ثمارغوايات

لكنْ ..!

نصار الحاج

تلكَ امرأةٌ

تضجُّ حواسُها بالنارِ

تُشعلُ ورْدَها لوناً سماوياً

يدغدغُ ليلَها المحروق بالشَّهوات

لكنّ السلاسلَ من زمان الخوف تُرْبِكُ خطْوَها

وتنالُ من غاباتها سرّ التمرُّد في المسافاتِ البعيدةِ خلفَ مجرى الماء.

امرأةٌ

من زمانِ الحُبِّ والغزلِ الجميل

ظلَّتْ تربي عشقَها وهجاً خرافياً

يطيرُ كما الفراشات الصغيرةِ دونَ قيدٍ أو جِراح

لكنَّ أجنحةَ العُبورِ إلى نهاياتِ الطريق

                                  أنهكَها العذابُ المُرُّ

                                  باعدَ بينها والريح

ساوَرَها ضياعُ العاشقين على تخومِ الحبِ

خيباتُ أزمنةِ الحياةِ على مداخلِ أرضها

لكنها وقَفَتْ

وقالتْ في صراخٍ حارقٍ

أن السلاسلَ بركةٌ ملعونةٌ

تغتالُ أصواتَ الهاربين من الجحيم

العابرين إلى التوغل في جنونِ الحب.

تلك امراةٌ

من صهيلِ الليل نالتْ اسمَها

في الجهر باعت صوتها لمقاعدِ البيت الرَّزينةِ

مثل كلِّ النادماتِ على التقوقع في حبال السجنْ

لكنها في السرِّ

أيقظت البراكين الشهية

سافرت للحبر تكتبُ صوتها

وجعاً خرافياً يخفِّفُ وطأة الحرمان والخوف الطويل

ظلَّتْ تعيش المستحيل.

تلك امرأةٌ

تفُورُ كمهرةٍ تجتاحُ أرصفةَ الحواجزِ

والمتاريس العصية

خلفَ صوتِ الريحِ تمشي

مثل ليلى العامرية

رغمَ ذاكرةِ السنينِ العابراتِ

وشوكةِ العجزِ التي شرختْ طريقَ أنوثةٍ أزرق

تضئُ الحبَ خلفَ غيومها

عذراءُ تبني بيتها المسقوفِ بالرعشاتِ

تنتظرُ الخروجَ إلى مواسم خصبها

وتطيرُ عابرةً قيودَ الخوفِ نحو العاشقِ المجنون.

تلك امرأةٌ

شرختْ جدار الخوف

لمّا راوغت طولَ المسافةِ في صباحٍ عامرٍ بالضوء

وانطلقت تَدُلُّ ربيعَ شهوتِها

إلى فجر النهايات التي غنَّت على أشواقِها

كلُّ النساءِ القابعات على تُخوم الخوف

عاشت جُنونَ الحب

مثل عشيقةٍ حرقت طريقَ الموت خلف خرافة البيت الأنيق

وسافرتْ

في بيتها المقهور

داخل أرضها العذراء

تغسلُ عن دوائرهِ الظلامْ

الوقتُ يمضي

وهي تمضي

تكشفُ الجُزُرَ المخبَّأة إنتظاراً للدخول

تسكنُها رياحُ الوجد عاصفةً

تبللُ زهرةَ الأنثى بداخل روحها العطشى

وتنثرُ ماءها الميمونِ في غاباتِها السَّمراء

تلك امرأةٌ

تطيرُ الآن من أقواسها الصغرى

وتعبرُ للمدى مسكونةً بالحبِ

والأحلامِ والأشواق للمطر الغزير

أنثى بطعمِ الكونِ

تخرجُ من سراب الخوف

من تابوتِها الأزلى

من جسدٍ تشقّقَ تحت أسوار القبيلة

كلُّها شغف لأنوارٍ تُضئ كمائنَ الأبنوسِ في نيْرانِها الكبرى.

تلكَ امرأةٌ

كتبتْ بحبر العاشقات

الحبُّ ينهشُ قلبَها سحراً

يفكُّ مغارةَ الروح البعيدة في ذُرَاها

لكنها تَعِبَتْ

تُريدُ الكونَ ينزلُ من أعاليه

يزيلُ الخوفَ عن عتباتها

يسعُ النشيدَ ورعشةَ الجسد العنيد

الخوفُ أنهكَ أرضها

والحبُّ مجنونٌ يُناديها لتخرجَ من دوائرِ صمتِها

لكنها غابتْ

لتبدأ رحلةَ الحبِ العنيفة بالتفاصيلِ التي تشتاقُها

مثلَ راهبةٍ مدللةٍ

خافت مياهُ الحبِ تجرفُها

وتُخفي لَذَّةَ الخُطواتِ عن أطوارِها تلك التي ظلّتْ سنيناً تشتهيها.

مرّت تلك الأيام الحبلى بالصمت

غابتْ في صومعةٍ خلَقَتْهَا من أعشاب الخوف

مرّت كحريقٍ يأكلُ غُرْبتَها المفتوحةَ صوبَ نهاياتِ الموت

تلك الغربةُ قادَتها لغيابٍ مُرٍّ مجنون

مرّت تلك اللحظاتُ الواهنةُ الأرواح

خرجت عاصيةً

تحتاج عناقاً يفتحُ باب الرِّيح

ويأخذُها في دورانٍ يُنسيها الدنيا

يجعلُها بوصلةً لدُروبِ المعشوق

يزرعُها حقلاً يتنامى كالأشجارِ بغاباتِ الأبنوس.

تلك امرأةٌ

تعيشُ العالمَ الموعودَ في سفرِ البداياتِ التي

خَطَّتْهَا أشواقُ النِّساء على دفاتر صمْتِهنَّ

عشقتُ الكون يزرعُها صراخاً جامحاً في الأرض

تأخذُني بقبضة روحِها العطشى

إلى جُزر تُربِّي عُشبَ شهوتِها

على طمي المسافات العميقة خلفَ موجِ البحر

نرحلُ وحدنا في نهر لَذَّتِنا

ونمضي كالبراكينِ الفتيةِ

نمنحُ الأرضَ الحريقَ

ودهشةَ النومِ اللذيذ على دُرُوبِ الحُب.

تلك الأنثى

من صلصالِ الروحِ ونجمِ الليل

رشَشْتُ عليها العشقَ نديَّاً

تحتَ فراشِ القلب

أُهَدْهِدُ فيها نهرَ الجسدِ الماطرِ تحت ركامِ الخوف

أحتاجُ سنيناً أتبعُها

كرسولٍ أفتحُ أسوارَ المدنِ المخفيَّةِ

أصْعَدُ سُلَّمَها العاجي

وأحفرُ أنفاقاً في البحر النابض بين حناياها

تَزْرَعُنِي صُبحاً أبدياً

يُشْرِقُ بالحبِّ الممنوعِ نشيداً يتخطَّى أزمنةَ الجوعِ

وذاكرةَ الأسلافِ المقهورة بينَ ثياب الرُّعب

هناكَ على أهرامِ العشقِ

سكنتُ ذُرَاها

علَّقنا رعشَتَنا ينبوعاً سحرياً في ملكوت الحب.

* شاعر من السودان

زر الذهاب إلى الأعلى