ثمار

غلبة القلب على المعرفة

شذى بله

خاطبته بلغتي المتعثرة. على الأقل هذه الخسارات الفادحة كلها كاذبة ومموهة بالغياب والخيال الكثيف. خسارات غير حقيقية كخسارات لاعب مراهق أمام شاشة الكمبيوتر.
قال: اشرحي.
قلت: ليس من شيء لأشرحه. هي غلبة القلب على المعرفة، بل إنني أعتبرها كالتحليق في الخواء.
قال: لولا ما علق بذهنك من نجومٍ  لأنكرت عبورك بسماواتنا معاً. بيد أن النجوم – مثل حالتنا – بلا ذهن، وبروح عالية جداً، وتنام كل مساء على بساطها الأبدي، ولا تفكر في الهوة أسفل قدميها، ولعلها لم تجرب السقوط.
قلت: نصحتني من قبل أن أرمم لغتي المتآكلة، لكن ثمة أشياء غائبة عنك، أولها أنني مررت بأزمان أشد صخباً مما تعتقد وأناس ملونين مثقوبي الذاكرة والأخلاق، وأحداث أشد غلظة من حالة الفشل التي تعتريك. ثم إنني قررت في خضم كل هذا أن أعيش حياة هادئة أو منسية، أنشغل فيها بالتفاهات: لون الطلاء، أرجل الكراسي، موقع المكتبة.. والمقهى ومواعيد القطار، حالة الطقس وجرائد الإعلانات الصباحية.
قال: وما الذي ستنجزينه من حياة كهذي؟
قلت بلا تردد: لا شيء.. لست معنية بهذا. لي صديق انتهت حياته في خضم معاركه معها، وذهب قبل أن يعرف إن كان منهزماً في معركته أم منتصراً. لذا أنا تحديداً لست منشغلة بإتمام أيٍّ من معاركي مع الحياة. أود أن أهزمها بحالة اللا اكتراث هذه.
قال: ثم إنك في تبدلُك.. تبذُلك.. انسهاكك.. غربتك وغيابك.. وبقية الكلمات التي يمكن أن تشغل هذا القطار؛ يحدث أن تتحققي بوميض هائل ثم تغيبين.. كأحابيل الفضاء الغامضة. قد تكونين مريم الباقر أو ربيكا تومسون أو باتريسا، تنحرفين قليلاً عن ذاتك.. أو كثيراً، حسبما يتطلب المسار لبلوغ غاياتك الغيبية. واصلي تعرجاتك إذن، لا يعنيني أي لون تتخذين، ففي القلب مساس بنقطة الارتكاز.. تلك التي…
قاطعته: الوقوف على الحقيقة صعب.. الوقوف نفسه صعب.

 

* كاتبة من السودان

زر الذهاب إلى الأعلى