شجرُ الكِتابة
يا مازن، لماذا تجاهلتني؟
لقد كنت قريباً من داركم حين حدث ذلك «الإنفساس» الكبير، كنت إنتويتُ زيارتك. وحين حدث ذلك «الإنفساس الكبير»، وقد حدث معه طرد عالٍ نتيجة لإخراج الأرض اخلاطها. (لي عودة لهذه الاخلاط لاحقًا).
المهم يا صديقي ونتيجة لذلك الطرد العالي لا خلاط الأرض حدث جذب معاكس للطرد ومساوٍ له في القوة، الأمر الذي جعلني ألتصق بجلد الأرض بقوة. وشهدت كل ما حكيت غير أنني لم أستطع التدخل.
ثم من مكاني ذلك- رأيت سحب الاخلاط الفاقد تشكل غيمة قاتلة وتتمدد في الكون خلف مسار ما تبقي من أرض. ثم خشيت على ذلك البهاء من نجومٍ ومجراتٍ وسماء كبيرة. أصابني ما حدث بالرعب- حاولت الفكاك وكان صعباً. تذكرة لوهلت أنني دائماً ما أحتفظ بمنخالٍ في جيبي. ثم تحايلت على الجذب حتى وصلت إلى قاع جيبي فأخرجت المِنخال. وبجهدٍ جبار وصلت إلى قِشرةِ الأرض من تحتي والتي رقّت كثيرًا فأحدثت تفسيساً ثانياً غير ذلك الذي أحدثه جاركم. فانقذفت بطردٍ عالٍ موازٍ للطرد الذي احدثه جاركم! ثم عمدت إلى البهاء فوقي، فشكلت علماً كبيراً من ذلك البهاء، وطربتُ لخفقةِ السماوي، وفرحتُ لفعلي، وقلتُ هذا حستٌ في النور. ثم تفكرت لوهلةٍ، ثم قلت أستعمل «كُنِّى» فدورت من علمي وخفقه كوكباً هائلاً وكنتُ بداخلهِ لحظة كونته فطرِبتُ لفعلي. وقلتُ هذا كلّه حسن في وجه النّور، أيضًا.
والاخلاط التي أعنيها تشملُ مخلّفات كل الكائنات التي تعتاشُ وتتخذُ مِن (القِشرةِ الارضيةِ) سكنًا ومأوي، وهي كُلّ كائناتِ الهرم الحياتي.
وحين بدأ ” النفساس الكبير “وبعد ان ارتكبت حيلة الانعتاق من قوة جذب “الانفساس” الهائلة. ظللت اراقب من موقعي السماوي ذاك ؛كيف أنّ أخلاطُ ” القِشرةِ الخارجية ” للأرضِ ، بدأت تذوب وتُشكل سحابةً داكنةً كثيفة، محتفظة بنوعيتها، وهيئتها الجديدة، ثم بدأت تثقل وتبطئ حركتها مع تنامي حجمها.
ثم شهدت كيفية إنفجار ” الغلاف الصخري”، وكيف تناثرت مكوّناتهِ الصُلبة وانطلقتُ في المدي في سرعات خارج نطاق الحساب البشري ، فخِفتُ خشيةِ مخاطِرها على ما بدأ يتشكّلُ في ذهني من حُلم.
إلا أنّ المشهد كله شكل لي متعةٌ بصرية هائلة، فقد اتاح لي السيدُ جار مازن فرصة أن اشهد الأمطار الشُهبية قُرب مصدرِها، والتي كان سكانُ الأرضِ يسمّونها « الألعابُ النّاريةِ» وهي متعةٌ لا تضاهيها متعة حين تكون على ذلك القُربِ مِنها، وتتضاعفُ المُتعة حين أعرف انّني الوحيد الذي يتمتعُ بكلّ هذا البهاء. وأنت تشهدُ مولِدها وإحتراقاتها المصحوبة بضوءٍ خاطف، ثم ذوبانها في المدي.
ثم تمددت سياحتي السماوية، ثم راقبت “نطاق الضعف الأرضي” وانسحابه إلى الفضاء الخارجي على هيئة سحابةٍ رقيقةٍ وهي على وشك التوهان في المدي. وحولت ناظري فشاهدت انفلات “الوشاح الأعلى” . وهكذا اكون قد شاهدت الأرض وهي “تخرج اثقالها”
في تلك اللحظة ابتدأت غير مهتم بتفكير مازن، فقد انشغل كل الخاطر بتفاكيري الخاصة؛ ثم بدأ العلم السماوي الذي حلمتُ بِه . والذي يطربُني خفقه. وقد تمنّيتُ لحظتها أن يصبح هو العلم المعتمد لوطني الذهني . بدأ المشهد بخفق “الوشاح الأعلى” وانداح متموّجاً في اللانهائي، وأصبح هو و “الوشاح الأدنى” علماً هائلاً خلفيته الكون ، والألعابُ النّارية، التي أشعلها انفجار “الغلاف الصخري”.
وعندما بدت لي “النواة الخارجية” قلت هي الأرض الصالحة لبذر كوني الجديد.
اما ” النواة الداخلية ” بصلابتها التي حيرتني ، فقد ظلت متماسكة؛ لاهي تحولت لسحابة كسحابة أخلاط «القشرة الأرضية» ولا هي تفتت كالـ «الغلاف الصخري» أصبحت عصية على كل تلك التحولات. فقلت:« وجدتها!»
وبدأت التشكيل والتساؤلات؟
فقلت لذاتي هذا الكون لا بدَّ له من آهلين. وبدأت سِفرُ التّكوين، أنشأتُ أول من أنشأت كائناً نورانياً ، [ هذا نسب لكني] ثم أنشأتُ حوله هالة طاقوية وستكون ذات عائدٍ طيب في مسيرة خلقي.
ثم خلقت التكاثر الذاتي أولًا. ومع كائني الثاني خلقت طاقة سالبة عكس طاقة كائني الأول.
لست مضطرًا لتكوين اللغة فكائناتي تستطيع التواصل من خلال تماس طاقاتها.
ثم قلت لذاتي: أن حافز خلودي الأول يجب أن يكون الكتاب. فخلقت شجر الكتاب. ثم نثرته في أرجاء كوني. وقلت لكائنيّ أرعيا بسلامٍ خالدين، وحين يرعيان غابة الكتاب. يكون عائده على تكوّنها مباشرًا؛ الوعي بحولهما. في كوني ذلك جوعُ دائم للكتاب،لا شبع مطلقاً . يرعيان غابات الكتاب وحين يتحركان ينمو على أثرهما شجر الكتابة وهو جماع ما التهما من شجر الكتابة وخارجه شجر جديد بكتاب جديد.
لست مضطراً للكلام في كوني هذا، حيث يتم الاتصال بتمدد الهالات. وكذلك لا جنس حين يتم التناسل بتمديد الهالات السالبة والموجه لكائنهما وحين يبلغ تمدد الطاقة الموجبة طاقة سالبة يلتصقان ويكون خارج هذا الالتصاق كائن نوراني جديد ويكون تصنيعهُ حسب مناعة الهالتين أيهما ذاتُ طاقةٍ عالية تؤثّر في نوع الكائن الجديد.
وهكذا تتكاثر كائناتي وانا أرقبُ كلّ ذلِك واقولُ هذا كلّه حسنٌ في وجهِ النّور.
ثم قلت لذاتي. هناك كتابُ مجانين، ويجب أن يكون شجر كتاباتهم على بعد مشقة، فعمدت إلى أقاصي كوني وقلت لشجرهم كن هنا ،فكان.وطبعاً دون وحي أو رسول يكون أمري قد بلغ كائناتي، فهي ستسعى إلى حيث شجرة الكتابة المجنونة وهناك يرعون وعلى عاداتهم يتناسلون الكتابة المجنونة.
كانت مكيدتي ان تعم الكتابة المجنونة أو المارقة بحيث تصبح هي السائدة. وأنا أعرف كائناتي، فبعد تشبّعِها من شجرةِ الكتابةِ المجنوّنة. وفي طريق عودتها ستنمو غابات الكتابات المجنونة مشكّله ممراً كتابياً مجنوناً .
وحيت أن شجرة الكتابة متشابهة فسترعاه كل كائناتي وهكذا تنفذ مشيئتي.
الآن وقد انجزت كائناتي. طرق تناسلها، وطرق خلودها عبر الكتابة. تذكرت أمرًا. هناك والدة مازن وصديقها. اللذان يحاولان إعادة إعمار الأرض وإعادة نسل الإنسان الأرضي.
قلت لذاتي: يجب ايقاف هذه الكارثة. يجب قذف نسلهما إلى جهنّم. هي قطعًا ليست جهنّم حسن محمد موسى وليست جهنّم الله يجب أن تكون جهنمي.
وهنا تذكرت كوكب الأخلاط والذي كونته وقذفتهُ في أحد مداراتي. قلت هذا الكوكب لتعفّنه الفريد؛ يجب أن يكون المأوى الأبدي لنسل الكائنُ الأرضي، الإنسان، وعبر وسائطي الخاصة في التواصل مع كائناتي، ارسلتُ إلى جيشي لحماية خلود كائناتي.. وكانت الرسالة التي استلمتها وترجمتها في حديقةِ الأعاريب (أريدُ منكم القبضُ على كل كائن بشري في المُحيط الكوني وزجّه داخل كوكبُ الأخلاط خالدًا مخلدًا في ذلك العفن الخالد. وقد تم الأمر كأمري.
وقد نجوت يا مازن لأنك كنت مسجوناً ، وبيني وبينك، كنت اُضمِر إستثناءك. فقد أحتاجُ جنونك الكتابي. وطبعاً كائناتي تقرأ إضماراتي وكذلك نجوت.
تبقى أمر واحد. هناك تقليد أرضي ليس بشيء وهو أن لكل رسالة كتاب، قلت حسن يجب إنجازُ هذا الكتاب وبمجرد أن نويت كانت كائناتي تمشي وبنموٍ خلف مشيها كتاب الخلود الشجري. وهو في أقاصي كوني. لبلوغه عليك أن تلتهم من شجر الكتابة ما يؤهلك لبلوغ تلك الغاية.
واسترحت في اليوم الثاني.. كوني انجزتُ كِتابُ التكوين في يوم واحد.
وقلت : هذا حسنٌ في وجه النّور.
ونُمتُ.
* شاعر وتشكيلي من السودان