ثمارغوايات

في مهرجان الصقيع *

 محمد جميل احمد غلاف

عَتَبَةْ :

قال : (أمِنْكُمُ الحَوْفَزَانْ  ؛ قَاتِلُ  المُلُوكِ ، وسَالِبُهَا أنْعُمَهَا ؟

قالوا : لا …

قال : فَلَسْتُمْ مِنْ ذُهَلِ الأكْبَرْ)

                                                كتاب : ” سبائك الذهب”

ياحَوْفَزَانْ :

هَاهُمْ بَنُو شَيْبَانَ قَدْ شَرِبُوا صَقِيعَ الصَّمْتِ إذْ رَفَعُوا شِعَارَاتِ المَسيحْ.

الَّليْلُ أوْصَدَ كُوّةَ الشَّفَقِ الشَّحَيحْ.

وهُنَاكَ خَلْفَ نَهَارِكَ الأبَدِيِّ زَحْفُ هَيَاكِلِ المُوْتَى على الوَطَنِ الكَسِيحْ.

كيْفَ ارْتَحَالُكَ في حِمَى الرُّوَمَانِ حِينَ تَكُونُ أقْنِعَةُ المَنَايَا السُّوُدِ خَلْفَكَ كَالرّديِفْ؟

وعلىِ المَضَارِبِ خَيْمةُ الوَّطِنِ المُسَجّى ، فِي المَدَى تَتَناوَحُ  النَّخَوَاتُ  : “يا ذُهَلاً ” …

وتَرْجَعُ كالثَّرَى الصَّادِي إلى المَطَرِ العَنِيفْ.

هَذِي يَمِيِنُكَ يَا أبَا الفِرْسَان صَائِلَةٌ ودُوُنَكَ مِنْ دَمِ ” الشُّذَّاذِ ” مَحْجَمَةٌ تُقَطِّعُ تَحْتَ جِسْرِ المَوْتِ أوْرِدَةَ النـّزيفْ.

كَيْفَ الْتَفَاتُكَ مِنْ رَجِيِمِ الغَّيْبِ لِلوَطَنِ المُسَجَّلِ في المَطَارَاتِ البَعَيِدَةْ.

جَسَدٌ تَعُجُّ قَبَائِلُ الدُّنْيَا بِسَاحَتِهِ ، وخَيْمَتُه طَرِيِدَةْ !.

أوَكَلَّمَا وَلَّيْتَ رَحْلَكَ شَطَّ مَاءِ الرُّوُمِ غَرّبَ وَجْهُكَ الصَّيْفِيُّ يَلهَثُ في السَّرَابْ؟

وتَظَلّ فِي الدُّنْيَا تُغَادِرُ سَيْفَكَ المَهْجُوُرَ مِنْ بَابٍ لِبَابْ؟

تَرْنُو إلى الأرْضِ التي شَرِبَتْ صَبَابَتَها  بنو يعقوب كَالشَّهَدِ المُذَاَبْ.

” شالومي”  تَرْقُصُ فَرْحَةَ المُوْتَى على الشُرُفَاتِ مِنْ فَرَطِ الشَّرَاَبْ

وهُنَاكَ في شَرْخِ الشَّبَابْ

وَطَنٌ يَمُدُّ المَوْتَ أشْرِعَةً تُعَانِقُ سِكَّةَ الأبَدِ الطَّلِيقْ.

خَنَقَتْ نَسَائِمَه رِيَاحُ الصَّيْفِ حِيِنَ تَلَّوَنَ الأفُقِ الصّفيقْ.

*  *  *

يا حَوْفَزَانْ :

هَا أنتَ تُسْرِجُ حَافِرَاتِ الرّيحِ في جَسَدِ الغِيَابْ.

تَهْتَزُّ في الصَّهَوَاتِ بَيْنَ مَضَارِبِ الدُّنْيَا وأقْبِيَةِ السّحَابْ.

تَرْجُو المَوَاعِيدَ التي صَدِئَتْ وخَلّفَ رَعْدُهَا المَأمُولُ رَقْرَقَةَ السَّرَابْ.

أو كلما فَجِعَتْ شُهُودَكَ دمْدَمَاتُ الرّعبِ تجْهَلُ ما تُرِيدْ ؟

ترْنُو إلى الشَّهُدَاَءِ خَلْفَ نَوَافِذِ المُوْتى ، وتَقْبَعُ في شَبَابِيكِ العَبِيدْ.

نفَقَتْ خَطَاوِي السِّلْمِ تَحْتَ سَنَابِكِ الصَّلَفِ العَنِيدْ.

وبَقَيتَ وَحْدَكَ في الصَّقيعْ.

بَيْنَ التَّمَاثِيلَ التي شَرِبَتْ كُؤُوسَ حَلِيِبكَ الصَّافي وأهْرَقَتِ النَّجِيعْ.

كَيْفَ النَّجَاةُ ، وهَاِنئُ المَغْدُورُ في المَنْفَى ، وخَيْمَتُه عَلى الوَطَنِ الصَّرِيعْ؟

كيف احتِلابُكَ ثأرَ مَنْ قُتِلوُا بأبْقَارِ الرَّبِيعْ؟

*  *   *

يا حَوْفَزَانْ :

يا سَّيَدِي ؛ يا سَّيَدَ الفِرْسَانْ

تَقَطَّعتْ يَدَايَ دُونَ سَيْفِكَ الكَسِيرْ

ونابَ عَنْ قِتَاليَ اللِّسَانْ

هَا هُمْ بَنُو شَيْبَانَ يَحْلِبُونَ مِنْ شياهنا “المُغِير”(1)

ويَرْقُصُونَ في الدِّمقسَ كالحَرِيرْ

ترَّهلَ الطُغْيانُ في خِيَامِهمْ

والليلُ في المصيرْ

والثأرُ في أشعارهمْ

أنْشُودَةٌ لِلحَالِمِِ الغَريرْ

____________________________________________________________

* عن صحيفة الحياة اللندنية

(1) المغير : اللبن الممزوج بالدم

* ناقد وشاعر من السودان

زر الذهاب إلى الأعلى