تلك الرّصاصة التي كانت تنطلقُ بحرارةٍ من فوهة بندقية
لا تعرف البكاء، ولا أطفال لديها..
أمّا الرّجل الذي كان يقفُ خلفها
فكان يضعُ قلبه كلّ لحظة تحت الحجر..
ويبدأ تنفيذ العمليّة الموكلة إليه..
أمّا عقله مثلاً (والّذي أشكُّ بوجوده)
فكان يضغطُ عليه بكلتا يديه
ثمّ يهمسُ له قائلًا:
توقّفْ كثيراً كثيراً..
أنا الآن أُحدِّد الهدف
عن أيّ هدف، هو لا يدري!!!
الموتُ ليس خلاصَكم
نعم، ليس خلاصَكم..
أنتَ الّذي توجّه بندقيّتك
وأنتَ الّذي تقفُ خلف مدفعيّتك
تعتلي التاريخ وتصوّب.
لم تُدرِك أن الطفل الّذي كان يسأل أمه، من هؤلاء الّذين يقتلوننا، ويدمّرون منازلنا؟
ستُشرِق الشمس من عينيه ذات صباح..
وأن الرّجل الذي كان يُغلقُ باب محلّه مُسرُعاً نحو العزّة، كان يلتحقُ بالوطن…
وذاك الكهل، الذي يتكئ على عكّازتيه.. كان يُبصِر البحر في الأفق.
وأن تدافع الناس جنباً إلى جنبٍ حيث لا مكان للهواء بين أنفاسهم
ولا مكان لقدمِ جاهلٍ بين أقدامهم.
هؤلاء كانوا يُغلقون أبواب المدينة في وجه الظلام..
الظلام الّذي تمترس عشرات السنين في الكهوف..
وظنّ في لحظة شروده أنّه سيملك الأرض من مدينة القلم..
لا يُدرك أن النّصر
يأتِي من قصائدِ شعرائهم
ومن نزيفِ أقلامهم.
لا يُدرك أن الأطفال سيقرأون التاريخ يوماً
ويبصقون على صورهم..
هؤلاء الأطفال
الّذين لعابهم أغرق طوفانهم..
أولئك الّذين حاولوا تدمير أحلام آبائهم
فورّثوها لأبنائهم..
ورسموا التاريخ والوطن من جديد بضحكاتهم..
وسيرقص الأطفال من قمّة التاريخ على أصواتِ محبوباتهم..
وسيمدُّ البحر كفّيه إليهم
ويرقص أيضاً على عتباتِ منازلهم..
أما أولئك فلن ينسَى قبحهم أحد
نعم لن ننساهم، وسنتذّكرهم جميعاً حتى اهتزاز أصواتهم.
*كاتبة من اليمن