ثمار

موت الظل

ابراهيم حمودة

أقع في ظلي، كما تقع المدينة في ظل المطر، فلا يصيبها منه شيء. لا يصيبني منه حزن ولا فرح. هذا الظل المفلت من شفقتي ومن خطوتي اللاهثة خلفه، ولا تدركه في كامل المسافة من هيلفرسم نوورد إلى الميديا بارك جنوب، حيث المحطة التي اقتلعت مظلتها الزجاجية التي تزينها إعلانات مسرفة في استخدام الإيحاءات الجنسية، حتى وإن تعلق الأمر بطعام هرة أحسنت صاحبتها إطعامها ولم تحبسها.
يعايرني بالفناء، ظلي، وحذائي الشمواه الضارب للحمرة يكاد يدوس على موضع القدم منه ولا يدركه. أنا الإنسان المنتمي لعصر الأولوية التي تشترى بالمال Fast track of priority lane ولكني أعافها بما هي عليه من استسهال مجرد من الحياء لكسب المزيد من المال. في مثل هذا الصف الذي يتيح الأولوية يمكنك دفع حفنة إضافية من النقود لتجنب الوقوف في صف الصعود إلى الطائرة، فتكون أول الصاعدين، ثم ماذا بعد؟ ستنتظر صعود البقية بالطبع قبل أن تقلع الطائرة.
بحفنة من المال يمكنك استئجار متشرد للوقوف بدلاً عنك نصف يوم بكامله في صف التذاكر لحفل موسيقي باهظ التكاليف، للتأكد من ذلك راجعوا نجم هارفارد مايكل ساندل what money cant buy والذي يقول معزياً ومحذراً: إن كنت ستضع ملصقاً يحدد السعر على كل شيء فتأكد أن سعره سيتناقص، كم تكلف كلية آدمية؟ مائة دولار ربما في الهند؟ خمسة آلاف دولار في تايوان، ومجاناً من لاجئ سوداني في مصر يود عبور صحراء سيناء إلى أرض الميعاد. كم يبلغ سعر الشرف؟ الأمانة؟ هي أشياء لا تشترى بحسب أمل دنقل، ولكن لاقتصاد السوق منطق آخر، المشكلة ليست في اقتصاد السوق كما يقول مايكل ساندل، ولكن في مجتمع السوق الذي انتهينا إليه حيث تقاس القيم وتوزن بميزان المال.
في المساحة المخصصة لماكينة القهوة البطيئة المخادعة التي تصدر من الأصوات ما يوحي بأن البن يسحن طازجاً قبل نزول الكوب البلاستيكي، حدثتني زميلتي جميلة ذات الأصل الجزائري بأنها قد عادت لتوها من عطلة للغطس في جزيرة بونير التابعة لجزر الأنتيل على الكاريبي. سألتني إن كنت أجيد الغطس؟ أجبتها بأني لا أجيد حتى السباحة، وزدتها في الشعر بيتاً بأني لا أقود حتى سيارة. هذا أنا الواقع في ظل ظلي، anti macho  لست بذلك الفتي المعني: هباط أودية، حمال ألوية. أسير في طريق مرصوف أحاول اللحاق بظلي فما أقدر من قلة حيلتي.

 

كاتب وناقد وصحفي من  السودان

زر الذهاب إلى الأعلى