غوايات

طقوسٌ عديدةٌ في نسيانِ امرأة واحدةٍ

(1)

أدخلي بِحمامِك في كهفِ الهديلِ/غنِّى بِسلامِك الميمونِ/أنشري عِطرَ قلبِك الرَّحيم على الستائر العاريةِ والمقاعدِ الحزينةِ وخزانةِ الكتبِ القديمةِ /اشعلي بخورَ غبِطتِك على الجدرانِ/ قبِّلي صمتَ المرايا كي تقولَ نشيدِ حُزنِها /وباركي بِعنفوانِ الجسَّد كلَّ الزوايا / ثُم تعالي لي.. أنا طِفلك الأسيرُ كي أدفنَ رأسي في مهدِ صدرك وأموتُ في لحدِ الحكايات!!

(2)

أعرفُ عُشاقِك واحداً واحداً /أعرفُهُم بِسيماهِم ومواقيتَ رغباتِهم/أعرفُهُم بأسمائهم وجيناتِهم /واحداً واحداً /أعرفُ الغموضَ أولهُم /والليلَ .. وكتابَ الميتافيزيقا. آخرهُم/ أعرفُ وسوسةَ السّريرِ وحقلَ الملاءةِ ووحشَ الغطاءْ /أعرفُ طائرَ الفجرِ ذاك المسكونُ بالأحلامِ والغناءْ/أعرف شجرَ النُّعاسِ /وساندويش النَّهارِ/ أعرفُ عُلبةَ البيبسي كُولا ورفيقها سادنَ الضّجرِ / أعرفُ أرنبَ المغيبِ وهاجسَ الحديقةِ الغريبُ والقريبُ إلى القلبِ والأليفُ للبيتِ والخائفُ من شهقة السَّلالمِ ورحلةَ النيونِ في دهاليزِ الدَّمِ /أعرف كاهنَ الفضائحِ وشاهقَ الألمْ / أعرف الوحيدَ في لعبةِ المسارحِ /معمدانَ الانتظار/أعرف الميّتَ في تابوتِ الصّمتِ /والمنفىُّ في صحراءِ الوهم !

(3)

المرأةُ التّي قاسمتْني الآنَ الحديقةَ ..

توجتْني بالرّحيقِ ..

المرأةُ التي شاركتنْي حُرقةِ الكأسِ الأخيرةِ ..

لم تضيءْ المستحيلَ

واسكرتْنِي بالحقيقة !!

(4)

في الطّريق اليكِ – وأنا اهيئُ- قصيدتي الأخيرةِ

سقطتْ مِن حقيبتِها كلمةٌ ارعبتْني

سقطتْ مثل مرايا على حجرٍ مصقولْ

كنت مشدوهاً بلملمهِ نِثارِها الجارحِ

كنتُ أحاولُ أنْ اتحسسَ حِملها الثقيلَ بقلبٍ هزيلْ

ليستْ من قاموسِ العاشقين

ليستْ من لغاتِ الطّيرِ

لا تنتمي لعجينِ الأغاني المُقدسةِ

ولا ليوتوبيا الشُّعراءِ الطيبين

في الطَّريق اليكِ

وأنا منسجمٌ مع ظلالِ الرِّهانِ

مع شجري الخاسر

وتفاحةِ النهاياتْ

(5)

كلمةٌ واحدةٌ أرعبتني

اخترقتْ حصنَ الذاكرةِ مثلَ رصاصةٍ

أشعلتْ نارَ الحنينِ في خيامِ الجسَّد

أسكرتْ ملاكَ الماضي في حانةِ الأماكنِ

أعادتْني مثلَ طفلٍ لحديقةِ الشَّغبْ

وفرحةِ الملاهي ..

للأزقةِ القديمةِ وقصور العناقِ

لألفة العطرِ ونكهةِ المقاهي

لنافذةِ القطار في ليلةٍ خريفيةٍ

لموسيقى (ياني) واحتشادِ الشَّوقِ في رعشةِ الأيادي

في الطَّريقِ اليك.. وأنا انسجُ خيطَ حُزني ..عُزلتِي الأبديةِ

ضاعتْ كلمةٌ واحدةٌ في حطامِ القافلةِ

أدمتْني ..مثلَ شارعٍ ثوريٍ في وطنٍ معزولْ

مثلَ رفقةٍ غادرةٍ في مُعسكرٍ خلويِ

مثلَ قصةِ فداءٍ نبويِ

مثلَ قلبي آوانَ ذبحهِ بسكينِ قلبِكِ

………………..

كلمةٌ

واحدةٌ

أرعبتنيِ

وأنا

في الطريقِ

اليكِ

سقطتْ

مثلَ مرايا على حجرٍ مصقولْ

(6)

فقطْ لأنك الموسوم بثقل الوقت

المُجسّدُ كطقسٍ خامسٍ للحزن

والمجردُ من عبءِ الاسمْ

والكائنُ في نار الوحشة

وقودُك الصمتُ

وقوتُك الرمادْ

هكذا يطؤك السريرُ

ينامُ من فوقِك النسيانُ

تتذكركُ مصفوفةٌ من الموتى , الارتباكِ ,الآلهةُ في برزخ تعدُدهِا , مَلكُ الفراغِ

سلالاتٌ من الصّبر على نواميسِ الخيانةِ

حفيدك المُنتظر قبل قيامةِ الدّم بالطاولةِ

واحتمالاتٌ موبوءةٌ بالذهابَ وحيداً

بالوشائجِ المفتوحةِ على فضاءِ اللغةِ

بالمرأةِ مثلاً

بالمعنى من فيضانِها

بالوثوقِ حدّ الفطامِ من حليبِها

بالانتظارِ المحفوفِ بهجرتها

بالموتِ على سبيلِ الجسارةِ

بالصورةِ من غدره

بالوئامِ حدّ اليقينِ من كونِه

بالهجرةِ المحفوفةِ بانتظارِه

كِلاهما في الحروبِ

كِلاهما بالرغبةِ ذاتها

كِلاهما بالغدر نفسه

وبالغيااااااابْ

(7)

حِينْ تلتقى امرأةَ خارجةَ مِن حروب الغجرِ

سادرةً في حزنها وقابلةً للرقص فوقَ الجثث

فأنتظر قليلاً بغباءِ الشاعر المُنهك من قصائده الركيكةِ

انتظر كثيراً بثقوب القلب المبذول في آنية الحوارات اللزجةِ

انتظر بالنقصانِ البائن في سيرتك بين حُطام الكمنجاتِ

وحبال الصوتِ

انتظرْ ..

أنْ تدعوك فطرةُ الأصابع للحمى

وان تستضيفك ظلالُ الشهوات في شجر الموتِ

حينها سيكتبك الأصدقاءُ حقلا على شبابيك عُزلتكْ

وترسلك الصّلواتُ درويشًا يانعًا في حلقة الطين والعطرِ

فلديكَ من الشرابِ ما يكفي دمُوعهمْ

لديك من السرابِ ما يشهق من رُوحهمْ

لديك من العذابِ ..

ما يجبر سطوةَ امرأة عائدةٍ لحروب العشقِ

وراهنةً كتاب موتاها لشاعرٍ ..عابرٍ في نفايات الوقتِ

(8)

كَمْ مِنْ الخطواتِ على رملِ اللُّغات مشينا

الأصابعُ في لِذْتها لذاتها

الشهقاتُ في المفاجأةِ

المخاصرةُ في كهرومغنطيسيتها (تعليقٌ يخصُ صديقتُكِ)

همهماتُ الروحِ في ارتفاعِ هضبة الشَّهواتِ

لجسدك عند انتصاب العبارات المفخخة بأنزيمات الشعر المترجم ل(لوركا) زمانٌ مِنْ كيمياء القُبلة المُشتهاةِ ..

القلبُ بحروف نبضهِ المسماري

عيناكِ تنسجان لي في كلِّ غمزةٍ سريراً من قواميسِ صديقات ماركيز بنبلهن للمنامات والصباحاتِ !

صباحُ الخيرِ على عِطر شعركِ

صباحُ الخيرِ نكهة الشفتينِ

صباحُ الخير للعصافير في القفص الصدري

صباحُ الخيرِ للوردِ المُعلق في سارية فستان الكِّتان ..للبرتقالِ ..للطَّعم ..للَّون ..للحُمى والثورة والسُّلم والثعبانِ !

وصباحُ الخيرِ علينا نستعيدُ في الحوار أسماءَ الشوارع والعائلات واللغاتِ

كلّما أعدنا ألواح الطين الينا

ذهبنا غرباءَ في الحقيقةِ

كلما تعرينا كالأمواتِ

توسدنا فداحة الخرائطِ المطموسةِ بالحبر والنزيفِ

لا الكتابة كنزٌ

ولا الرملُ قصيدة .

الأصمعي باشري

شاعر وصحفي من السودان
زر الذهاب إلى الأعلى