عين متغيّرة
سياسة الكتابة لدى جورج أورويل
عن كتابه (لماذا أكتب)
في مقالاته المنشورة ثلاثينات وأربعينات وأوائل خمسينات القرن الماضي، يتعرَّض جورج أورويل إلى شذرات من حياته، مع مقالات حول الحياة العامة والقضايا السياسية والأدبية في عصره.
وفي مقالات (واقعة شنق)، (مراكش)، (صيد فيل)، ذات الطابع القصصي يصف صاحب (1984)، كيف لِرجلٍ أبيض مبعوث من قوة استعمارية – بريطانيا العظمى – ليعمل شرطياً؛ أن يعيش علائق متناقضة. وبنبرة لا تخلو من الندم والانتقاد يقول: “كل هذا كان محيراً ومحزناً، إذ أنني وصلت إلى قناعة بأن الإمبريالية كانت شيئاً شريراً وكلما عجلت باستقالتي وأفلتُّ منها كان ذلك أفضل”.
ويظل هذا الهاجس ملاحقاً أورويل في (صيد فيل) أو عندما يكتب عن (مراكش)، وهو يصف نمط حياتها: “في شمال أوروبا عندما ترى عاملاً يحرث حقلاً فإنك ستنظر تجاهه مرة أخرى من أجل لمحة ثانية، وفي بلد حار (جنوب جبل طارق)، فإن غالب الاحتمالات أنك لا تراه، تستوعب العين التربة الجافة، ثمر الكمثرى، والنخلة والجبل البعيد، لكنها دوماً تفوت الفلاح وهو يحرث بقعته، لونه هو لون الأرض نفسه”.
بسخرية ثاقبة، وشيء من التشاؤم، ينظر أورويل إلى دقائق حياتية كما هو في (ذكريات محل كتب) و(اعترافات مراجع كتب)؛ سخرية نابعة من التجربة نفسها: فالكُتُب في المتجر، منظوراً إليها من موقع البائع “تُفرز غباراً أكثر وأبشع من أي فصيلة من الأشياء التي اخترعت حتى الآن، والجانب العلوي منها هو المكان الذي تُفضِّلُ فيه كل ذبابة زرقاء أن تموت”؛ أما مُراجع الكُتُب “فعليه أن يبيع شرفه لقاء كأس شراب رديء النوع”.
سنرى أيضاً في كل مرة موقعاً مغايراً لأورويل ينظر من خلاله للعالم، فهو كاتب المقالات الأدبية والنقدية المُطوَّلة عن هنري ميللر، وشكسبير وتولستوي (متناولاً رأيه في شكسبير)، وجيمس جويس، ووالت ويتمان، وما سماه (الأدب الجيد على نحو رديء)، وتجربة (الشعر والمايكروفون). وبالإضافة إلى نقده لسياسات الاستعمار وتنبؤه بالحرب الباردة ومآلات القنبلة النووية كما في (أنت والقنبلة النووية) و(تأملات حول غاندي)؛ يتحدث أورويل عن فن الكتابة: “عندما أجلس للكتابة لا أقول لنفسي: (سوف أنتج عملاً فنياً) أكتبه لأن هناك كذبة أريد فضحها، حقيقة أريد إلقاء الضوء عليها، وهمي الأول هو الحصول على مستمعين، لكن ليس بإمكاني القيام بمهمة كتابة أو حتى مقالة طويلة لو لم تكن تجربة جمالية”؛ ملخصاً دوافع الكتابة في مقال (لماذا أكتب؟) – عنوان الكتاب – في: حب الذات الصرف؛ الحماس الجمالي؛ الحافز التاريخي؛ والهدف السياسي.
بالنسبة لقارئ روايات أورويل سيكون (لماذا أكتب؟) كاشفاً أكثر لعالم أورويل الكتابي.
يقول الناقد برنارد كريك في مقدمته المطولة للكتاب: “ماذا بوسع الذين لا يعرفون غير (مزرعة الحيوان) و(1984) أن يعرفوا سوى ذلك؟”.
يحتوي الكتاب على تسعة عشر مقالاً شغلت 300 صفحة من الحجم المتوسط، وصدر في طبعته الأولى عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر ضمن مطبوعات وزارة الثقافة بالبحرين في العام 2013م.
الكِتاب من ترجمة علي مدن، المولود في البحرين في العام 1986م، وهو مترجم وكاتب مُهتمٌّ بالسينما، عَمِلَ مُعدَّاً للبرامج والتقارير في تلفزيون البحرين، له كتاب عن السينما بعنوان (زيارة إلى صالة فارغة)، ومجموعة قصصية مترجمة (نزهة في فناء البيت الأبيض) للكاتبة الأمريكية باتريشيا هايسميث، ونُشرت له أبحاث وترجمات في المجلات الدورية والصحف بالبحرين وبلدان خليجية أخرى.
عناوين المقالات: واقعة شنق، صيد فيل، ذكريات محل بيع كتب، مراكش، داخل الحوت، ويلز وهتلر ودولة العالم، مارك اتوين – المضحك المرخص، والشعر والميكرفون، أنت والقنبلة النووية، كتب جيدة ورديئة، كوب لطيف من الشاي، تراجع جريمة القتل الإنجليزية، بعض الأفكار حول العلجوم الشائع، اعترافات مراجع كتب، لماذا أكتب، السياسة في مواجهة الأدب: فحص في أسفار جيفارا، ولير، تلستوي، والبهلول، هكذا كانت المسرات، وتأملات حول غاندي.