مرحباً بالعناق
لي أفقٌ يتَّسع لكُلِّ خياراتِ الآخر
ولأنِّي أرفضُ أن أُسجنَ في قفصِ الرَّأي الواحد
تتمدَّدُ أغصاني
تشربُ من كُلِّ الأضواء.
(عبد الله شابو)
تربيةُ روحٍ، خيالٌ وثَّاب وانبثاقٌ مُفاجئ، لحظةٌ من الحُريَّة عمياءُ في جسد اللُّغة، مثيولوجيا الكيان المُنطرب في العالَم، المُتَّصل به في متون أسراره الكونيَّة، عن أرقى معنى إنساني عرفته البشريَّة، تحطيمُ أرقام الحُلم القياسيَّة، نورٌ أعمى، تسليطُ الضَّوء على ظُلمات الكلمات، أبديَّةٌ مُطلقة في النَّفس وفي الذِّكريات، خلودٌ بقُبلة على الرُّوح؛ هو الشِّعر، دفقةٌ أُولى على فضاء الخليقة، والشَّاعرية تُلتَقَطُ من كُلِّ شيء، وكالحسنات مُلقاة على قارعة الطَّريق، قصائدَ قصائدَ، انظرْ وتأمَّلْ، وكُن خارجاً بروحك كُلِّها، إلى الدَّفقة الحُرَّة للنَّشيد. لك أن تقول الجمال، الخراب، لك أن تُنادي حُريَّتَك كُلَّها. أنت في قلبِ الحُريَّة ذاتِها، ما دمتَ في قلبِ الشِّعر، فكأنَّما تُحرج الحُريَّة في حدودها. طاقة الحُبِّ هي طاقة الشِّعر، تحريكُ السَّاكن، ومع ذلك، فتسكين المتحرك.
أن نحتفل بالشِّعر في يومنا هذا، هو أن نستذكر سهرة الأمس بالأشواق، أن نُحِبَّ على شارع النِّيل، نبضةً نبضةً، ويداً بيد؛ لكأنَّما الصُّورة الشِّعرية ترقصُ من فرط الخيال. هو أن نتعانق في حرارة لحظتنا الأخويَّة، وننطرب بالعناق، أن نُبدِّدَ خوفنا من المُتوحِّش الصِّغير، وأن نُطارده ونطرده من التَّاريخ، إلى ما وراء التَّضاريس، هو أن نُغنِّي بحُريَّة ونقترح للحياةِ حياةَ الحياةِ، إن طردونا من البيت خرجنا بأناشيدنا للشَّوارع، إن أزاحونا من الشوارع تقاسمنا مع النِّيل ضَفَّته، إن حاصرونا صعدنا أشواقنا. حدودُنا حدودُ العالم، والأناشيدُ باقية في الأخاديد ترعى، والحُريَّة في الرُّوح بالأحضان.
أن نحتفل بالشِّعر اليومَ، يعني أن نُمسكَ الأمل من يديه، ونقوده لنشيدنا الجماعي، رغم خصوصيَّة الأغنية. لا موتَ ما دامت أيادينا، موجةً موجةً، تخلق النَّهر وتُبدع المُعجزات، لا صمتَ طالما منابرنا نؤسِّسها على هسيس الورق برائحته الطَّيِّبة، كتاباً كتاباً، يخرج الصوت من حباله، ويُعانق موج الجديد.
على هذا النَّحو، تنمو اليقظة وتتفتَّح الأشكال. لا طريق أمامنا سوى سبيل الحياة على تُربة الشِّعر.
نُحيِّيكم أيها المُحتفلون معنا على نور هذه الشَّمعة الجديدة من حياة الشِّعر في العالم، وحياة شعرنا السُّوداني على قلبِ الخُصوص، شعرنا الذي طالما تربَّى ونما على اخضرار هذه التُّربة، التي فَتَحَ لها لياليَ على سهلات البيوت غناءً بغموض الروح وفصيح الجسد، ورقصاً بحياة بسيطة، وحياة بمحبَّةٍ كبيرة.
يا شُعراء السُّودان في كل ثقافاته، من في الداخل، ومن تحتضنهم المنافي الشَّاسعة، هو النشيد نشيدنا معاً، لا خارجَ طالما أن هنالك يداً على بُعد عشرين مدينة، تجيئك كُلَّ صباحٍ تُقاتل معك المُتشابه، وفي لحظتنا الثَّقافية المُزهرة هذه – رغم كل هذا الظلام – لربُّما تكون إضاءة العتبات الأولى من حُلم شاعرنا المجذوب الذي حلم “بجيل يجعل الكتابة جزءاً من العيش كشرب الماء” ممكنة التحقق، ولا ننسى أن نُعانق صديقنا الصادق الرضي بروحه المُثابر، على فتح كُوَّة جديدة للشِّعر السُّوداني باتجاه الغرب، في هذه اللحظة من عنف العالم. ونحن اليوم نحتفل بيوم الشعر العالمي في ظلال تجربة شاعرنا الكبير عبد الله شابو، محبةً وامتناناً، لتجربة كبيرة من العطاء الشِّعري المُتواصل.
يا شعراء العالم بكُلِّ لُغاته:
تقول الحياةُ: تعالوا إلى كلمتي.
يقول الأمل: تفضلوا.
يقول الشعر: مرحباً بالعناق.
*نص البيان الشعري لمنتدى مشافهة النص الشعري ليوم الشعر العالمي 21 مارس 2016م.