النباتاتُ أَنشَبت مخالبها وأصدَرَت لحناً قديماً أُوحِيَ إليكَ،
فترى وجهتك القديمة على الأشجار:
في أنسجة اللحاء أشرَقَت قدرتُكَ على التغيُّر،
في الجِذر أصبَحتَ المُقاومة،
وفي الزهرة كنتَ الحب.
في ما يلي ذلك كانت المائدةُ العظيمةُ تُعدُّ بهمَّةٍ وإتقان،
تتبرَّجُ – لأجل الخذلان – جميعُ النباتات،
بل تتضافر قوى الأنهار أيضاً،
يَتَجَابنُ ظلُّ الشمس،
والقمر السافل يُمزِّق رمزيّته كأن لم يكن هناك!
وأنت!
تستَمِعُ بإتقانٍ وتفانٍ، تتلقَّى التقريع تلوَ الآخر،
ثمَّ تُخذَل،
تُفقدُ بِيَدِ نفسك التي تُلقيك نرداً مُبهرجاً بالكوارث!
أنت تستمع للأصوات الحقيقيّة الغامضة،
لكنّها تُهشَّمُ أمامك بالحديد والنار.
بحواسكَ الألف تُداهم أحلاماً ولن تُدرك الخيط الأسود من الأبيض.
بحواسّكَ المُخَدَّرة تسيرُ في أحلامٍ تخاف من قدرتها على الانوجاد،
حتّى ولو في خيالٍ ضيِّق الأفق،
محموم القلب،
ومكلوم الجسد.
(2)
لست أدري كيف يُولدُ الضّعف في جسدٍ،
مُهاباً من جميع المكوِّنات،
بل تسجد لأجله الأنهار الداخليّة الباعثة على الرفض، والتشرّد.
ربما من نظرة الأقوياء يَتَولَّد، ربما من ثقتهم في اللهب المتصاعد من نارهم،
اللهب المضيء لدرب التوهان، المتفجّر في شراهة الخذلان المستمر،
وكأن العالم هو الجحيم مُستمرّاً،
مُتبرعماً في رائحة الوردة المهداة لقبر الأم،
محشوراً في المسافة الضيّقة بين ثقة النساء في الرجال،
مقضوماً بسرطان الأسلحة، خالقُ جنّة القتلة.
(3)
أنا ابنُكِ
إنني القلق الذي نَحُلَ جسده فأصبح شبحاً تتحارب لأجله جيوش الضعاف!
هل أصبح الأمل مَبصوقاً لهذا الحد؟
إلى أن أصبحت المجاعات سيدة الأحلام وحَبُّوبتها؟
كيف يساعد القويُّ منَّا ضُعفَ ظِلال من قُهِروا؟
يحدث ذلك:
بمقاومة الضعاف لظلال من خانوا أمانة الشمس،
من خذلوا الجذور التي سَمّتهم،
وخانوا المياه الدقيقة التي كانت تتسرب! إلى أين؟.
إلى جوف النهار،
وفحشاء الليل،
وسموم ما كان إلهيّاً ومقدّساً.
(4)
إنني أرجوكَ يا من ملأت حياتي بالأمل،
يا من قَلَّبتَ سرير جثثي العديدة، وسَمَّيت كل واحدةٍ منها اسماً،
أرجوكَ يا من كتبت اسمي على آلاف القبور،
وسلّمتني قلباً ضعيفاً.
كيف أَنبُتُ في تربةٍ لا تصلحُ للصراخ والعويل؟
كيف أتفرَّعُ في قبلةٍ إن لم تكن مجروحةَ القلب،
ومُسدِلةً ستائر الرحمة على كعبة من أُحب؟
الشعر هَدِيّةٌ مُفرحة،
وهو مصيبةُ من لا يُدرك لعنةَ الدموع،
وقلّة حيلتها في عالمٍ كهذا.
إذن، ها نسجدُ لأجل الاستغاثة القديمة.
لأجل مُشاهدة الحروب من كهوفٍ تُطاردنا أينما كنّا،
هذه الحدود الغريبة عن حدود الجسد،
وأحوالِ سُكّانِه.
*شاعر وكاتب من السودان