(أ)
(*)
(1)
أشرقي
لاذعٌ نوركِ
وموتكِ مبهجٌ
وأنت شاحبةٌ.. يا شمس.
(2)
قفي
احملي دمعي
وأمطريه قُبلاً
على شفاهٍ جميلةٍ
فأنت يا ريحُ لزجة.
(3)
كيف أطاردك
لأصطاد ما كان سيصطادك
وأنتَ لا تستريح إلا لترحل.. وتجعلني ظلَّك
جُرحُكَ لا يندمل
والحربةُ لا تملُّ.
(**)
(1)
تصفقين
تثقبين الهواء
تغنين
تجرحين الفضاء.
لاتصفِّقي
لاتفتحي ثقباً
تندلقُ منه بقايا الهزيمة
(ثقبٌ
يعيدني القهقرى
يريني كم كنتُ كما يُشتهى
آهٍ الذكريات لظى).
لا تغني
إذا غنَّيتُ _أنا_ بجراحٍ باردةٍ سأصيبُ الفضاء.
(جراحٌ
ستشوِّهُ كمال الفضاء
لكنها ستحرمه الألم الذي يُنطِقُ الحكماء).
لا تغني
الغناءُ الذي يأتي قبل نضوجِ البكاء
ليس سوى فرحٍ أعرج لا يُجيدُ الوقوفَ إلا على قدمٍ من دموع.
جناحاكِ سيفان
وغناؤكِ وعرٌ يا قمريَّة.
(***)
(1)
(ديمو)
دون أجرٍ
تُزيِّنُ خِصْر الهواء،
وتوشِّحين عنقَ الهواء
ولا رأسَ لهُ
يا فراشات
امرحن
وحين يجيءُ الرحيل أريد عظامكن
أريدُ
قلائدَ تليقُ بهزة الشدائد
لأرى ماذا يقول أخي.
(2)
(صوت)
لا أخ لك
وإلا لكان معك
أنت وحدك
لو كان لكَ أخٌ لخرجَ معك
أنت غريب
غريبٌ.. غريب.
(****)
(1)
(الفراشات)
زهرُ الهواءِ
وإحساسهُ بالبقاء نحنُ
وكما تُهلكُ الريحُ من تستعيرها قدماً من بغاث الجَّراد
عظامنا تُهْلك.
(2)
(ديمو)
كفنُ الهواء
وأحلامهُ بالفناء أنا
الهلاكُ هو قتلنا أحلامنا لنحفظنا
وأنا روحي جائعةٌ
حتى أراني فما أشتهيني
رمحي في يدي
ويدي على خصرٍ يخصُّني
والخصرُ مشرقٌ بكنَّ يا فراشات
وإلا فأنا هالكٌ.. واسمي ميِّت.
(*****)
(1)
إلاك
يا من على الماء
لما لا تخرج مني إلا إلى الماء
فأحسني أروي عطشي بدمي
يا من على الماء
مرٌّ طريقي
وأملي لقيط.
(******)
(1)
(ديمو)
السُّحب تلتهمك
يشوِّهكَ الجراد ولا موت لك
بل فصولٌ تشكِّلك
شاهقٌ أنت يا قمر
وعواء الذئاب لن يطأك.
(2)
(ذئب)
في قلبي موطئُ رحمة
يرونني فاتكاً
كم كذبوا حين جعلوا لقائي تهلكة
وجعلوني غير مؤتمنٍ إلا في جوف الرَّدى
في قلبي موطئُ رحمة
لكن من يستحقها؟
أمن لا يراها إلا سلالم تُصعِده من الهاوية ثم يحرقها؟
آهٍ يا رحمة
وحدكِ تستحقين أن تبذري
ويُصدِئُكِ أن تُخيَّري.
ـــــ
(ب)
(*)
(1)
جسدُكَ الفراغ
ونحنُ _الطُّيور، الزهور، الوحوش_ خلاياك
ونبضُ الحياةِ بكَ
عينك الشَّمسُ
والقمرُ أذنك
والنجوم دمامِلٌ على وجهك.
(2)
جارحٌ اسمك
وعلى كلِّ تربةٍ حكمك ينبت
أحتاجك
وأنت مطرٌ يقبِّلُ أجسادنا
نحتاجك
وأنت ريحٌ تجدد أفكارنا
نحتاجك
لأن الحاجة إليك نبعٌ غرستهُ فينا
وحدك ولست غريباً
الغربةُ هجرانُ احتياج غيرك إيَّاكَ منك.
(**)
(1)
(الفيل)
لو ألمٌ لا يُقدَّس
فذاك الذي على الظهر واقفٌ
حسبته شرياناً منك
ظننتني مُسرفاً قَضَمتُ عُشبك
لكنني أرى جلدكَ الأرضَ
عامرةٌ بالعشبِ
والنملة التي حلمها الشتاء تجرحك
لتخبئ بعضك من ذُرَةٍ بكَ منك
ما تزال هانئةً يالظلال
لو ألمٌ يستحقني
فأنا أستحقه
لكن النابت على الظهر جهة السماء
ليس ألماً
هو حقدٌ يشكوه رسوخُ الحربةِ فيَّ
حين حطَّت في البدء عليَّ
ظننتُ الأرض تثأرُ مني
لكن لما رأيتُ الدَّمَ تذكرت أنها حين تثأر لا تُريقُ الدَّم
لكنها تطردُ السُّحب
وتُصَيِّرُ ذاتها مأدبةً للجراد
فهربتُ
وهربت
لكن الحربة لم تهرب مني
فوقفت
لكنها لم تقف عن الخوضِ فيَّ
ثمَّ وجدتني كلَّما وقفتُ اشتكيتُ وبكيت
لذلك قلتُ لن أكفَّ عن الركض حتَّى يحمل الضُّوء إزميله ويطلبَنِي دون جدوى.
(***)
(1)
الأرضُ شفةٌ
السَّماء شفة
الاثنتان شفتانِ لك
والطَّيرُ، البقرُ، الشجرُ أسنانك
ونحنُ كلماتٌ لفظتها بتأمل.
(2)
(جوك)
من استأذن الشجر
حين نما عليه متربصاً بالفيل؟
لا أحد..
الشجرُ استأذن من
حين وشى بديمو للفيل؟
لا أحد..
خبئ الشجر
يخبئك الشجر
الطبيعةُ حلمٌ
تنصاعُ لمن يخيطون من النمر طفلاً وديعاً
(****)
(1)
ملَّني المسير
وبتُّ أميِّزُ بين شمسٍ وشمس؛
الشُّموس التي تجرها ثيران الضياء لتخيط الفصول وتشيد الحقول
هي تلك التي تضجرني
بقتلِ الضياء بدواعي وجوب المساء
وقدوم الصباح
الذي يعني السير، الركض، القفز، الركع من الفيل للفيل
والحربة ما تزال شاخصةً للسماء دليل إدانة.
إني أسألني: جدُّ من الفيل؟!
(2)
قارسةٌ وحدتي
حتَّى تمنيتُ لو أني اغتسلتُ باللبن
أحتملُ ضجر الآلهة
لأحظى برفقة
فاتكٌ صوتي
وحربته الصدى
ماذا يفعلُ الصدى بالصدى
الصَّدى مرٌّ وطعمهُ قاتلٌ حين تكون وحدك واسمك يائس.
(*****)
(1)
(ديمو)
أيها الماءُ
يخصُّكَ الصمتُ
لكنك تخصَّني بالبكاءِ حنيناً
والصَّمتُ أنيناً
إلى من لم يُخيّط رداء الحنين إليَّ يوماً
كلما جئتكَ أخرجتني منِّي لأحنَّ إليَّ
وأبكي..
لأنِّي لستُ عليك
هذا أخي يلبسني ويطفو عليك
وكلما أردت الشربَ صَرَخَ دمي
(2)
(صوت)
اشرب
لا أخَ لك
وإلا لكان معك
اشرب
لأن الأخ الذي تشتهيه
سيأتيك يوماً
ستصنعه أنت، لكن ليس كما تمنيت دوماً
اشرب
ليس أخاك
(من يتمنَّى الفراديس لك
أخوك من تتمنى النصر لهُ وهو ظلماً يحاربك)
(******)
(1)
متى أراني
كما أشتهيني
قدماً على أرض جدِّي
وقدماً على ركبتي
ويدي على حربتي
وأنا ويدي وحربتي…
بابٌ تقفُ أمامه عذراء تجهر بي
(2)
ألملمُ تغريد الطير…
لأضمِّد الجرح السماء بينما جوك يبتركِ يا شمسُ
رغم أن السماء النازفة جهة النيل لا تشهر الألم
ــــــ
(ج)
يا شمسُ..
لست بوصلة للوقت
أنت فانوس يطفئه جوك في بلاد ليشعله في بلاد
كل مساء تريقين دمكِ…
على الماء وتلوِّثين أحلام السمك بكوابيسك
تجعل البجع والدبارق تطلقُ ما خصَّها من نحيبٍ
بينما البوم يتثائب وهو في برزخٍ من الصحو والنوم
لكنه سرعان ما يطرد النوم لينشر داء الحنين إليك
كلُّ هذا وجوك يطفئك ليشعلك في بلادٍ بعيدة
ربما ديمو فيها يحلم أو يحنُّ إليَّ
يا شمسُ اغسلي وجه ديمو وردِّيه لي.
* شاعر وروائي من جنوب السودان