ثمار

مَنْ

(1)

ما أوْدى بِكَ لكُلِّ هذهِ المصائر؟ ومن أشَعَلَ كُلَّ هذه الكواكب؟ ما أطَرَبَكَ وأَطْرَبَهَا! كُلُّ هذِه الحرائقِ لك؟ زَرَعْتَهَا بِنَظْرَتِك؟ وحَصَدْتَّها بالهواءِ الذي أنتَ مَلِكٌ عليه؟ هبْ أنك لم تُوجِدْ شيئاً من كُلِّ هذا، كيف لِلَمْحَتِك البعيدةِ والبرَّاقة، أن تُوغل هكذا: حدَّ أن تُفْلِتَ كلَّ هذه الأكوانِ من العدم الذي أنتَ ربُّهُ؟ يا حبيبي لك اليَدُ والعينُ، لك انخطافُ القلوبِ إليك، وَسِعَ قلبُك العالم.

(2)

في يَدِك يا حبيبي شمعةٌ تذوب دون أن تُطفئ إصبعك، دون أن تطفئ الليل السَّاهر على أطرافِ الوجود؛ فقُلْ لي: كم حديقةً نبعت في الغيابِ الشَّائك لأثرِك؟ كم زهرةً أشرَقَتْ في هذا الحُدوث الأزليِّ الحائر؟ كم فراشةً دارتْ في الرَّشاقةِ المُوسيقيَّة للغُموضِ الكونيِّ البَاهي؟

(3)

وفي يدِكَ يا حبيبي ألفُ نظرةٍ ونظرة، وفي عينك قُبلةٌ مأهولة بمطاريد الصَّبابة وصعاليكِ الحرائق الحُبِّيَّة.. ولكَ أيضاً ما يُهلك سلاطينَ الآفاقِ الشَّتَّى.. بيدِكَ الطُيورُ: تشربُ السَّماء فتعلو/ تعزفُ الأرضَ فترُوح.

(4)

تُومئُ عينُكَ للطَّبيعة قبل أن تنهضَ من حُلمها: تنبعُ الأنهارُ من الحصى، والمرأةُ الساحليَّةُ من الرَّمل، يُولدُ الهواءُ السَّائلُ وشظايا الماء من التماعِ المَرَايا في جمالِ وجهكَ الكريم.

(5)

ثُمَّ أيْنَكَ من أيْنِ الجَمَالِ القاسِي الذي سَبَقَتْهُ نظراتُك العاليةُ الصَّقيلةُ المُفردة؟ وكيفَ شَرَحْتَ صدرَ كُلِّ جميلٍ حتى بِنْتَ كُلَّاً واحداً، مُبعثراً في الأنْفس؟ كيف؛ وأنت تَتلُو قصيدةَ الأزل، فإذا هي حياةٌ لكُلِّ حياة؟!

(6)

لَكَمْ قُتلنا في سبيلك ثم أحيَيْتَنا بإشارةِ قلبِك، ولكَمْ شربنا الموتَ بجُرعة شافيةٍ مُلتاعةٍ، حتى سكرنا وأقسمنا بحياتك أن لا يفوتنّنا شاردٌ من أنفاسك. ولكم يا حبيبي اشتقنَا، حتى سُمِّينا باسمك الذي لا يُوصف ولا يعلمُه سواك.

(7)

وجهك كمالٌ واضحٌ، بلا ريبٍ، ولا حدٍّ، أو جِهة؛ يُطرب الأعين الثملانة بكؤوسِ الطَّبيعة، ويُرى بيقينِ السَّماع وإرادة المُحبِّ الهائم إلى وجهك، حتى يصير مضغةً من الألمِ الحيِّ، أو يُمسي سماءً حافية تمشي بين الناس بالحُب. وجهك يا حبيبي: كمال سائر.

(8)

صوتك سُلَّمٌ وخيالٌ قاتل، كلماتٌ خلقتَها لتُحبَّك؛ لأجْلنا. وكلما زدتَّ بحرَها ضراماً، نجونا بقشَّة من الوصول.

(9)

وقد غفلنا، وحِرْنا في الرِّقة الكاملة لكونك، ولم نكن سوى ذرَّةٍ في هباء وحدتك. وقد صبَبْتَ لنا عدماً صافياً في كؤوس الحياة، فثملنا في خمر النسيان.

(10)

فاسكبْ نظرَتَكَ الفائضةَ على نهر الخيالِ البشريِّ المُعلَّق تحتَ جسرِ الدِّيانات؛ نراك يومَها جسماً مَحتُوماً خاتماً لكُلِّ رسم.

حاتم الكناني

كاتب وشاعر وصحفي من السودان
زر الذهاب إلى الأعلى