غوايات

جزء ثاني

بطلة روايتي مخطوفة هذه الأيام ! .. والبطل يبحث عنها بلا جدوى، كان من المفترض أن يجدها في اليوميين السابقين، لكنني تباطأت عن الكتابة بسبب الصيام ، اتهمني البطل بالتكاسل في ايجادها ! .. بل اتهمني بأوقح من ذلك قائلاً أنني أنا من خطفتها !!

قلت له : ” ما ذنبي أنا إذا كنت تحب المشي بدل ركوب السيارة ، وما ذنبي إن كانت تحب الآيسكريم ثم أشترت قطعة أكلتها وسقطت .. ما ذنبي؟”.

فقال لي: “أنت الوحيد الذي تعرف أنها تفضل المشي فوسعت لها رصيف الشارع ووضعت بعض الغمامات أعلي الصفحة فتغطى الشمس وتنشر بعض الرذاذ الخفيف فيحلو المشي أكثر لها بين السطور .. وأنت الذي وضعت لها عربة الآيسكريم في ذلك الزقاق .. لقد هيأت الظروف لخاطفها حتى يضع مخدرا في الآيسكريم!” ..

هدأته قليلاً وقلت له: ” لا بأس .. ستجدها قريباً ” .. لكن قريباً هذه لم تأت أبداً، انزعج البطل كثيراً ، قال أنه سيحرق هذه الرواية!.

فقلت له ” الرواية هي واقعك، هي مدينتك”.

فقال: “سأحرق المدينة إذن أو ربما سأنهيها فلا تصير صالحة للنشر؛ سأنتحر هنا! .. سأرمي نفسي في النهر!”.. و كما قال .. رمي نفسه في النهر! فرسمتُ له حبيبته واقفة على الشاطئ، فرح جداً حين رآها ثم سبح بسرعة حتى الشاطئ لكنه لم يجدها ؛ كنت قد مسحتها ! .. نظر لي غاضبا فقلت له: “أنت ضعيف أمامها مثل ضعفي أمامها بالضبط، وأنا ككاتب أفكر جاداً في تغيير سيناريو الرواية بحيث لا تجد البطلة أبداً !.. وحينها سأغير أسم الرواية إلى .. “هواجس شخص ضاعت حبيبته”!

فقال لي: “تبا لك. لماذا لا تسميها إذن “الكاتب الذي سرق بطلة روايته”!!

مرت الأيام والبطلة ما زالت مخطوفة، البطل يبحث عنها طيلة النهارات ويقضي الليالي مقارعاً كؤوس الخمر، أحيانا كنت أفكر أن أرجعها له ، وأحياناً أخرى أتراجع عن هذه الفكرة مفضلاً الاحتفاظ بها لي وحدي، كنت أحبسها في بيت في طرف المدينة ، في الأيام الأولى كانت قلقة و منزعجة، لكن قلقها تبدد مع الزمن حين رأت معاملتي الطيبة ، فصارالطريق معبداً لي للتحدث والتأنس معها، والأهم من ذلك كله ؛ لأجعلها تقع في حبي!. مع الزمن تركت التحدث عن افتقادها للبطل وصارت تتحدث عن قوة شخصيتي وتحكمي في الرواية، ثم شيئاً فشيئاً قل كلامها عن الماضي والصفحات السابقة ، وإنما صارت تتطلع لمستقبل السطور القادمات، أعطتني فنجانها مرة وطلبت مني قراءته فقلت لها:

“وجدت في الفنجان أني بعد صفحتين سأقول لك (أحبك)”.. !

ابتسمت بخجل ثم قالت: “حسناً.. بغض النظر عن سيناريو الرواية سأقول لك (وأنا كمان)”!

اتسعت عيناي. وانشرح قلبي. واستبشرت خيراً عظيماً .. ستنتهي الرواية بأجمل خاتمة رومانسية ممكنة..” أن تُحب البطلة خاطفها!. ضحكت البطلة وقالت: “لكن حتى يخلو لنا الجو لابد أن ننهي أزمة البطل؛ عليك أن تعيديني له حتى أخبره بأن الحب قسمة ونصيب! وأنني لم أعد أحبه..”.. وافقت فوراً وقلت لها سأكتبها الآن فقالت: “لا فقد اقترب آذان المغرب وأنت صائم”، فقلت لها: “لا .. سأكتبها سريعاً ؛ فأنا متحرق لیعرف هذا البطل الوغد أنك تُحبينني أنا فقط” .. ثم  جلست أكتب في الصفحات التالية ..

عادت له بينما كان هائماً يبحث عنها،  رآها في آخر الشارع.. رأته.. اتسعت عيونهما. جريا نحو بعضهما .. تعانقا عناقاً طويلةً أثار غيرتي.. جاء صوت أذان المغرب!! .. ترددت بين أن أفطر أم أواصل الكتابة ! .. وضعت القلم وذهبت للفطور سريعاً ، لقمتين ثم كوب عصير وكوب ماء ثم عدت أدراجي إلى الغرفة لأنهي هذا العناق الطويل!.. ثم حین فتحت الصفحة وجدت شيئاً غريباً؛ السطر الذي تعانقا فیه وجدت في آخره نقطة ثم تحت السطر وجدت كلمة”النهاية”!

كيف حدث ذلك ؟!..كيف تنتهي كذلك؟!

ذهلت. اندهشت.. تسألت .. صرخت .. استغرب صديقي وسألني عما بي فحكيتُ له ، فقال لي “لماذا لا تمسح كلمة نهاية وتواصل الرواية؟

“فقلت له “النهاية لا تكتب مرتین ولا تحدث مرتين!

“ضحك ثم قال “خدعتك البطلة .. أوهمتك بأنها تحبك حتى ترجعها لحبيبها ثم وضعا معا نقطة النهاية !! يا لك من غبي!”

غضبت ونكرت كل ذلك، قلت له أنها تحبني أنا ولابد أن البطل أجبرها على إنهاء الرواية، لابد أنه خطفها !.. واساني صديقي ثم فكر قليلاً  وقال أنه يملك حلاً .. سألته عنه فقال: “جملة إذا كتبتها بعد كلمة “النهاية” سترعبه بها جداً !”.. همس لي بها ففرحت وتهلل وجهي .. مسكت القلم ثم تحت كلمة “النهاية” مباشرة كتبت:

“إلى اللقاء في الجزء الثاني” !

وقاص الصادق

كاتب من السودان
زر الذهاب إلى الأعلى