ثمار

ما بَعدَ الكَذَابَة.. حول (شعر البندقيَّة المقدّس) لصاحِبِه الأستاذ ياسر عرمان “2”

 

مقدّمة:
للكتابة عن ما سُمّي (شعر ياسر عرمان) بطريقةٍ مفيدة، لا بدَّ أن نشتبكَ مع جوانبَ سياسيّة بكلّ تأكيد، ويُملي علينا ذلك أن نعود بالزمان إلى الفترة ما بين الأعوام 2009-2010م، ختاماً بالانتخابات التي مهَّدت الطريق لما أسمّيه (الخروج الكبير) أو، باستلاف ياسر: (انهيار “الأمل”). لماذا؟ لامتعاضي من البجاحة والوقاحة التي كانَ يُنشرُ بها “شعره” في تلك الأيام، وكنّا (نغض الطَرف لأنها لم تكن معركة ذلك الزمان)، إلا أن زمانها قد حان، ليس هذه المعركة فحسب، بل العديد من المعارك التي وَجَبت مواجهتها كتابةً. معارك مؤجّلة لحين الانخساف الكامل للأمل في قلوب من حولنا بعد أن انخسفَ داخلنا بالتدريج منذ زمنٍ طويلٍ جداً.
الأمل الذي أتحدّث عنه هنا هو “السياسي” تحديداً، لم ينفضح انعدام حيلة السياسة في مواجهة البيزنس العالمي، الذي قاد ـ لكل من له عقل ـ لاغتيال الدكتور جون قرنق؛ لم ينفضح ياسر فقط، والذي سُحِبَ بعد اتمام صفقةٍ ما في مكانٍ ما ـ لا شأن لنا بها هنا ـ بل انفضح العالم كلّه في انتخابات 2010م: التقارير والصورة الزاهية الألوان التي عُكِسَت للعالم عن تلك الانتخابات التي توَّجت، بسهولةٍ ويسرٍ، خطى السير الحثيثة لانفصال الجنوب. الجميع مسؤولٌ عن ذلك، بالمناسبة.

(5)
ولكي أشرح كيف عُمِّدَ ياسر شاعراً ومثقفاً بقوّة البندقيّة، لنلق نظرة على تعليق واحدٍ من المُدافعين عن شعره، الأستاذ لؤي الرّضي، والذي أعرف عنه كل خيرٍ كمثقف وإنسان جدير بالاحترام، إلا أن سلاحه في الدفاع كان ـ للأسف ـ هو ذات البندقيّة.
الحوار:
(ردّاً على وصفي لشعر ياسر بالركاكة)
لؤي: إذا كانت هناك ركاكة أم لا أيها المأمون، أين أنت من جوهر الموضوع، لم نَرَكَ ولا نسمعك تُنشِد شعراً رصيناً مقفىً في الثورة أو تشحذ الذاكرة بسفر لمانديلا أو جيفارا أو قرنق؟!
مأمون: مشكلتي ليست واضحة لك؟ أشعاره رديئة، وجاية بالبندقية وليس بالإبداع، ودي ممارسة لسلطة على الأدب وغير مقبولة بالنسبة لي أبداً. فول استوب.
لؤي: أنت لست معيار القبول أو الرفض في الشعر، أم مزاج الخاص هو نِقاط العبور للفصاحة؟.
مأمون: من الذي قال إنه المعيار؟ هذا رأي، لا أكثر.
لؤي: ثم إن بندقية عرمان هذه تحمي الآن 2000000 مواطن في المناطق المحررة في جبال النوبة، ومثلهم في النيل الأزرق، مما يجعلهم يقيمون ليلةً شعريةً أو جلسةً للتثاقف دون الخوف من مداهمة كلاب البشير وأمنه وتصاديقهم المسمومة بالبندقية؛ ما زالت بوحريد أيقونة ومانديلا وقرنق يعانقان الحرية والحلو عَلقَمَاً في مذاقات الجبناء. أنت لا تعرف إبداعات البندقية، إذن يا ليتك تأتي إلى القنيزيعة أو الدار حتى تعرف أن مفهومك عن الإبداع محدودٌ جدَّاً، ألم تَرَ الإبداع عندما لُقِّن الأمريكان دروساً في فيتنام أم الإبداع عندك كما شاع حصرياً في لغة رصينة؟ يمكن أن أكتب لَكَ أبيات شعر من عند شعراء الجيش الشعبي، لغة مليئة بالأخطاء الإملائية والنحوية، ولكنها قمة في الإبداع.
مأمون: يا سيد لؤي، مافيش زول اتكلم عن هذه المأساة التي تقلقنا جميعاً وتثير السخط؛ إلا أن الأمر الأدبي يخصنا، وياسر شخص واحد والذين يحملون البنادق بالآلاف، فلا تخلط الأوراق أرجوك. شعر الجنود ده على العين والراس، والموضوع ليس أخطاء إملائيّة، لكن عارف حاجة؟ عندما يكتب الأستاذ ياسر قصيدة في الخرطوم، عارف كيف كانت تُنشَر؟ بشاعة واستغلال للمناصب ليس أكثر!. من غير الممكن أن تنشر نفس القصيدة لنفس الشاعر في 3 صحف يوميّة وفي نفس اليوم ولا يكون ذلك استغلالاً لسلطة البندقية. شايف؟.
(أضيف: الشاعر الراحل محجوب شريف، عندما كان يكتب قصيدة جديدة تُنشر في صحيفة واحدة فقط، وبالملاواة)!
لؤي: بهذه البندقية سوف نفرض أشياء كثيرة، ثم إن هذه المأساة لم يَكْتَفِ ياسر بالقلق الشبيه بقلقك وقلق بان كي مون!.
مأمون: شكراً جزيلاً على كلامك الأخير ده :)]. انتهى.
(والآن لا تعليق على الحوار أعلاه، ولكنني سأعود للتعليق على هذه المحادثة في نهاية الكتابة).
كَتب الكاتب قصي همرور على حائطه على فيسبوك معلّقاً على مقال ياسر الموسوم بـ(أهمية بناء تحالف سوداني جديد للحقوق المدنية والسياسية والثقافية)، كتب:
(عاينت للمقال سريع حسّي.
ما عجبتني حكاية تكرار “سيدي ومولاي” دي، ولا عموم التمجيد الاستثنائي. مالكولم إكس مساهمته ما عالية خالص، مقارنة بكثيرين غيره، عشان ياخد تمجيد كبير قدر ده. غير كده انا تعبت حقيقة من أثر الإعلام الأمريكي الذي يجعل حتى مقاومي النظام الأمريكي داخل أمريكا أشهر من مقاوميه خارجها.
مالكولم مساهمته قوية ومحترمة، لكنها محدودة ولقت حظها من الإعلام، مقارنة بمساهمات أقوى وأوسع وأكبر احتراماً لم تلق حظها من الإعلام بعد. بعض تلك المساهمات أقرب لأن يتكلم عنها ممثلو حركات التغيير المسلح في إفريقيا، مثل أملكار كابرال ومانقاليسو سوبوكوي وسام نجوما، (ومن الدياسبورا الإفريقية، أمثال مالكولم، هناك أيضاً والتر رودني وموريس بيشوب وكوامي توري).
فشنو، مالكولم على العين والراس، لكن كثيرين أولى منه. المكان الكبير الماسكو مالكولم في مخيلة المقاومة عندنا، للمفارقة، أثره جاي من سطوة الإعلام الأمريكي المفروض نقاومه زاتو).
قصي؟ إنت بتحلم؟ إعلام أمريكي نقاومو؟ لكي تجد مكاناً في السوق، عليكَ أن تُراهن على رموز السوق لأن الموضوع سياسة! لا ثقافة، ولا محاولة تثقيف وتعريف (طبعاً دي الحاجة الوحيدة الممكن تستفيدها من شعر الأستاذ ياسر، أنك تقرأ الهوامش، فيها معلومات كويسة برضو)، لأن مالكولم معروف ومشهور بالأفلام ووجوده في مخيّلة المقاومة السودانيّة كما ذكر قصي. يضيف قصي تعليقاً على بوستٍ كتبته: (أنا لست غيوراً على الشعر زي مأمون. أنا مصدر انزعاجي الشخصي هو هذا التبجيل غير الموفق لمالكولم إكس (الحاج مالك شباز) من جانب شخصية تُمَثِّل حركة تحرير مسلحة). والتي من الأجدى لها أن تتبع الأسماء التي ذكرها قصي لتقتدي بها.

(6)
ولكن، ما هي (ما بعد الكَذَابة)؟، هذا توصيفٌ منحوتٌ من عندي يصف الحالة التي يعاني منها الخطاب السياسي في جميع أنحاء الكوكب، والضحك الكوكبي الذي ينتجه هذا الخطاب؛ السخريّة المتواصلة من كل شيء، العدميّة التي طَبَعت حياة الناس في كلّ مكان. لن يصدّق أناسٌ يعانون أهوال الحرب في جبال النوبة أن هناك من يُعانون الآن بالمثل في العاصمة وبقية أنحاء السودان، وهؤلاء جميعاً لن يصدّقوا معاناة أناسٍ في النرويج أو السويد أو أمريكا أو بريطانيا؛ إن المعاناة أصبحت عالميّة، والتستر على بزوغ فجر ما سيسمونه في المستقبل بـ(الحرب العالميّة الثالثة) تسترٌ يُرثَى له. لقد انهارت حتى مؤسسات الإعلام المسموعة والمرئيّة، وأصبح الكذب يُسوّق بوقاحةٍ مفضوحة، لذلك فهي ليست كذباً، إنها مرحلة ما بعده؛ حيث تبدو الصورة واضحةً للعين، والوعي يتمّ إيقاظه بالنار والحرب والدمار والإبادة الشاملة.
ليس الأستاذ ياسر عرمان سوى نموذجٍ للعقليّة التي تُسيطر على المؤسسات المنهارة، في جميع أرجاء الكوكب، وتقتات على جهل محبّي المؤسسة، والمخلصين لها، بهذا التزييف الشائن لمعنى وقيمة الأدب. تماماً كما يحدث في “سوق الأدب” اليوم. وكتابتي عن شعره هذه ليست سوى مقدّمة لاكتساحٍ شاملٍ وكاملٍ لـ(آلهة العصر الحجري) كما عبّر هيسّه. إن الثورة اليوم ليست في يدِ حملة السلاح، ولا في يدِ الحكومات! إن الثورة في يدِ كلِّ إنسان، في يدهِ فعليّاً، فقط علينا أن نُثوِّرَ الأداة التي في يدهِ بإخلاصٍ وتفانٍ.
كنتُ، من ضمن كثيرات وكثيرين، أساهم بالقليل القليل في التغطية على ياسر عرمان، وكم كنتُ مخطئاً. هذه الكتابة هي كفّارة على السُكات وغض الطرف الذي أوغلنا فيه. لنكن واضحين! باقان أموم شاعر، مثلاً، وقد كان يمنحني، أنا شخصيّاً، الأمل أكثر من آلاف المرات التي من الممكن أن يمنحها ياسر الذي يدّعي الشعر. لقد خرجت مع الجميع في مظاهرات أمام البرلمان ضدّ قانون جهاز الأمن الجديد، وما شجّعني وجود باقان، وزهّجني حضور ياسر. إن كان من مرشّحٍ كان على الشعبيّة أن تنتخبه في تلك المرحلة، لحكم السودان كلّه، فقد كان باقان؛ كان على الحركة أن توجّه صدمة، ولكنها اختارت محاباة الشمال بياسر الشمالي “المسلم” ككرت ضغط ـ ليس إلا، ولا أكثر ـ لضمان انفصال الجنوب. وياسر مسلم، وشمالي، وعادي زي مفهوم “المسلمين والشماليين” الذي أصبح أيديولوجيا قوميّة تتأسس على أساسها مفاوضات مصير وطن. انفصال الجنوب معلّقٌ على رقبتك يا ياسر، مُتلألئاً وقاسياً كجمرة، وسيظلّ كذلك مثلما تلألأ حانياً على رِقاب “الإسلامويين” الذين لم يُبصروا في الانفصال سوى جهالتهم المعهودة. كان الموتُ (بالنسبة لكَ كمحارب، مثل جون قرنق) أهون عليك من الانسحاب من الانتخابات. قرنق اختار الموت على الانسحاب، أليس كذلك؟. حسنٌ أيّها الأستاذ: ابتعد عن الشعر أيضاً، ابتعد عنه تماماً، ودعك في السياسة والبيزنس: تعال الخرطوم وخش الانتخابات عادي! مافيش داعي تبقى شاعر، تعال كمثقف، ولن نسكتَ لك، أبداً، بعد اليوم. بعد كل الخذلان الذي مُنيَ به الناس بسببك فلا رحمة لك، سنقارعك مثلما قارعنا، وسنقارع، نظام الإنقاذ وما بينكما من أنظمةٍ حان أوان انهيارها جميعاً.
عليَّ أن أذكّر أن لا علاقة لتنظيم الحركة الشعبيّة بهذا النقد، فللحركة في قلوبنا معزّة بمعزّة الصديقات الأصدقاء الكثر الذين حاربوا بين صفوفها في أوقات السلم والحرب، إلا أن التغيير داخل الحركة يجب أن يحدث، كما هو واجب الحدوث في بقيّة الأحزاب والتنظيمات. لقد خجلت الأحزاب في ما يُسمَّى “دول العالم الثالث” من القوة التي تملكها الشعوب بسبب تأثير الثورة التكنولوجيّة غير المُتوقّع؛ تعرية شاملة لكل أفاعيل الحكومات، تشهير ومقاومة وانتصارات متتالية لقوى خيّرة، إلا أننا هنا لا زلنا نُعاند! ما يجري في الحزب الشيوعي أصبحَ مُشاعاً، ولا زال عناد القادة يتفاقم، لا مفر من التغيير المستمر والثورة الفكريّة المستمرة: لقد تغير العالم، انتقلنا إلى عالمٍ جديدٍ تماماً، وإن لم يَفق الجميع من ذهولهم فسنشهد الانهيارات المتتالية إلى أن نَعي أننا في عالمٍ مختلفٍ تماماً عن ما كنا نعرفه.

(7)
هنالك أسئلة مشروعة تجب الإجابة عليها، منها تلك التي صرَّح بها الصحفي بهرام عبد المنعم في مؤتمر انسحاب الأستاذ ياسر عرمان من الانتخابات! تلك اللحظة التي انهار فيها، واقعياً، الأمل! بهرام، وهو صديق الأستاذ ياسر، لم يستطع كبتها ـ الأسئلة ـ في العلن، فمبررات الانسحاب كانت واهية، ياسر يعلم كم كانت واهية، يعلم الذين نظّموا المؤتمر، والله ذاتو عارف طبعاً! إن تملّص الحركة الشعبية لتحرير السودان، ككل، عن مسؤوليّة انفصال الجنوب وتعليقها على الأمنية التي لا زالت تتردد: (لو قرنق كان عايش)! هو تملّص لا يليق، عليها أن تتحمّل المسؤوليّة بكل صبر لتقدّم درساً.
لديّ، شخصياً، الحق في معرفة ما حَدَث، ليس بوصفي مساهماً في الحملة إذ أنني لم أقدّم سوى خدمات تقنية قليلة جداً لا تذكر (مدفوعة الأجر)؛ بل بوصفي رأيتُ أصدقائي ينتحبون وهم يتابعون ما صَنَعت أيديهم. ثم ينهارون تدريجيّاً بعد الانتخابات، ثم ضربة الانفصال، شاهدوا كل حياتهم تنهار؛ مؤسساتهم تُنتهك، تفلس الصحف، وتغلق منظمات المجتمع المدني واحدةً تلو أخرى. إظلام! ثم يغادر الناس وتحتشد المطارات بكل من نحب. تغترب الشابات والشباب، وندخل مرحلة الهياكل!
من الواضح أن “الصفقة” التي تمت، بكرت الضغط الانتخابي، حسب ما أرى من مكاني، هي صفقة دفعت لاستقلال دولة الجنوب بلا هوادة. ببساطة، ذنب الجنوب أصبح على رقبة الجميع، وليس المؤتمر الوطني وحده. وبما أننا نعيش في عالمٍ شبحيٍّ جدّاً، فنحن لا نرى الأيدي الخفيّة الأخرى التي تُحرِّك تاريخنا وتصنعه بغباء مطلق وبانعدام معرفة فادحٍ بالواقع السوداني، نحن لا نعرف كيف تبدو هذه الأيدي، ولن نعرف أبداً إن لم تحترموا ذاكرتنا كما عبّر الضباط المُحالون للمعاش من الحركة الشعبية (ش).

(8)
أمرٌ أريد مناقشته كذلك، تلك النبرة التي نتحمّلها عن طيب خاطر عندما يُخاطبونك بتمييز كـ(أولاد وبنات الخرطوم: المركز، الجلابة، الطبقات الأرستقراطيّة، المرتاحين..إلخ إلخ). أريد أن أقول بأنني لا أنزعج مطلقاً من هذه الخلفيّة وهذه الإسقاطات لا لشيءٍ سوى أنها حقيقيّة وواقعيّة. لا شكّ في ذلك، فأنا وعائلتي مثلا لم نذق ويلات الحرب، لم نتشرّد، عشنا بأمانٍ نسبيّ وجيّد، تعلمنا في المدارس والجامعات بكل يسرٍ وسهولة، وكل هذه الأشياء التي هي حقوق أساسيّة في واقع الأمر، وليست منحةً تُعطى. ولكنني، أنا شخصيّاً، في سفري وترحالي الذي كان آخره زيارة قبل شهور لمدينة كادوقلي لأول مرةٍ في حياتي؛ وعندما تصعد إلى الجبال المحيطة وترى حياةَ الناس هناك، فإن ما تتمناه هو أن يكون لك بيتٌ هناك لا أكثر.
وبالعودة إلى الأستاذ لؤي: لكن الجحيم هنا أيضاً موجود، في مدارسهم أشعلوا الجحيم، في مناهجهم التعليميّة، وفي الحياة نفسها، كان هناك تهجّم على حياة الناس في كلّ مكان، كذلك هنا في الخرطوم. لذلك قلت نتقبل عن طيب خاطر عندما تلمح ما بين الكلام حديثاً مثل: ليس من حقك أن تتحدث عن حركات التحرر المسلّحة إن لم تحمل السلاح بنفسك، ليس من حقك إن لم تذق طعم الحرب. ثم، وبالباطن: أهذا نضالكم؟ بل ومحاكمة نوايا كالتي وجَّهها إليّ الأستاذ لؤي عندما عبّرت عن قلقي وسخطي من ما يجري في جبال النوبة: (بهذه البندقية سوف نفرض أشياء كثيرة (يعني هنا، بالطبع، انتزاع حقوقهم وإحلال السلام) ثم إن هذه المأساة لم يكتفِ ياسر بالقلق الشبيه بقلقك وقلق بان كي مون!). أعني هذه اللهجة، بالغة الوضوح، في هذه الجملة تحديداً، أليس كذلك؟ ولهذا شكرته في نهاية المحادثة. لاحظوا أن لؤي لا يعرفني، لا يعرف عنّي شيئاً البتَّة، لا عن حياتي الداخليّة ولا الخارجيّة، ثمَّ وصمني بأنني اكتفيت بالقلق كبان كي مون!. على كلّ، كل ما قاله لؤي يُناقض المفهوم الجوهري الذي أراد أن يبلغه ياسر: الكلمة أقوى من السلاح. إذ أن الطريق الذي تنكبه ياسر هو الوحيد الذي يدلل على قلق وسخط حقيقي من ما يحدث في السودان، أما الكلمة، فلا!. طيب، نزيد الناس في الشعر بيت: الكلمة هي السلاح الأقوى في الكون! والحرب ذاتها تبدأ بكلمة! أليس كذلك؟.

خاتمة:
ويظنّ البعض أن الأمر مجرّد شكلةٍ حول الشعر!. الشعر لا يرتجي ياسر، ولا يهتمّ بمن يتّخذونه (تابعاً) يتذكرونه لتدبيج المناسبات التاريخيّة، إنه لا يمنحهم شيئاً أبداً، (لذلك أرجو أن يكون واضحاً أن استخدامي لكلمة شعر هنا استخدام سطحي وعملي للكلمة لا أكثر، إذ لا يُمكن أن يُوصف بهِ ما يكتبه الأستاذ ياسر). حتى إن الأستاذ لؤي الرضي يستنكر عليَّ، كما هو أعلاه ـ كشاعر ـ عدم كتابتي قصائد لمانديلا ومالكوم إكس وبتاع! يستنكر! يعني ببساطة بقى في مقرر (أن تكون شاعراً ـ تُقرأ مناضلاً)، فهنالك لستة بأسماء الشخصيات وتواريخ ميلادها وموتها، والباقي عليك!.
الشعر باقٍ ما بقيت الحياة على قيد الحياة، باقٍ ما تبقَّت من روح الأرض المهداة للإنسان كلمات وأحلام وكوابيس. كل هذه المشاكل التي أثيرها ـ مع شعر بنقديّة ياسر ـ إنما أثيرها ضدَّ السلطة! لا أكثر ولا أقل.

 

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
هوامش:
(1)    عن بوست حديث عادل القصاص بسودان للجميع بعنوان (ما الذي كان، وما يزال، يجري داخل الحركة الشعبية لتحرير السودان – شمال؟ بعضُ نماذج تقول بها وثائق، حوارات، إستطلاع رأيٍّ وتعقيبات) (نوفمبر 2015) على الرابط: http://sudan-forall.org/forum/viewtopic.php?t=8799&sid=7751d338b09cd844dee6a68512c338b1
(2)    إيماغولوجيا: بالرجوع إلى ما كتبه كونديرا، منشور بمدونة طينيا على الرابط: http://teenia.blogspot.com/2015/11/blog-post.html
(3)    تنقيب الظلام، (الكتل؛ حول شعريّة القيادة السياسيّة): عندما أعدت نشر هذه المقالة كاملةً في المدونة أبريل من العام الماضي 2014م، وجدت أنني كتبت هذه المقدمة المضحكة: (نُشر هذ المقال على أربعةِ أجزاءٍ بصحيفة الأخبار، إبّان الانتخابات إيّاها. أعيد نشره لشيءٍ في نفس يعقوب)، على الرابط: http://teenia.blogspot.com/2014/04/blog-post_30.html

* شاعر وكاتب من السودان

مأمون التلب

كاتب وشاعر وصحفي من السودان
زر الذهاب إلى الأعلى