إلغاء تسجيل اتحاد الكتاب السودانيين: ثور السُّلطة في متحف الكتابة والثقافة
“الإنسان الذي يُعرِّضُ نفسَه لِمُتَعِ الأدبِ ومعارِفِه، لا يعودُ يصلحُ كمواطنٍ خنوع ….”
– هاينر كيبهارت
….في خُطوة تعكِسُ الارتباكَ الأزليَّ للسُّلطة في الأنظمة الشُّمولية في مواجهة الْكُتَّاب والْكِتابة، وتُبرِزُ للْعَيانِ أزمتَها الأبديَّةَ في كيفيَّة التعامل مع الْمُثَقَّفين ومؤسساتهم، أقدمت السُّلطات في السُّودان، ممثلةً في وزارة الثقافة!!! على إصدارِ قرارٍ ممهورٍ بتوقيعِ مُسجِّلِ الْجماعاتِ الثقافية بإلغاء تسجيلِ اتحادِ الكتّاب السُّودانيين وذلك نهار الخميس 29 يناير 2015.
جاءَ نص ديباجةِ القرار كما يلي:
“بالإشارة للموضوع أعلاه، مرفق لكم القرار رقم (1) لسنة 2015م والخاص بإلغاء تسجيل اتحاد الكُتَّاب السُّودانيين.”
في تعليقه على القرار، صرَّحَ “عثمان شِنْقِرْ” الأمين العام للاتحاد لبعض وكالات الأنباء، أنَّ القرار أشار إلى ممارسة الاتحاد لأنشطة تخالف أحكام قانون تنظيم الجماعات القومية ونظام الاتحاد الأساسي.. واتهمَ “شِنْقِرْ” جهاز الأمن والمخابرات بالوقوف وراء القرار، تأسيساً على ما أخبره به أحد موظفي وزارة الثقافة.
القرار رقم (1)، ويستدعي للذاكرة لا شك البيان رقم (1) للأنظمة الانقلابية، ومنها بالطبع النِّظام السوداني الذي جاء للسلطة بانقلاب على حكومة ديمقراطية منتخبة في يونيو 1989، هو إذن الْعَطِيَّة الأولى لوزارة الثقافة السُّودانية للكتاب السُّودانيين في مستهل العام 2015، مُبشِّراً بِسَنةٍ أشدّ بؤساً وعَجَفاً مِنْ سابِقاتِها، وقد كانت عَطِيَّةُ النِّظام السُّوداني، وفي أوائل أيّامِهِ، للْكُتَّابِ هي حَلّ اتحادِهم ومُصادرة دارِهِم في مَقرَنِ النِّيليَنِ في العاصمة السودانيَّة الخرطوم.
تِلك الدَّارُ التي علا مِنبرَها في سنواتِ الديمقراطية الثالثة في السودان (أبريل 1985 إلى يونيو 1989) شعراء وكُتّاب مِنهم: محمود درويش، والفيتوري، ومظفَّر النَّوَّاب، والطيب صالح، والنُّور عثمان أبَّكَّر، ونوال السَّعداوي، وعلي الْمَك.
مثلما استضافت الدار في مقرِّها الجديد وقبل أيَّامٍ فقط الشاعر والنَّاقد المغربي محمَّد بنيس، ومحمَّد الْمَكي إبراهيم، وقبلهما كُتَّاباً آخرين عَدِيدينَ مِنْ بينِهم كاتبُ هذا الْمقال.
وكان الاتحاد قد أعلن عن عودته بعد حظره، في العام 2006 في ما عُرِفَ بالميلاد الثاني، الذي يوشك أن ينبت تارةً ثانيةً، إلا أنْ تنحلّ هذه المعضلة الجديدة وتنجلي بإلغاء قرار الإلغاء أو بكسرِهِ أن يواصل الاتحاد نشاطه، كأنَّ قرار الإلغاء لم يكُنْ، وهو ما يعني مواجهة السُّلطات في السودان ومصادمتها.
هي إذن، جولَة أخرى من نِزالِ السَّيفِ والْقَلم في السُّودان. ولا ندري لماذا اتخَذتْ السُّلطات بغتةً قرارها ذا، إذْ لم تكُنْ هناك من إشاراتٍ تؤمئُ إلى أنَّها، عنيتُ السُّلطات السُّودانية، ستُقدِم على إلغاء تسجيل اتحادِ الْكُتَّاب. وكأنَّ راهِنَ الْحالِ السِّياسي والثَّقافي في السُّودان في حاجةٍ إلى تأزيمٍ وتعقيدٍ أشدّ مما هو عليه، وقد تمزَّقتْ البلاد بانفصالِ الجنوبِ واستمرارِ اشتعال الحريق في دارفور وجنوب كُردفان والنِّيل الأزرق.
وماذا سيكون ردُّ الْكُتَّاب السُّودانيين وها هو النِّظام يُجرِّدُ عاشرة سيفَه لمقارعَةِ أقلامِهم؟! هذا ما ستكشف عنه الأيَّامُ الْقادِماتُ لا رَيب.
* شاعر من السودان