، هو أرق الكائنات على بساط فنائها الملون، هو الشهقة التي أقضت مضجع الإنسان بالتوق المستحيل الفقير.
* كلما دلقتَ على روحك أجوبة هينة ستضطرب الأشجار في جسدك بالسؤال الهش المغسول بالموت والتجربة والفيزياء.
*غرباء هكذا في صبرهم داخل قوقعة الوجود، محكومون بالأمل والوحشية والحقد، يكتبون بالمصادفة التي أحكمت شرط وثاقها على معناهم، منذورون للعبث، يكتبون الحكاية الصغيرة المخيفة الجاهلة تحت جحيم حضورهم الغريب والمبهم، وعلى جلد الطمأنينة الغافلة ينقشون أسماءهم الذاهلة الواهية ليسبكوا الطبخة الأكثر غموضاً..
البشر.. يا لهم..!!
* بين الوقت والمكان، ترقب جسدك يتأرجح مجهشاً بالأعذار، غائصاً في الأعطاب المزمنة والهباء المعد لمصادفتك الصادمة الملتاعة من نزق الضرورة، بين الوقت والمكان.. ها أنت ترعش لاجئاً مخدوشاً تحت فحش لا نهائية هذا الأسر الجبان.. ترتب كل مرة حكاية جديدة تسهر على مجابهتها، وتجابه كل مرة حكاية آهلة بالنبذ والعزلة بين الوقت والمكان.
* والخلود سريرٌ مذعورٌ عارٍ، تبهجه النسيانات، وتباغته رفقة الموت الجذابة بالضلالة المتحفزة، مغموراً بوسائد المستحيل الكافرة على حالها حتى إذا انتحب طفلُ الوجود الشريد هدهدته المبارزات الخافتة وجللت غفلته الفتنة المفجوعة بالوقت.
* وأنت تلهث تحت جمر التجربة الشاخصة، مباغتاً بالغرائز والأقاصي تتنقل من خبل إلى هذيان ومن وحشية إلى سكينةٍ يائسةٍ، مخذولاً بالكائنات، وحارساً لعدمك الصغير النابض بتفاصيل مهجورة ولغات تعرّف أخلاط الحياة البشرية المستدرجة بالصلصال والغربة المخبولة، وأنت في التجربة الباسلة تبتكرُ جسدَك المحاصر بعصف المهالك وشراك الطمأنينة.. تبذل الخطى المهدورة كلها لوهم الحياة حتى لم يعد الخلود كافياً لإباحية الخلود.
* والخلود الذي شحذت وهمه الأساطير وخففت من روعه التواريخ، وأطلقت المواريث جماحه من قيود الفتنة، لن يكفي ليعادل إجهاشة البشريّ بين شقاء الفيزياء وهدنة الأقاصي والكشوفات، لن يكفي ليهدئ روع البرية المشبوبة المهجورة بالشهوات والأجنحة والأوهام.. لن يكفي لينطق خرسه العادل بذرائع أقل من النسيان وجأش أوشك من الأسرار.
* كلما لملمتَ هيئاتك المنثورة في غيبوبة الخيال المفرط في التناوب بين اللغة وهيكل الحياة.. كلما اخترعتَ مساراً للظلال الذاهبة في الحكاية الصاخبة المصفدة بصلصالك الضال المموّه بالهباء.. كلما دبرت شهوةً لأسطورتك الغافية.. يفلح الهول المصاب باسمك في خيانة البلاغة المالحة للخلود وهو يمرح في جغرافيا ملغومة بالنياشين والقتل والأيام والوهم.
*  ماذا نريد من الخلود؟
*  ماذا يريد منا؟

 

* شاعر وكاتب من السودان

زر الذهاب إلى الأعلى