ثمارغوايات

الموتى أيضاً.. يكتبون

محمد-عثمان

أنا الهارب منك
يتها الحقيقة العارية
إلى مكان بعيد
تموت الأسرار فيه..
أنام تحت ظل الكنائس المهجورة ..
تحت ظل عاشقين لم يفرغا من العناق،
آكُلُ رفات القبل المتساقطة  منهما،
وعند البرد

أتغطى بهياكل ملابسهما العظميَّة
برائحة جسديهما
أنام وحيداً قرب الحانات الرخيصة
في حي مهجور لا ينتمي إلى النهر
وبكأس شراب وحيدة

تكون كافية لأن  أنساك،
لأن أنسى من أنا،
لأدرك أنني الهارب الوحيد
الذي ظل يكتب إليك بذراع مبتورة،
من فوق سرير من الوقت والحجارة،
يكتب إليك وكأنه يحبك.
أكتب إليك من مكان مظلم،
ورفيق زنزانتي التهم الشمعة ونام..
أكتب وشخيره يأكل أذني،
أغض الطرف عن الفتاة العارية على ظهره
وعن وشم طفليه.
أكتب إليك
بخيال مبتور كسائقي الشاحنات السكارى
حروفي جائعة مثلي
وأنت بفستان نومك الأبيض
تمرِّرين لسانك لتفتحي الظرف المتسخ
تمرِّرينه وكأنك تلعقين قلبي ..
هنا  الأوراق متسخة يا عزيزتي جداً،
نسرقها من دورة المياه
ونكتب عليها كلاماً جائعاً كحالنا..
ولاحقاً نمزِّقها يا عزيزتي
ونأكل الشمع وننام،
ننام وعلى ظهورنا فتيات عاريات.
ها مرة أخرى أكتب إليك،
أكتب إليك وأنا أركض
أسقط كلمة وألملم أخرى..
أطارد اللصوص في دمي
وأطلق الحبر عليهم،
أكتب إليك
والقافلة تعوي والبنات يَسِرْن
أبلُّ على قصائد قدميك،
أنوش السباع في صمتك،
في الصحراء على صدرك أشرب الرمال،
أشرب الوقت الذي يفصلني عنك  لألتقيك ..
أشرب المكان  كله، ويشربني،
عيني تخرج أقلامها وتكتب،
تكتب على  جسدك .
وأنا أكتب إليك كقرصان
بعين يسرى مفقوءة ..
كلاماً شاعرياً؛
يخص العناق والموت،
الموت أكثر شاعرية يا صغيرتي،
أكتب إليك من تحت هذا الرخام،

من تحت الطين والأسئلة،
تفتحين الرسالة ورائحة الموتى تغرقك،
فالموتى يكتبون أيضاً يا صغيرتي
يكتبون ولا ينتظرون الردَّ.

 

*كاتب من السودان

زر الذهاب إلى الأعلى