ثمار

لكنه لم يمت شيء

يوسف حمد

هل أكتب بلساني فقط؟ هل أستعير لسانك؟ هل أصور المشهد من منظوري، ثم أقر بعد ذلك بنقصانه؟ على كل حال، سيظل هذه المشهد ناقصاً ما لم تعلِّقِي عليه. وستنقصه نصف الانفعالات والشهقات المكملة لحقيقته وروعته. وعادة، نحن لا نستطيع امتلاك الحقيقة منفردين. كنت قد حدثتك في وقت سابق، عن الساعة الخامسة والعشرين، وكيف أنك غافلت فيها الملائكة والناس، وأتيتِني بأنوثتكِ الطاغية. بالفعل، واتتنا الساعة بترتيب مدهش، صنعته الصدفة المقصودة! يا لنا من مجنونيْن عظيميْن ومحظوظيْن!! كانت أنوثتك، في تلك الساعة، تفصح عن نفسها بمقاييس لا تحتمل، ولا تقاوم، وتشعل فيّ الرغبة وتلفحني بنار الاشتعال الحارقة، الله الله من نارها، وسرعان ما تتكور الأشياء العجيبة تحت سروالي، وتتمدد تحت ألبستي الداخلية، تتكور بحجم منتفخ، وتدخل في صراع يائس بنيَّة الخروج لتعبر عن الحب على طريقتها، يا لتهور هذه الأشياء الشقية، إن لم تدخلك في يوم ما، وتقسمك إلى نصفين متساوييْن. ويبدو أن سروالك ذاته عانى الصراع، لكنه أقل من صراعي بأي حال، إذ ليس في مكمنك ما يتكور وينتفخ مثلي أشيائي! لا أدري من أين واتتني الجرأة لأفعل ذلك الذي فعلته، لقد استطعمت شفتك اللدنة بنهم رائع، دمعت له عيناي، أهي جرأة الرغبة التي تجتاحني وتجتاحك؟ ورغم أن جلوسك على المقعد ووضعك المتقرفص حال دون أن أحضنك بالكامل؛ إلا أن نيران شوقنا المجنونة كانت تتجاوز جميع عقبات أوضاع جسمك، واستطعت بمجهود قليل أن أصل شفتيك، وأنا في وضع المنكفئ عليك. كانت شفتاك تتباريان مع صدرك الرهيب لإثبات جدارتهما، وانتزاع أحقيتهما في اللثم والتقبيل والملامسة، وكان يزيد من جمال اللحظة تلك الأنفاس المتهدجة التي تخرج منك لتعبر عن اللذة والشبق على طريقتها، وكانت أنفاسك تأتيني متأوهة، وتشحنني بمزيد من الاشتعال الممتع. جلست، بعد تلك القبلة العميقة، إلى جوارك بكامل رغبتي فيك، كان الجلوس يمكنني من مد يدي اليسرى لتصل إلى ظهرك بسهولة، ثم أشدك إلى حضني في وضع ممتع، راق لك كثيراً، فعلْتُ، ذلك فارتميتِ بوضع مائل على جسمي، الذي أكمل استدارته ليحضنك. كنا في وضعنا ذاك كما لو أننا نخترع رقصة جديدة، ونتدرب عليها. يا لروعة عطرك حين أدس أنفي في جيدك المصقول، وأشتمُّ ما تحت أذنك من عبق، كنتِ ترتعشين بين يدي المشاغبتين، كغصن الريحان الندي. حدث ما حدث ليغرينا بتحويل مكاننا، ونتحايل لنصل إلى وقفتنا الثانية أمام الباب. كانت اللحظات جميعها صالحة للحب، والعشق، والهوى، وجديرة بأن تعاش بطولها وعرضها، غير أن جموحي الزائد ورغبتي الغائرة في ثنايا جسدي وروحي؛ أخافاني… خفت عليك من نفسي؛ إذ ليس لرغبتي فيك كوابح. هممتُ بمغادرة المكان لأهرب وأداري هذا العشق المجنون الفالت، وكنت في الوقت نفسه أشتهي النظر إلى وجهك وعينيك، ولا أرغب في أن أتركك. ترددتُ: “أطلع؟ لا ما تطلع. أطلع؟ لا ما تطلع”! وخرجت بلا إرادة مني، حتى وصلت إلى الباب الرئيسي. لو كنتُ خرجتُ لندمتُ ندماً ما بعده ندم، لكنني أحمد لك تمسككِ بي. كانت وقفتك الرشيقة إلى جواري في الباب الخارجي دعوة رهيبة لأن أهتبل الفرصة، وأعود لأتحايل على ظرف المكان فأرتوي منك، كنت مغرية وشهية ورهيبة، وأنا عطشان عطشان عطشان لشفتيك بمقدار لا يدركه الارتواء. ثم نجحتِ وأعدتِني مرة أخرى. كان رأسي يمور بالتفكير في أبعاد جسدك المشبوب المتوهج. كان جسماً رائعاً يصلح لأن أتوسده وأطفئ عليه لهبي المتأجج، لكن كيف؟ كيف؟ كيف؟ لا إجابة، إنما مزيد من الورطة والنار الحارقة، حين أزحتِ الطرحة من على صدرك؛ وإذ بان المجرى الضيق بين نهديك، فضاقت بي أرض الله الوسيعة. روحي تحن لعوالمك السرية البعيدة، عالمك هنااااااك، حيث يبدأ الكون وينتهي!! لكن كيف أصل؟ كيف؟ كيف؟ لا بأس؛ فلنتحايل، فما أكثر الحيل التي يجترحها العشاق وهم يبحثون عن طريقة لتخرج بها آهة حارقة تتوسد أرواحهم المعذبة من سنين!! اقترحتِ عليّ الرقاد على السرير المجاور لمقعدنا الملتهب من لهبنا، ولو انسقتُ لمقترحك لبانت مني رجلٌ ثالثة منتصبة، أو ظهرت لبطني إصبع عظيمة منتعظة. لذلك كان وضعي ذاك سترة في أسوأ أحوالها، لذا هيهات، هيهات أن أرقد.. وأنا في هذا الوضع من الشحتفة. لمَ لا أغادر هذا المقعد، وأذهب إلى الغرفة المجاورة؟ ربما وجدت فيها براحاً لأحضنك وأقبلك بشكل أكثر عمقاً، وألتصق عليك بحميمية يكون فيها مقتلي، أو مقتل هذا العشق المتمرد العنيف؟ وقد كان، لكن لم يمت شيء.

 

* كاتب وصحفي من السودان

زر الذهاب إلى الأعلى