* كُلُّ ما يكْتُبُهُ الشَّاعِرُ، يَترُكُهُ خلْفَ الوَرَقَةِ، أَمَّا نَحنُ فَنقرَاُ الظِّلَال.
* يَكْتُبُ الشَّاعِرُ كُلَّ دَفْقَتِهِ خَلفَ الوَرَقَةِ. فَنَقْرَأُ الرَّزَازَ المُظَلَّلَ.
* خَيَالُ الشّاعِرِ، خيَانتَهُ الكُبْرَى، إِنْ لَمْ تكُن العُظْمَى، لِذَاتِه.
* البِئْرُ المُتَحَرِّكَةُ، بِئْرُ البَشَرِ المُنْتَظِرِينَ أَحْكَامَهُم، أَحْكَامَ البَشَرِ المُتَوَحِشينَ على سَطحِ الأرضِ. سَطحِهَا.
* مَاذا أَكُونُ الآنَ؟! إِن لَم أَكُنْ ذُبَابَةً تَرِكُّ على تُفَافِ المُتَوَحِشينَ. تُفَافْ.
* أَيُّهَا المُتَوَحِّشُ الصغِيرُ، مِن فَضْلِكَ اِفتَحْ لِي، حَانَ وَقْتُ حَيَاتِي.
* لا يُمكِنُ تَدْبِير الحياةِ إلّا بِقُبْلَةِ الصَّبَاحْ.
* كُلُّ ما يُقَالَ قِيْلَ، تَبقَّتْ كَلمَةٌ واحدةٌ: الحياةُ. قُلِ “الكَلِمَةُ”.
* اكتُبْ كُلَّ شيءٍ، لِتكتُب شيئًا صغيرًا.
* اِلتَقِطِ الصُورةَ “الآنَ” بعَينِ المسْتقبَلِ، لتلعَبَ عَلَى المَاضِي.
*اجْلِسْ كُلَّ يومٍ على الرَّصيفِ، ثَمَّةَ ذِكْرَى سَتُخَلِّفها تَحْتَ الحَجَر.
* بَينَ قَاتِلَيْنِ، كُنتُ نائمًا على أَرْضِيَّةِ الحَرَاسَةِ. مُطمَئِنَينِ كَانا للشَنْقِ. مُطْمَئنًا كُنْتُ لِمستَقْبَلي في العَالَم.
* سَمِعْتُ أَحدَهُم يقُولُ: مَاضِي البَشَريَة في خَطَرٍ.. هذا رَاءٍ من الدرجة الأُولى.
* الشِّعْرُ الذي كَتَبْتُهُ لا يُسَاوي ثَمَنَ هذه اللحظةِ من الحُرِّيَّةِ في السِّجْن.
* كُلُّ ما تعلَّمْتُهُ من أشجَارٍ اِمَّحَى حين رَأَيتُ هذا الوجْهَ، وَجْهَ الوحشيِّ يَضْحَكُ.
* اِتصَالُكِ بي في هذه اللحظَةِ من الحُب، سُؤَالٌ جَوهَريٌّ.
* لم يكُن يَتَسَنَّى لِي معرفةُ الأمَلِ لَوْلا هَذَا السِّجْن.
* يَا لَهَولِ الشَّارِعِ الذي كُنتُ أَمشي عليه في الخَارج.. إِنَّنا نَطَأُ أَلغَامًا تتفَجَّرُ تحت أقدَامِنا ولا ندري. اِدْخُلِ السَّجنَ تَعْرفْ.
* طَائِرٌ يَأتِي إلى سَاحَةِ السِّجنِ كُلَّ صَبَاحٍ، لا يحمِلُ هذا الطائرُ ذَرَّةً من الحُرِّيَّةِ بين جَنَاحيهِ.
* هُنَاكَ، فوق حائطِ السِّجْنِ ثَمَّ شُرَطيّ في هذا الليلِ يَحْرُسُني مِنِّي، الوَحْشيُّ الصغيرُ، يَا لَجَهلَه بِيْ!
* السُؤَال: ماذا حَدَثَ للجَمَالِ؟!.
* قَرَأتُ قَبْلَ قليلٍ: النِّظَامُ العَالَميُ الجديدُ يَنْهَارُ، يَا لَسُوءِ حظِّ الإنْسَان، ثَمَّة أنظِمَةٌ أَبَدِيَّةٌ بانتِظَاره.
* أَقْرَاُ القُرآنَ، أَقْرَأُ بَسَاطَةَ الحياة. لماذا كُلُّ هَذَا الضَّجيجِ في العَالَم.
* هُوِيَّتِي تَأتِي من داخِل بِذْرَةِ الحُبِّ لذلك هُوِيَّتِي نَامِيَةٌ.
* لا مَنَاص؛ فالكِتَابَةُ خَندَقٌ حَتَّى الشَّهَادَةِ، إِن كان لا بُدَّ مِنهَا، يا جُندِيَّ الخُلُود.
* الوَحْشِيُّ الصّغِيرُ رَمَاني بِنَظرَةِ اِسْتِهْزَاءٍ، ظَنَّنِيْ سَجِيْنٌ. هَهْ!
* قَبْلَ قَليلٍ كَتَبْتُ قَصيدَةً. مَزَّقتُهَا، ذلك لأَنَّني لَم أَشْعُرْ بِشيءٍ يَرْتَجُّ فِي خيالِ قارئ تخيّلتُه.
* وَجَدْتُ العِبَارةَ اللَّائِقَةَ بِهِ: “الذّبّابّةُ الخَضْرَاءُ” هذا مَا كُنتُ أَبحَثُ عنه من اِسمٍ للوَحْشِيِّ الصَّغير.
* تَرَفَّقْ بالحُزنِ! لَأَنَّك بعد قَلِيلٍ لَن تَجِدَ ما تَحْزَنُ عليهِ. الحُزنُ سَعَادَةٌ بالِغَةٌ.
* بعدَ رحيلِ أُمِّي، لم أَكُن أُصدِّقُ أَنَّنِيْ يُمكِنُ أَنْ أَعِيشَ لَحْظَةً وَاحِدَةً. ولكن؛ هَا إِنَّنيْ أُقَبِّلُ الآنَ مَرْيَم.
* وُلدْتُ بـ”خَشْم القِرْبَة” كُنتُ شَجَرَةً غَزيرَةً مِن الأبَدِيَّةِ، والنَّهْرُ كان عُنُقِي. يَا للغَرَابَةِ! ذَكَّرَتْنِي بِذلكَ هذه الذُّبّابّةُ الخَضْرَاءُ.
* صَدِّقُوني! رَائحَةُ أُمِّي ما زالت تَمْلَأُ جَسَدِي كُلَّهُ مُنْذُ الطُفُولَةِ. أُومِنُ حَقًّا أَنَّ رَائِحَةَ أُمِّي هِيَ رائحةُ الكَونِ وقَدْ خُلِقَ لِلْتَوِّ.
* مِن بَعيدٍ، قَبِّليِنِيْ كُيْ أُنَظِّفَ فَمِيْ من طَعْمِ الصُّورة (الذُّبَابَةُ الخضراءُ والرَّئيسُ والقَتيلُ على الشَّاشَةِ).
* ثَلَاثَةُ أَولاد اِغْتَصَبُوا طِفْلَةً، اِقْشَعَرَّ قَلْبِي وارْتَعَشَ جَسَدِي؛ إِنَّمَا حين رَأَيْتُ المُتَوَحِشُ الصغيرَ يَجُرُّهُم وَهوَ يَرقُصُ على صَوتِ ذُبابتهِ الخضراءِ، لم أَستَغْرِبْ. تَقَيَّأَتُ، نِمْتُ على تَقَيُّؤي.
* في السجنِ زَارَني أَصْدِقَائي. لا بُدَّ من تسجيلِ صَوتِ شُكْرٍ للزِّرَاعَةِ.
* بالنِّسبةِ لِي، من الآنَ فصَاعِدًا عَلَيَّ تَسْمِيَةُ الأشياءِ بأَسمائهَا. عَقْلِي هُوَ الخِزَانَةُ المَفقُودَةُ.
* الجّوُّ سَاخِنٌ. أَمَا مِن صَوتٍ، صَوتِ أُنْثَى، يُرَطِّبُ المَكَانَ. أَقْصُدُ صوتَ أُنثَى على وَجْهِ تَحدِيدِ العِنَاق.
* أنا جَائعٌ دَائمٌ؛ دَائمًا للأصدِقَاءِ.
* أَمْرَاضٌ كَثيرَةٌ تُسبِبُهَا الذُّبّابّةُ الخَضرَاءُ؛ مِنهَا: التَقَزُّزُ العَقْلِيُّ.
* لا يُمكِنُ تَفسيرُ الأَحْلاَم أَبَدًا مِثلَمَا لا يُمكنُ نَقْدُ الشِّعْرِ نَفْسِه.
* مُفَسِّرُ الأَحلَامِ أَشْبَهُ بِمَن يُمَارِسُ الجِنْسَ عَن بُعْد.
* الطِّبُّ النَّفْسِي لا يَكْمُنُ في غَيْرِ الشِّعْر.
* اللُّغَةُ العَرَبيَّةُ لُغَةٌ عَظِيمَةٌ حَقًّا، ذلك أَنَّ كَلِمَةً وَاحِدَةً يُمْكِنُ بِهُدُوءٍ أَن تُخْفِي غَابَةً.
* “أَنَاشِيْدُ الجَبَلْ” لا تُعَبِّرُ عَنِّي، إِنَّهَا تُعَبِّرُ عَن الجَبَلِ.
* فَتَاةٌ وَفَتَىً أُدْخِلَا الحَرَاسَةَ، لَأَنَّهُمَا في (شَارِع النِّيل) كَانا يَتَمَشَّيَانِ بِحُبٍّ. لا يَكفِي وَصْفُ المُتَوَّحِشُ الصَّغِيرُ ولا الذُّبَابَةُ الخَضرَاءُ كَيْ أُبّرِّدَ بَطْنِي.
* الحُبُّ أَمْسَكَني من يَدَيَّ وأَوْصَلَني إلى القَصِيْدَةِ، كان ذلك سِرًّا بِنَهَارٍ.
* في السِّجنِ القَاتِلُ حَلَقَ لِي رَأَسي. هَل يُمكِنُ لِي غَدًا أَن أَحْلِقَ رَأَسَ أَحَد.
* يُمْكِنُكَ بِبَسَاطَةٍ وهَدُوءٍ مُحَيِّرٍ أَن تَنَامَ نَومًا ثَقيِلًا، ذلك لأَنَّ في رَأَسِكَ جَبَلٌ، أَيُّ جَبَل.
* حِينَمَا أَسْمَعُ صَوتَكِ (هُنا) أَنَا أَمَامَ العَالَمِ عَارٍ أَنْصِتُ بِرِقَّةٍ.
* لماذا في السِّجْنِ تَتَذَّكَرُ الطُّفُولَةَ؟ (أَسْأَلُ بَاشْلَار).
* في السِّجنِ حتَّى القَاتِلُ يَعُودُ طِفْلًا.
* ضَحِكْتُ ضَحِكْتُ ضَحِكْتُ، حِينَ تَذَكَرْتُ أَن (صلاح الأمين) رَحَلَ عَنِّي شّخْصِّيًا. يَا إِلَهِي لَقَد فَهِمْتُكَ والحمدُ لك.
* الذّبّابّةُ الخَضرَاءُ لَهَا نِظَامُهَا في التَّكّاثُرِ: اِسْألوا الوَحْشِيَّ الصَّغير.
* تَعَلَّمْتُ الكِتَابَةَ من وَجْهِ أُمِّي.
* تَذّكّرتُ أَوَّلَ يَوْمٍ ذّهَبْتُ فيه إلى المَدْرَسَةِ. كان وَجْهُ أُمِّي حِصَّتِي الأُولَى.
* لا يُمكنُ تَعْريف الشِّعْر لأنَّهُ ببسَاطَةٍ يَفْتَقِدُ الـ(ال).
* بَيْتِي بين شُلُوخِ أُمِّي.
* 1524 رَقمُ سَريري في السِّجن. أَيُّ تأْريخٍ وَحشيٍّ يُصَادِفُ هذا الرَّقم يَا تُرَى؟! أَيُّ حَرْبٍ؟! أَيُّ رجُل كان هُنا قَبْلي لأَسْأَله عن مَعْنى الأَمَل؟
* يُمكِنُ لِذُبَابَةٍ عَابِرَةٍ أَن تُحْدِثَ فِتنَةً كُبْرَى في هذا العَالَم. يَا لَضَعْفِ الإنسان وَصِغَرِهِ فيه!
* أَن تَشْرَبَ فنجانَ قَهْوَةٍ في هذا السِّجنِ؛ حُرِيَّةٌ كَامِلَة.
* البَيَاضٌ الأَعْظَمُ مِن شَعْرِي يُذّكِرُنِي بِقَلبي الأوَّل في الحُبِّ ولا أدري كيف!.
* يَحتَاجُ الإنسانُ لحَدَثٍ صَغيرٍ جِدًّا ليفهمَ أَنَّ مَا فَاتَهُ كبيرٌ للغَايَةِ. بِحجمِ حَصَاةٍ، كَبير.
* أَمل دُنقُل يَخْجَلُ من كَونِهِ “شَاعِراً” متى يَفْهَمُ الطَّاغِيّة؟!
* لا تَدَعِ الفُرصَةَ تفُوتُكَ: ادخُلِ السِّجْنَ!
* مُنذُ زَمَنٍ ليس بالجميلِ؛ لم أنْصِتْ بعُذُوبَةٍ لأُغْنٍيَةٍ. “هُنَا” فَعَلْتُ وَابْتَهَجَتْ دَاخِلِيَّتِي بمُوسيقَى الكُهُوفِ التي تَسيلُ من نَبْعِ الله.
* هُنا للشَوقِ ارْتِعَاشَةٌ لم أعْهَدهَا، وللأَمَلِ طَعْمُ ظَهِيرةٍ خَضْرَاءَ في رِيْفِ رُوحي؛ رَذَاذُهَا يَحْتَضِنُ الأَبَدِيَّة.
* قَرَأَتُ في الشِّعْرِ: “الدُمُوعُ المُقَدَّسَةُ”. هُنا عَرَفْتُهَا.
* الكِتَابَةُ تَأَتي من “الميثيولوجي الشَّخْصِي للكَاتِب”، عِبَارةُ (بارت)؛ من أَعظَمِ عِبَارات الإنسان النَّقْدِيَّة على الأَرْض.
* الإنسانيون، خالِقُو العَوالِمِ التَّخَيُّلِيَّةِ للبَشَرِ، قَليلُون جِدًّا. لِذَا فإنَّ عَدَدَ الرِّواياتِ العَظيمَةِ لا يتعدَى أَصَابِع كَفٍّ وَاحِدَة.
* لا بُدَّ للإنسانِ أَن يَتَعلَّمَ السِّبَاحةَ في البَرِّ. هذه القِيْعَةُ تَملَؤُ العَالَم.
* من الأفضلِ لَكَ أَن تَقَعَ في خُيُوطِ التَّخَيُّلَاتِ العَظيمَةِ في عَلَاقَاتِكَ بالآخَرينَ. لا يُمكِنُ مَعْرِفَةُ الآخَرِ أَبَدًا.
* لَم يَحْدُثُ لي أَن اِشْتَهَيتُ طَعامًا قَطُّ. هل أَنَا من البَشَر؟!
* الشَّاعِرُ المُكْتَشَفُ شَاعِرٌ بَاهِتٌ. الحَقِيقيُّ يَعِيشُ في المَجْهُولِ.
* يَخْلُقُ الجَريمَةَ، يَبْني السِّجنَ، يَخْلُقُ السَّجِين، يستَنْزِفُه. هَذِهِ هِيَ مهِمَّةُ الوَحْشِيِّ الصَّغير.
* لَو لَم تَكُنْ هُناكَ جَريمَةٌ، لَمَا كانت هُناكَ ذُبَابَةُ خَضْرَاءُ.
* في السِّجنِ، فَجْأةً، يَصْهِلُ، لِبُرهَةٍ، صَمْتٌ صَخْرِيٌ في جَوْفِ العَنْبَرِ. هذه هِيَ اللَّحْظَةُ المُشْتَرَكَةُ التي تَهْفُو فيها قُلُوب الجَميع، سَوَاءً بِسَوَاءٍ، إلى صَوتِ الخَارِج.
* طَالَمَا أَنا هُنا، في هذا السجنِ، عَلَيَّ مُعَانَقَة نَفْسي يَوْمِيًا. إنَّهَا فُرْصَةٌ نَادِرَةٌ وَغِذَائيَة.
* السَّمَاءُ ألْمِسُهَا حينَ أَلْمِسُ هذا السَّقْفَ، يَا لَأُكْذُوبَةِ النُّجُوم!!
* مِن الآنَ فَصَاعِدًا عَلَيَّ تَحْريرُ نَفْسِي من الكَسَلِ والماء الباردِ وَسُوءِ التَّقْديرِ.
* عَقْلِي مَدِينٌ لمَن يُحِبُّهُ، قَلْبي بِتَثمِينِ الأَفْكَارِ.
* القُبْلَةُ أَعْظَمُ تَسْمِينٍ رُوحِيٍّ اِكْتَشَفَتْهُ المشَّاعِرُ.
* لا تُغْنِي مُتْعَةُ النَّثْرِ أَبَدًا عَن لَذَّةِ الشِّعْرِ.
* لا تَتَزَوَّجَ الشِّعْرَ! كُن عَاشِقًا مَحْضًا فَحَسب. هكذا قال صديقي.
* السجنُ أَفضَلُ من البيتِ (أَحيانًا)، على الأقل حين تَخرُجُ منه تَعرِفُ إلى أين تذهبُ بالضبط.
* لَدَيَّ أَربَعَةُ أَبناءٍ؛ ومع ذلك أَنا فَخُورٌ بِأَنَّني لم أَتَزَوَّج بَعْد.
* أَبنَائي هُم بِنَائي لذاتي.
* عليك أَن تَذْرِفَ كَثيرًا من الكَلِماتِ لتَصْعَدَ إلى قِمَّةِ الصَّمتِ، الصَّمْتْ.
* حَظِّي عَاثِرٌ؛ لذلك تّأَخرتُ كثيرًا عن اللَّحَاقِ برَكبِ نفسي، قُل: ذَاتِي.
* أَنا الآن في الطَّابق الثالث من السَّريرِ العَلَوي لنظام عنبر السجن. أَمَامي نَافِذَةٌ حَديدِيَةٌ أرى من خلَلِها مساجينَ (هُنا يقولون نزلاء) يَفْرُشُون أَشياءَ يَبيعُونَهَا لإِخْوَانِهِم المَسَاجِين. فقط أَفتقِدُ أَصْوَاتَهُمِ المُتداخِلَة لمناداة الزَّبائن. لا بَأَسْ يُمكِنُني تَخَيُّلها حتى أشطُبَ من دَقَائقي اللَّطيفةِ هذه، نِظَامَ السجن.
* في السجن، وفي غُرَفِ التَّصويت للانتخابات الرِّئاسية؛ أدخلوا الأحباش والمصريين وبقيَّةَ الأفارقة (النُّزلَاء)، ليُصَحِّحُوا على (الشَّجرة) رمز الرئيس، مقابل حرّيتَهم. لا بُدَّ للرئيس أن يَهتُف للوِحْدَتَيْن العَرَبِيَّةِ وَالأَفْرِيقِيَّة حين يُعْلِنُونَ فَوْزَهُ بَعْدَ قَلِيل.
* خَرَجَ الجُنْدِيُّ مِثْلَ شَيْطَانٍ مُقنَّعٍ مِنْ دَبَّابَتِهِ الوَحْشِيِّة. سَأَلَنِي عَنْ مَنْزِلِ (هاشم العطا) ببيت المال. كنتُ حينها اِبنَ أَقَلَّ مِنَ الخَامِسَةِ، أَقِفُ عَلَى عَتَبَةِ بَابِ بَيْتِنَا جَاهِلًا أَتَفَرَّجُ فِي القِيَامَةِ. أَشَرْتُ إِلَيْهِ بِنَاحِيَةِ بَيْتِ هَاشِم العطا. هَلْ أَنَا أَحَدُ المَسْؤولِينَ عَنْ فَشَلِ اِنْقِلابِه؟
* أَجْمَلُ الكَلِمَاتِ العَرَبِيَّةِ وَأَعْظَمُهَا غِنَىً وَغِنَائِيَّةً هِيَ مُؤنَّثَةٌ رَغْمَ طُغْيَانِ المُذَكَّر.
* قَصِيدَةُ النَّثْرِ (السُّودَانِيَّة)، فِي مُعْظَمِ أَحْوَالِهَا لَهِيَ عَمُودِيَّةٌ مِنَ الدَّرَجَةِ الثَّالِثَة. لِذَلِكَ لا يَسْتَسِيغُهَا القَلْبُ المُعَاصِر.
* فِي مَرَّاتٍ كَثَيرَةٍ أَجِدُ أَنَّ المُتْعَةَ فِي الأُسْلُوبِ الذِي يَعْزِفُ بِهِ “ميسي”، لَهِيَ أَعْظَمُ مِنَ المُتْعَةِ التِي أَجِدُهَا فِي شِعْرِ “البَرَغُوثِي” مَثَلًا.
* العِنَاقُ أَغَلَى كَلِمَةٍ وَرَدَتْ فِي قَامُوسِ البَشَرِيَّة.
* اِحْتَجْتُ لِأَكْثَرَ مِنْ ثَلاثِينَ سَنَةً لأُنْصِتَ لِلأُغْنِيَةِ ذَاتِهَا بِمِزَاجِ اللَّحْظَةِ ذَاتِهَا وَأَنَا أَنْسَكِبُ.
* مَا يُكْتَبُ عَلَى عُلَبِ السَّجَائِرِ، يَنْطَبِقُ عَلَى كَثِيرٍ مِنَ المُغنِّين. يَجِبُ أَنْ
يُكْتَبَ عَلَى جَبْهَاتِهِمْ: هَذَا المُغنِّي ضَارٌ بِالصِّحَّةِ وَيُسَبِّبُ السَّرطَان.
* ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ اِنْقَضَتْ وَأَنَا لَمْ أَكْتُبْ شَيْئًا هُنَا. كُنْتُ مَشْغُولًا بِصُفُوفِ النّمْلِ عَلَى الحَائِط. لِلنَّمْلِ أَيْضًا حَضَارَتُه.
* كَنْتُ أفكِّرُ فِي مَا سَيَأتِي مِنْ وَقْتِي. لَا أَدْرِي لِمَاذَا تَخَيَّلْتُ الوَقْتَ مَا هُوَ إِلَّا أَسْرَابُ طُيوُر. غَرِيبَةٌ، جَمِيلَةٌ، مُلوَّنَةٌ، سَوْدَاءُ، بَيضَاءُ، جَارِحَةٌ، مُغرِّدةٌ، وَهَكَذَا. أَعِيشُ الآنَ طُيُورًا غَرِيبَةً، وَأَسْأَلُ المُسْتَقْبَلَ أَنْ لا يَحْمِلَ إِليَّ طُيُورًا جَارِحَةً.
* سأصَلِّي أَلْفَ صَلَاةٍ لله أَنْ يَغْفِرَ لِي سَنَوَاتِي التِي قَضَيْتُها فِي التِّجَارَة. وسَأُصَلِّي لِنَفْسِي ضِعفَهَا لِتَغْفِرَ لِي مَغَبَّة الظُّلْمَة.
* أَقْرَأُ غَبَشَ الفَجْر! ثَمَّة فَلْسَفَةٌ كَامِلَةٌ تَكمُنُ وَرَاءَه.
* أَنْ تَتَخَيَّل المَعْنَى لَكَلِمَةٍ مَا، لَهُوَ أَوْسَعُ مِنْ أَنْ تُدرِكَهُ عَلَى الوَجْهِ المُباشر (كما أتخيَّل). تَرَى وَتشُمُّ وتلمسُ. إنَّني أرى الآن “بَرَاثِنَ”. اِنْظُرُوا مَعِي! إنَّهَا هُنَاكَ. اِنْظُرُوا!
* اللُّغةُ حِسٌّ فطريٌّ وَشَفَافِيَّةُ عَلاقَةٍ مَعَ الأَشْيَاءِ. هَكَذَا تُعَلِّمُنِي اِبْنَتِي الصَّغِيرَة.
* إنَّنِي أَكْتُبُ مِنَ الطَّابِقِ الثَّالِثِ لَعَنْبَرِ السّجْنِ، لِذَلِك فِإنَّنِي “بَعَيدٌ” عَنْ أَرْضِ الوَاقِع.
* أُفكِّرُ: هُنَاكَ خَطَأٌ فَادِحٌ فِي الطَّرِيقَةِ التِي أُفَكِّرُ بِهَا، لِذَلِكَ سَأُفَكِّرُ فِي طَرِيقَةٍ أُخْرَى كَيْ أُصَحِّحَ الطَّرِيقَة التِي أُفَكِّرُ بِهَا.
* مَا فَاتَني شَيءٌ غيرُ عُمُري كُلِّهِ.
* لَا يُمْكِنُ وَصْفُ مَا يَحْدُثُ فِي بِلادِي بِغَيْرَ كَلِمَةٍ وَاحِدةٍ: مُؤسِف!
* مِنَ المُسْتَحِيلِ اِسْتِدْعَاءُ الأَدَبِ إِلَى سَاحَةِ السُّوقِ، أُكْذُوبَة.
* مَا دُمْتَ فِي الحَيَاةِ، تَوقَّعِ الحَيَاةَ فِي أَيَّةِ لَحْظَة.
* مِنْ فَوَائِدِ السّجْن: مَسْحُ الغُبارِ عن فُؤادِكَ القَدِيم.
* مِنْ فَوَائِدِ السّجْن: تَنْمِيَةُ عَضَلاتِ الصَّبْرِ وَتَغْذِيَةُ رِئَةِ المَلاكِ الخَاص.
* مِنْ فَوَائِدِ السّجْن: “فَلْتَرَةُ” العَلَاقَاتِ مَعَ النَّاسِ وَالنَّفْسِ.
* عَلَى الرِّوائيِّ أَنْ يَتَعلَّمَ كَيْفَ يَصِيرُ رَبًّا. أَمّا الشَّاعِرُ فَعَلَيْهِ أَنْ يَكُونَ خَادِمَ حَشَرَات.
* مِنْ فَوَائِدِ السّجْن: مُلامَسَةُ السَّماءِ بِرِجْلَيْكَ وَمُدَاعَبَةُ القَمَرِ بِأظَافِرِك.
* مِنْ فَوِائِد السّجْن: أَنَّنِي سَمِعْتُ نَفْسِي تَقُولُ لِنَفْسِي مِنْ بَعِيدٍ: تعالي!
* مُؤلمٌ للغَايَة أَنْ تَقُولَ لأَحَدٍ: “أُحِبٌّك” أَمَام وَجْهِهِ المَعْرُوق.
* بَعْدَ سَاعَةٍ سَأَتَذَكَّرُ كَيْفَ نَسِيتُ البَيْتَ فتُهتُ. تُهْتْ.
* في كَفَّةٍ سَرِيرِي فِي بَيْتِنَا القَدِيمِ. فِي كفَّةٍ العَالَمُ بِرُمَّتِه.
* أَطْلَالُ المَحَطَّاتِ القَدِيمَةِ لِقِطَارِ الشَّرْق. مَا مِنْ شَيْءٍ مُؤلِمٍ ومُؤذٍ ومُبْكٍ أَكْثَرَ مِنْ هَذَا.
* كُلَّمَا صَادَفْتُ وَجْهًا قَدِيمًا أُحِبُّهُ، تَذَكَّرْتُ أُغنيَةً قديمةً أُحِبُّها.
* تَمَنَّيْتُ مُنْذُ الطُّفُولةِ أنْ أكونَ رسّاماً. فشلتُ فشلاً غزيراً؛ لَكِنَّنِي اِحْتَفَظْتُ بِجِلْسَةٍ مَعَ حَبِيبِي عَلَى الرَّمْلِ فِي رُدُهاتِ الطّفُولة. هذا يكفي.
* أَنَا إِنْسَانِيٌّ.. هَذِهِ مُصِيبَةٌ وَعَظِيمَة.
* مَنْ هُو الوَحْشِيُّ الكَبِير؟ّ! (يمكنُ أن نبدأ السؤال بـ”ما”).
* شاعر من السودان