ثمار

ماركيز بقاعة الشارقة

 

القاعة التي تشرف بوابتها الشمالية على شارع الجامعة، في تمام الثالثة ظهراً، والقيظ يسلخ جلد الأرض تحت شمس يونيو المنعطفة نحو فصل الخريف السوداني، كانت تضج بالحاضرين.

وهناك – على المنصة – يجلس عبد الغني كرم الله وبجواره دكتورة نعمات كرم الله.. وعلى جانب آخر من المنصة يجلس الروائي إبراهيم إسحق والمترجم بحر الدين عبد الله.

 لص عظيم

بقاعة الشارقة كان الكاتب عبد الغني كرم الله يتداعى ويضع ورقته جانباً: (ماركيز هزَّ الرتابة في السرد بعد سيرفانتيس).. وأيضاً: (ماركيز كان من المراقبين لتاريخ الحياة، وهو ليس بطل الواقعية السحرية، ولكن أسس لسحرية الواقع).

ويذكر كرم الله في ورقته: “أحياناً ينسى ماركيز شخصياته (ذكر ذلك في مقال له)، ينسى أبناءه. خالق قاسٍ، يخلق (ثم يصمُّ أذنيه ويغمض عينيه لشخوصه)، تئن الأرض وتلوذ سماء ماركيز بالصمت، مخلوق سقط سهواً من ذاكرة الآلهة، استفاد من ألف ليلة وليلة أكثر من أهلها (الكوني، عائب طعمة، وغالب هلسا)، حيث الأميرة تجلس في في خلوتها كسولة ريانة تأكل الحب بكسل وبشبع وترمي بذرته فتصيب البذرة قلب (جنِّيٍ) صغير فتقتله، فتثير أمه الجنية الكبيرة ويجري ما يجري مما لا يمكن تصوره إلا في ألف ليلة وليلة”.

ويضيف: “أدب ماركيز سرق بجدارة مناخات التداخل بين الواقع والخيال والذاكرة والاستشراف وسَطَا على ليالٍ هندية وفارسية وبغدادية”.

ويقول: “كل شيء ممكن مع ماركيز، فحين تكسر حبة فول سوداني في نصوصه تجد بداخلها جبلاً وتطير منها فراشة مذعورة وخلفها أسد يزأر… كل هذه الأشياء جزء من حبة الفول السوداني”.

ويواصل عبد الغني استطراده في المقارنات بين ما أنتجه ماركيز والتراث الحكائي الشرقي ويقول: “ولأن للفتى فراغاً قروياً عظيماً، كان يحب (ألف ليلة) و(بدائع الزهور في وقائع الدهور)؛ فقد شاهدت بأم عيني كيف يقفز اللص العظيم ماركيز من فوق سور الكتب القديمة والملاحم الإنسانية، وكيف يسرق اللص العظيم جزءاً عزيزاً من بذر حكايته من شرقنا الحبيب فحكاية الغجر… وحكاية البنت التي يطول شعرها صورة طبق الأصل من كتاب وقائع الدهور (أن في بحر الهند جبلاً إذا اقتربت السفن من الجبل تناثرت مسامير الحديد التي فيها جميعاً وتأتي لتلتصق بهذا الجبل)”.

ولكل هذه التأملات عنون عبد الغني كرم الله ورقته بـ(اللص العظيم، اللص الجميل ماركيز).

1795216_886059924744398_7984002005983504780_o 1973788_886055498078174_8490625078897773551_o

ترجمة

يحكي مترجم قصة (عيون الكلب الأزرق) لماركيز بحر الدين عبد الله من الإسبانية إلى العربية، ما وجده من من مزالق في الترجمة، اضطرته للتحايل على معاني الكلمات من الإسبانية إلى العربية في محاولته أن يكون وفياً للمعنى في القصة المترجمة.

ويسرد مجموعة من الخصائص في القصة مُجْمِلاً إياها في: تداخل الزمان والمكان ما بين الحلم والواقع؛  واختفاء أسماء الشخصيات والأماكن؛ بالإضافة إلى التعابير المختلفة التي استخدمها ماركيز في القصة، التي اجتهد في ترجمتها من الإسبانية، مستعرضاً مجموعة الكلمات المترادفة التي استخدمها للدلالة على الحدث. ثم قرأ بحر الدين مقتطفات من ترجمته.

 مصادر ماركيز  

الدكتورة نعمات كرم الله المتخصصة في علم الدلالة، أشارت إلى المرجعيات المعرفية في ورقتها المعنونة بـ(ماركيز التقنيات والمضامين من العادي إلى مصاف النموذجي)، ولخَّصتها في قراءة ماركيز باللغات الثلاث العربية والفرنسية والإنجليزية، كما أشارت إلى التداخلات التخصصية التي اعتمدت عليها الورقة بين (نظريات النقد الاجتماعي، والتاريخ، وعلم الدلالة، والنقد الأدبي، والواقعية السحرية)، وقسمت ورقتها إلى: إطار خارجي وإطار داخلي لأعمال ماركيز.

أشارت نعمات إلى مصادر اللغة في رواية ماركيز، ذاكرةً أنها تتمثل في الشعر اللاتيني والأسطورة، واللغة الصحفية، التي قال عنها ماركيز نفسه بأنها لم تكن ذات أثر سلبي على كتاباته، كما أن لمعرفة ماركيز بعدد من اللغات أثرها في كتاباته التي تحوِّل الأشخاص العاديين إلى أبطال أسطوريين.

ثم تطرقت مقدمة الورقة إلى الأسلوب والتقنيات السردية، مشيرة إلى البنائية الدائرية المسيطرة على (مائة عام من العزلة)، لجهة تكرار الأسماء لشخصيات مختلفة في أزمنة متباعدة.

العناوين

ألمحت الدكتورة نعمات كرم الله إلى استخدام الزمن بوصفه تقنية في العنونة، مستعرضةً مجموعة من العناوين: (مائة عام من العزلة)؛ (خريف البطريريك)؛ (ساعة نحس)؛ (الحب في زمن الكوليرا). وصنفت عناوين تلك الروايات بأنها عناوين مكوِّنة للنصوص، وفقاً لما وضعته من تصنيف للعناوين (ناجز – مكون – مفارق).

ميتافيزيقيا

الروائي إبراهيم إسحاق استعاد مقالاً نشره سابقاً عن ماركيز. وأشار في ورقته إلى افتقار كتابات ماركيز للبعد الميتافيزيقي، مع تركيزها على ظلامية الممارسات السياسية والاجتماعية في أمريكا اللاتينية، قائلاً إن تلك الظاهرة في الرواية مرتبطة بكتاب آخرين غير ماركيز في الأدب اللاتيني، خاتماً حديثه بأن ماركيز ومجموعة الكتاب العلمانيين يؤمنون بأن التقدم العلمي سيحرر البشرية من الظلامية، لكنهم لا يعطون ضمانات كافية ضد الكوارث الإنسانية التي يخلِّفُها التقدم العلمي.

 يُذكر أن هذه هي الندوة السادسة والستون بعد الثلاثمائة لمعهد بروفسور عبد الله الطيب وكانت يوم الاثنين 2 يونيو الجاري.

 

* شاعر وكاتب من السودان

زر الذهاب إلى الأعلى