ثمار

عصافيرٌ واحتمالات

بله-الفاضل2

“أحسُّ أني أَنتعلني وأهروِلَ على حقلِ ألغام”

1
كعصفورٍ تنهرهُ الاحتمالاتُ، يُخبئُ الكلامُ وجهَ الانهزامِ، ويلوذُ بشفاهِ السابِلةِ، تلوكهُ وتعتصرُ جناحيه..
يلقونهُ لأحضان الرصيفِ، لتدهسهُ خطى المداهنةِ، تُمزِّقُ ما يرتضيه، وتحنقُ على ما يعتريه..
يتطايرُ في خضمِّ المواراةِ، يبتهِجُ بشساعةِ الظنّ، ويختالُ كفارسٍ، جفتهُ حظوةُ إلجامِ اليواقيتِ، الـ تنهشُ أشلاءَ الليل..
تُرافِقهُ انتصاراتُ الخيالِ، ومِزقُ الرسنِ، وكبوةُ الذودِ عن حمى الفوانيسِ، الـ تسهرُ لتحمي الجسدَ، اللائذَ بتصاويرِ العتمةْ، الـ تتقافزُ في تضجُرِها، نواقيسُ الصرخةْ، تحمِلُ شارةَ الهذيانِ، تتالى نبضاتِ الدفقِ، يعلوها نشيجُ القهرِ، المُستنِدُ على الأذرعِ الهشةِ، الـ ترتفِعُ لحصدِ الدعاءِ، ولا تنقضُ على ما يستدعي الغِلّ، ينبِتُ في الأحشاءِ، براكينَ الخمودِ، الـ تستشري في أوصالِ الشجب..
يمتطون ظهورَ النيامِ، يتفرسون بملامِحِ النخوةِ، النائمة بأشلاءِ الهمة، الرابِضة بأرفُفِ المتاحِفِ، تتوجسُ أن تطلَّ على الجماجمِ، الخاوية إلا من الانحناءِ، حزمة دساتيرٍ وأغنيةٍ فجة..
والكأسُ على أسنةِ المجونِ، يُراقُ بأرضِ النفوسِ البوارِ، الـ تُمجِدُ أشباحَ الظلامِ، وتُنكلُ بحرقةِ المسامِ، الـ تهطِلُ في حنايا الأديمِ، بارقةَ أملٍ واختلاجاتَ ضوءْ.
يركضون خلفَ الجياعِ، الـ يقتاتون فتاتَ الأحلام، على مأدبةِ الباعةِ، وأسفل كرسي الحائك..
ينساقون كما الخرافِ، يقبعون بين مُدنِ الخيال، يدركون صلصلة الريح، الـ تسرِجُ بللَ الروحْ، بنافذةِ العتمة..
يجرجرون عباراتَ القهر، يحملون رفاتَ الحريق، المُرتطم بأفقِ الضيم..
يؤجِجون أفئدةَ الوأد، يخنِقون أزيزَ الشِعر، الخارِج من أقبيةِ الموتى، نظيفاً إلا من أعمدةِ الدخان، الـ يتصاعدُ أعلى سورِ الرفض..
يربِطون ساعِدكَ الأكسلَ بمقصلةِ الجياع، يفلِتون يدكَ حِفنة من سباب، يُسلّمون رايتكَ مطويةً مدنسةً، للدهماءِ السوقة، يبكون ويترمّلون، لتمضي القافلةُ من حيث انتحيتْ، هبوطاً حتى كفَّ الظُلم..
ولكيلا تستنِدَ على الصوصوة، وتنامُ بأحضانِ الهمود، أرجح يديكَ على اتساع، واقبِض فراغكَ بكفتيك، وأغرِق صحائف مجدك المُراق، بإعتامِ الخبايا المُنصِفةْ، وارقص على دِمنّ الخفوت، فالدودُ يندسُّ مؤملاً، جيفةً ينهشها الرضوخ، فيذرها كالرمادِ للريح، ويغمِرَ بغلوائهِ أُفقك.

2
تنزرِعُ بخاصرةِ الليلةْ، تبحثُ عن وعدٍ مُلقى، بين ثنايا البغتةْ، يُغرِّدُ مثل عصافيرِ الوحدة، بألحانِ الموت، يحمِلُ أجنحةَ الُحلمِ، ويُرفرف فوق الوأدَ المُستأصِل، زهو الأوقات الملقاة، بخاطرِ بعثٍ ينبِتُ كاللبلابِ، في الأدمغةِ المصلوبة..
ثمة المتاحُ الزِلال، لو يقرِنهُ الرسمُ بالجبال، تجري المياه كما تشتهي الأرواح، تُخصِبُ النفوسَ المستنيرةْ، وتدمِجُ الشريانَ بالغليان، فيبقى أن تستريحَ القلوب، تُبارِكُ احتراق الانعتاق، انصهارَ الدمِ في النضوجِ، تثورُ نصرةً للشراع، القابِع في جليدِ الوعود..
ثمة أحلامٌ تفترِشُ رصيفَ الأفكار، وثمة ثقبٌ لا مرئي يطمِرُها في جُّبِّ النسيان.

 *كاتب وشاعر من السودان

زر الذهاب إلى الأعلى