يا له من نشيدٍ ثقيل
ذيله حديدٌ جارحٌ
وجسمه شوكٌ مرٌّ
تراه على الشفاه دامعاً
يميل رأسه على كل كتفٍ ممزّق
يسير محمولاً على السائرين
لا يستعمل أقدامه أبداً
متطفّلٌ دائماً على كل نمو،
هو عبارةٌ عن دائرة من الأشباح المُتلاصقة
مطليةٌ قشرته الخارجية بالشك،
لئلا يُرى حين يقتُل.
وحين تصطدم به أي نظرة
يردها جسده إلى أقرب سحابةٍ
تلتصق بها ولا تعود
فلا تستطيع بعد ذلك
نقل أخباره وكوابيسه إلى أي دمعة
له من السهولة والانشراح
ما يستطيع به ترجمة كل أنواع الأنفاس
ثم تفكيكها إلى عناصرها الأولى.
له أجنحةٌ من الظلمات
تمتصها الشمس كل صباح،
إن دقّّقتَ النظر بكل شعاعٍ
أبصرتَ ظلاً معلقاً به وهو يسقط،
تلك هي الدفعة الأولى منه
أما المتبقي من ظلاله،
فهنالك في الأسفل
يتسرّب تحت الإناء المثقوب
ليفسد التربة
ويخرّب العجينة الصامتة البكماء
كما له قدرةٌ على اللمعان،
وأيضاً الانطفاء.
اسمه منفوخٌ كالميت بين السطور
هكذا يضلّل قرّاء الكتاب المفتوح
وحينما تغلقونه وتضعونه على الرف،
تبدأ نوبة الليل خاصته
يواصل قضمه للصفحات والكلمات
وحين تأتي صباحاً لتواصل كتابك
تجده استبدل كل الكلام
بصم على كل شيءٍ بعرقه وحبره
وفي آخر المدوّنة بسمته الهازئة
على شكل قنبلةٍ
تنفجر في وجهك
فتقلّ عقلك إلى الحلم الذي أتيتَ منه
ليتواصل هذا النعاس الخارق فيك
محترفٌ في الشتائم
يستطيع الثناء عليك
فتبتسم
ولا تعرف كيف يقطف الآن صفاتك
ويصنع منها وجبة عشائه،
بينما أنت نائمٌ أو مخدّرٌ بين يديه،
وحين تصحو
تجد نفسك أفرغ مما فرغْتَ
ولا تملك بين دفتي رأسك إلا آلام الوسادة
كما له دغدغةٌ تشبه الاستحالة
هي صنفٌ من الكهرباء الباردة
اقترابك إليه يعني اكتفاءه منك،
تحتضنه،
قد يستبدلك بغيرك،
ثم لا يخبرك،
تزور بعده طينتك الأولى
تتعرف على الشعيرات الدقيقة فيها:
بأسمائها وألقابها،
فقط يُشكِل عليك الاسم الأكبر
لا تتعرّف على شحوبه وأرقه مهما حككتَ ذهنك
تذهب به هكذا وتستمتع بالحفل
لا تشعر بالذي يتساقط تحتك،
لا يراه إلا العمى
وذلك لانفتاحه على كل المناظر منذ طفولته،
واشتماله على الألوان كلها في إهابه
هذا هو الانفجار الذي تم حفظه داخل البوصلة
اِنْسَ أمره
لا تناطقْه بكلمة لئلا يحلّق مبتعداً
تحدّثْ إلى أشلاء الاتجاهات الكثيرة التي أحدَثِها،
حاولْن الحصول على السيّد
فحصلْن على أنفسهنّ،
بعدد الأنفاس التي أصدرْنها يوم ميلاده
حين حاولن إحضار طفولته إلى هنا في منتصف الدائرة
كتبناك
رفضتَ الانصياع
أحرقناك
لم تُصبْ أعشابك ونباتاتك بأدنى أذىً.
وضعتَ أصابعك بسرعةٍ على الطاولة
أتى كل شيءٍ بسرعةٍ لينالك
تركتَهم علينا:
جوعى محطّمين
بعد أن نالوا من مذابحهم الشخصية ما نالوا
لن نستطيع جمعهم أو إطعامهم
إلا حين تعود
لتفكّ هذا الكود اللعين الذي قيّدتنا به
بعدها تستطيع تقبيل الرياح كما تريد
يمكنك أن تتركها مشلولة بسُمِّك،
لا نبالي
هذه جماجم متراصةٌ في أتمِّ نظام
تريد العودة إلى قلم الموت
الذي قام بكتابتها في عجلةٍ من أمره
على صفحةٍ شاحبةٍ لئيمةٍ،
تريد التخلص من كل الحمولة.
* شاعر من السودان