ثمار

أزمات المشهد الثقافي في السودان

أموت-أنا-في-قصيدة-النثر

رغم الإنجازات على مستوى الكتابة الروائية والإبداعية السودان التي أمكن لها في الآونة الأخيرة الخروج من حدود السودان إلى بلاد العالم ترجمة ونشرا ونقدا وتقديما؛ إلا أن هناك ما يريع في أمر هذا الحراك في المشهد الثقافي في السودان. فالعمل الثقافي والنشاط الثقافي في البلاد، لا يشهدان الفعالية القائمة على التكافؤ في إتاحة الفرص والحوار القائم على استبانة مداخل الأمور ومخارجها، وربما يعوزنا في المشهد الكثير من وضع الأمور في نصابها؛ فالمتداخلون فيه فعلاً وحراكاً نجد أن فيهم من يبتعد عن إدراك مرامي الفعل الثقافي الإبداعي في خانة الإتيان إبداعاً أو الإتيان نقداً.
وإذا وضعنا في بالنا عدم الإدراك المتلازم لمواطني المشهد الثقافي، لكونه مشهداً وليس وسطاً، أي بمعنى عدم استدامته واستقراره بوصفه مكاناً جغرافياً ومصدراً وموقعاً للإنتاج الثقافي من مطابع ومنتديات ومراكز ثقافية، ومسارح ودور سينما ودور إبداع متعددة ومستمرة؛ نجد أن انتكاسة كبيرة حدثت في عهد الإنقاذ الحالي، لإغلاق هذا النظام لكل مصادر الإبداع، والعمل الثقافي الداعم للتماسك الاجتماعي وللقيم النبيلة ضد قيم الاستهلاك والجشع؛ نجد أن هذا الإغلاق ما زال سلاحاً مُشهراً في وجه أي مركز أو منتدى أو دور ثقافية وفكرية، بينما زكت السلطة من مهرجانات واحتفالات تجارية غير ذات فائدة لأنصاف الموهوبين ولغير المبدعين، لذلك وغيره كان العمل الثقافي في طوره الوليد بعد أيام مايو المستبدة، وعندما أخذ أنفاسه لم يجد المستقر، لكون الثقافة لم تكن سلاحاً ماضياً عند الفاعلين السياسيين في زمن الأحزاب، واختاروا بدلاً عنها الاحتراب السياسي، في إطار محلي حول أصغر الأمور وأكبرها. وأعتقد أن لتركة مايو الثقيلة وأحداثها التي اشتركت فيها الأحزاب جميعاً سلباً وإيجاباً أثرها؛ فالأحزاب ابتعدت في زمان ديمقراطيتها عن دعم دور الثقافة والفكر لكونهما يضيئان الجوانب حول تلك المشاركة وأصولها الفكرية، ومنابتها السياسية، وامتداداً لذلك، ومنذ تلك الفترة انقطعت الصلة بين الفاعلين الثقافيين والمفكرين داخل المنظومات الفكرية والسياسية، وبين كونهم أصحاب رأي في خطوط العمل الحزبي العام، بوصفها خطوطاً تجب دراستها فكرياً وقراءتها من منطلقات بحثية مدارسة وتفاكراً، والنتيجة المستمرة لما بعد الديمقراطية، علاوةً على عسف النظام على الفاعلين الثقافيين في ذواتهم الخاصة وفي كيانهم الاجتماعي ومصادر رزقهم، لكون العمل الثقافي في ذاته مصدراً للرزق ومعيلاً. وقد حاول النظام خلق أجسام بديلة من أنصاف مبدعين وغير مستحقين للعمل في المشهد الثقافي، الذي كان الأحق له أن يكون وسطاً، ما ألزم العمل في المشهد الثقافي التباعد بين أقطاب الرؤى والإبداع واختلافاتهم في غير المنجز، فالاختلاف الحالي بين المبدعين الثقافيين لم يصل إلى عمق، بل هو في ما لم ينجز ومناقشته قبل إنجازه، بينما الأجدى دراسة المنجز بغية الدفع بالحراك الثقافي والاجتماعي نحو التماسك الاجتماعي الداخلي وتحقيق التكامل الفكري في ذروة إبداعه.
وتدرج الأمر ليصنع تخالفاً في الأمزجة صنع بنفسه المحرك الأساسي في التقارب والتباعد وكيفية تكون الفعاليات الثقافية بالذوات الإنسانية والاجتماعية.
يلزمنا إنتاج أسئلة فعالة لتحويل المشهد إلى وسط، وذلك غير المغامرات الكبيرة بفتح مراكز ومنتديات ودور عمل ثقافي، نحتاج أن نتباين لتجتمع أفكارنا على مخططات أجمل لعملنا الثقافي، نحتاج أن نتساءل عن وضعنا اجتماعياً ووجودياً، لقراءة حالنا السياسي والاجتماعي لإدراك هويتنا السلوكية وفاعليتنا الاجتماعية داخل البلاد، ويجب أن نكون على حراك دائم لإيجاد صيغ أمثل ضد التطرف والمغالاة والارتكاز الماثل على أيدلوجيات دون تفعيلها لقراءة الأشياء حولنا مدارسةً وتمحيصاً.

 

* شاعر وكاتب من السودان

زر الذهاب إلى الأعلى