ثمار

حول (إسلام بحيري)

محمد عثمان

مقالات “في التنوير” (1)

اسم هذه السلسلة لا علاقة له بأفكار الشاب إسلام بحيري، وإن كنا نتفق معه في مسائل وقضايا جوهرية، ونختلف معه في غيرها؛ فهو في بعض أطروحاته التي لا علاقة لها ببرنامجه “مع إسلام”، طرح من الآراء ما نعتبره خطًا موازيًا وخلافًا مبدئياً. (إسلام بحيري) لم يدخل معه المخالفون له في رأيه في حوار مُخلص يقوم على الحجة والبرهان والدليل، بل حاصروه بسيل من الشتائم وعبارات الكفر، ثم تربصوا به حتى سجنوه خمس سنوات لعبارة اعتذر عنها علناً في برنامجه (مع إسلام) الذي يعد ثورة تنويرية ودرساً منهجياً عملياً في تمحيص التراث الإسلامي، بعد أن بلغت أزمة الفكر السلفي وحليفه الإسلام السياسي ذروتها بظهور (isis) وهي اختصار لاسم جهاز المخابرات الإسرائيلي، وأول قادتها هو الصهيوني ضابط المخابرات الإسرائيلي (مردخاي) وهو الاسم الحقيقي للزرقاوي، ومن القيادات من اسمه (سايمون) ولا استثناء في جميع قيادات (داعش)، حتى أبو بكر البغدادي نفسه.

في الواقع نحن نعتقد أنه لم يكن ينبغي على المثقفين أن يسكتوا على خطورة (السلفيين) منذ بدأوا عمليات سجن واغتيال مخالفيهم في الرأي من رجال الدين والمفكرين الإسلاميين الذين استفادوا من فتوحات علم اللغة الحديث ومناهج دراسة ونقد النصوص، حيث أن السلفيين شعروا بأن بساط الدين ينسحب من تحتهم مما يهدد الأجندة المنوط بهم تنفيذها، مستغلين صورة الدين الذي ظلوا يشوهونه طيلة 13 قرناً لاستثمارها اليوم من قبل أعداء الإنسان.

عصرنا لا يحتمل الدفاع العاطفي عن المعتقدات الدينية والمزايدة والورع، أو الحماس الأجوف للأيدولوجيات، لا بد من الأدلة والبراهين – أهم أهداف التربية هي التفكير المنطقي السليم والدين ليس استثناء في ذلك، والسلفيون لا يريدون ذلك، وليس لديهم دليل سوى مقولة ليست بحديث نبوي (لو كان الدين بالعقل، لكان مسح باطن القدم أولى من ظاهره)، ومعروف أن من الشعائر اتفاقية خاضعة للعقل الوحدوي الجماعي، مثلها مثل علم البلاد والسلام الجمهوري، وفقاً لمنطق توحيد الشعب. إذا كان الله سبحانه وتعالى ساق مئات الحجج والأدلة على وجوده وصفاته وعلى اليوم الآخر وعلى اقتضاء الهداية ووجود الملائكة والكتب والرسل وعلى استجابته دعوة الداعي إذا دعاه، إذا كان الله سبحانه وتعالى قد ساق الأدلة والبراهين والصياغات اللغوية الدالة عليها تملأ القرآن من أوله إلى آخره – فكيف يقول إن الدين ليس بالعقل؟ أليست هذه أكبر وأبشع إساءة للدين؟ إنهم يدعمون قول منكري الدين (وَقَالُوا يَا أَيُّهَا الَّذِي نُزِّلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ إِنَّكَ لَمَجْنُونٌ) الآية (6) سورة الحجر، فهل بعد عدم العقل شيء سوى الجنون؟ ليس المقصود بعقلانية الدين أن العقل البشري هو الذي ينتج الدين، بل واجب العقل أن يفهم فيُوقن به عقله ويبهج قلبه، كذلك لمحاكمة ما نُسِبَ للدين مما يرد في القرآن ولا السنة الصحيحة لتبرئة الرسول من مخالفة القرآن، وتبرئة القرآن مما يخالف العقل والضمير من قول اتفق منهج علماء مصطلح الحديث على أنه موضوع وباطل. وسنفصِّل هذا المنهج من مراجعه. نحن هنا نسعى في محاولة تدريب على التفكير المنطقي السليم وإثبات إنسانية الخطاب الإلهي. كما نسعى إلى إنزال الفلسفة إلى واقع الحياة وإبطال استغلال الدين لخدمة أجندة شريرة.

* كاتب من السودان

زر الذهاب إلى الأعلى