*ثروَة
لديَّ نَهْرٌ فِي جُدْرَانِ غُرْفَتِي
يَنْبُعُ مِنَ السَّقْف
وَيَصُبُّ أَسْفَلَ النَّافِذَة
نَهْرٌ مِنَ شُقُوقٍ قَدِيمَةٍ
بِشَاطِئٍ مُتَعَرِّجٍ أَبَدَاً
بِمَرَاكِبَ شِرَاعِيَّةٍ مُتَصَدِّعَةٍ
بِصَائِدِي أَسْمَاكٍ فُقَرَاءَ، نِصْفَ عُرَاةٍ
لَا يَثِقُونَ أَبَدَاً بِاليَابِسَة.
لَدَيَّ مَرْكَبٌ مَكْسُورٌ
لَا يَعْبُرُ أَبَدَاً لِلضِّفَّةِ الأُخْرَى.
لَدَيَّ حَبِيبِي، يَسْبَحُ عَكْسَ التَّيَّارِ
جَهَةَ الليْلِ.
*لَيْل
اللّيْلُ،
بيتُ الشَّاعِرِ الغَامِضِ
كُوخُهُ المَنْسِيُّ فِي التُّخُومِ
سَرِيرُهُ المَرْمِيُّ بَيْنَ القُبُورِ، بِلَا عَشِيقَة.
فِي اللَّيْلِ
لَا أَحَدٌ يُبدِّدُ وَحْشَةَ الشَّاعِرِ
سِوَى القَصَائِد الضَّالَّةِ
وَصَدَى أَنِينِ الرِّيحِ فِي النَّافِذَةِ
حَيْثُ لَا شَمْعَةٌ
هُنَا
وَلَا نِيُونَ فِي البَعِيدِ
سِوى العَمَهِ
وَطُفُولَةِ الوُجُود.
فِي اللَّيْلِ
يُكَرِّسُ الشَّاعِرُ طُيُوفاً خَضْرَاءَ لِلْمَوْتَى:
أصْدِقَاء رَحَلُوا
شَوارِع عَبَرَهَا وَحِيدَاً
حُطَام قَنَانِيَ فَارِغَةٍ
قَصَائِد لَمْ تَكْتَمِلْ أَبَدَاً.
رُوَائِح نِسَاءٍ هَجَرْنَهُ فِي أَوِّلِ الحُبِّ
دَمَامِل الذِّكْرَيَاتِ
أَسرَارهُ الخَبَيئَةُ.
فِي اللَّيْلِ
يَبْكِي الشَّاعِرُ عُزْلَتَهُ الطَّوِيلَةَ،
عُزْلَتَهُ غَيْرَ المَجِيدَةِ.
يَبْكِي بِلَا حِكْمَةٍ.
*حِكْمَة
أَفْهَمُ هَذَا العَالَم جَيِّدَاً
أَفْهَمُ كَيْفَ يَعْمَلُ
كَآلَةٍ خَرِبَةٍ وقَاسِيَةٍ
أَفْهَمُ أَنَّهُ سَيَسْتَحِيلُ إِلَى كُتْلَةِ حُزْنٍ مُتَصَلِّبَةٍ
أَفْهَمُ أَنَّهُ: لَا أَمَل.
*أَمَل
العُميَانُ لَايُقَشِّرُون الفَاكِهَةَ،
إِنَّهُم يَفْرِكُونَ الأَنْهَارَ وَيَعْبُرُونَ شَارِعَ كَاتَرِينَا صَامِتِينَ
يَحْمِلُونَ قَنَانِيَ فَارِغَةً
فَوْقَ ظُهُورِهِمْ المُقَوَّسَةِ
نَدَبَاتٍ طَازِجَةً وَجَوَالَاتِ حُزْنٍ قَدِيم
لَا يُغَنُّونَ أَبَدَاً
إلّا لِحَبِيبَاتِهِمْ فِي اللَّيْلِ
مِنْ غِنَائِهِمْ:
(تَحْمِلُنَا الحَيَاةُ إِلَى الأَزِّقَّةِ
الْمَنْسِيَّةِ
يَسُوقُنَا الله بِعَصَا الفَجِيعَةِ
فِي الدُّروبِ الخَافِتَةِ.
يَا بَنَات، كُنَّ لَنَا خَمْرَاً عَتِيقَةً
وَدَمْعَاً فِي المَقَابِر).
العُميانُ أَصْدِقَاءُ السُّوءِ الأَحْرَارُ،
أَبْنَاءُ الله المَطْرُودُونَ
أَخَذُونِي مَعَهَمْ فِي طَرِيقٍ بَعِيدٍ
وَمَا أَرْجَعُونِي لأُمِّيَ الشَّجَرَة
أُمِّي التِي مَاتَتْ أَوَّلَ بِذْرَتِهَا.
*مَوْت
لَا أُرِيدُ أَنْ أَتَمَرَّغَ فِي رَمْلِ الخُلُودِ النَّاعِمِ
البَارِدِ وَالمَخْمَلِيِّ
المُتَوَهَمِ.
لَا أُرِيدُ
فَلَدَيَّ مَوْتِي الفَاخِرُ
فِي شَارِعِ النَّهَارِ المُزْدَحَم.
لَا لِلأَبَدِ
نَعَمْ الآن أَوْ لَا.
*لـ الأصمعي باشري
تَعَالَ نًُهْجُرُ هَذَا الحُزْنَ
ونُغَنِّي لِلْبَنَاتِ
نُطْلِقُ صَوْبَهُنَّ العَصَافِير.
أَمَامَي بِنْتٌ جَمِيلَةٌ،
كَشَهْقَةِ الكِرِيسْتَال
تَعَالَ نَلُفُّ حَوْلَ عُنقِهَا نَهْراً صَغِيراً مِنَ القَصَائِد
ونَدُسُّ في إِصْبَعِهَا شَهْرَ نُوفَمْبَرَ كَخَاتَمِ السَّاحِر
أَمَامِي بِنْتٌ أُخْرَى
اِشْتَرَتْ لِحَبِيبِهَا قَمِيصَاً أَبْيَضَ
بِمُنَاسَبَةِ ذكِرَى قُبْلَتِهَا الأُولَى
(يبدو أَنَّهُمَا صَدِيقَتَان)
هُنَاكَ بِنْتٌ تَرَكَتْ مِقْعَدَهَا
لِغَيْمَةٍ وَوَلَجَتْ إِلى مَحْضِ حُزْنِهَا
أَسْأَلُكَ: مِنْ أَيِّ عَجِينَةٍ خَلَقَ الله البَنَات؟!
أين سنرحل؟!
*رحيل
بِعَاهةٍ فِي القَلْب
ونَدْبَة فِي الرُّوحِ
أَرْكَبُ زَوْرَقِي وَأَرْحَل.
*شاعر من السودان