مع عبدالعزيز بركة ساكن
الكاتب الروائي السوداني عبد العزيز بركة ساكن في ضيافة ” الموقف” ( 1ـ 2)
اجراه : انطوني جوزيف . كواجوك لاكو
يعرفه الكثير من الشباب ويعرفه كل من قرأ زوج من أجل أجاك الطويلة واداليا دانيال والقس بيتر في روايته الجنقو مسامير الأرض ويعرفه من قرأ مسيح دارفور ، ويعرف الكاتب الروائي السوداني عبد العزيز بركة ساكن بالزبون الدائم للرقيب في السودان لمنع النظام نشر أعماله الأدبية والتي ظلت تباع تحت ارفف المكتبات ، كتب في العام 1997 م رواية رماد الماء التي وصفت لاحقا بأنها تناولت أشياء تنبأت بانفصال جنوب السودان ، بركة الذي يزور البلاد لأول مرة في هذه الايام قادماً من باريس لإنجاز عدة مشروعات ، استضافه الملف الثقافي وكشف عن حنينه لزيارة جوبا منذ عقود ، لتتحقق أخيراً بعد أن أبدى استعداده لدفع أي ثمن لزيارة المدينة التي يقول عنها أن الاعلام الخارجي قد ظلمها كثيراً ، في هذه المقابلة يسرد بركة ساكن ملابسات و ظروف كتابة رواياته وجدل الهامش والمركز وآماله التي لم تتحقق بعد ، فإلى ما قاله:
أولاً ، لماذا انت في جوبا ؟
سؤال صعب ، لكن يفترض أن أكون في جوبا منذ عشرين عاماً أو أكثر، وأعتقد بأن من لم يزور جوبا ليس لديه أي عذر ، وبالنسبة لي زيارة جوبا واجبة “عشان أشوف بلدي مثلما زرت مدن السودان” ، جئت أيضاً لكي أزور الأصحاب الصحفيين والكُتاب ، وبرضو جيت عشان أزور اللاجئين السودانيين في جوبا ، يعني زيارة تواصل.
هل وجدت جوبا كما تصورتها ؟
طبعا الإعلام الخارجي شبه جوبا بتكساس يعني دبابات وصواريخ ويمكن تموت في إطلاق نار والناس شايله مدافع ولافه في الشوارع ، ولكن عندما جئت إلى جوبا لم أرى عسكري واحد خلافاً لعسكري المرور والجمارك ، ما شفت دبابة في الشوارع ، وخلاف ذلك لفت نظري نظافة شوارع مدينة جوبا ويمكن تكون هنالك شوارع متسخة وهذه ليست مشكلة ، ولكن الاستقرار النسبي في جوبا ملحوظ ، وحتى أنا أحس بأمان ومندهش من الترحاب الكبير الذي حظيت به حتى في الشوارع الناس بتشوفني بالطاقية والدقن وتسلم ، حقيقة تملكني إحساس من يعيش في بلده ، لذلك عرفت أن جوبا في الإعلام الخارجي تختلف عن جوبا في الواقع ، ويمكنني أن أضيف بأن المشاكل يمكن أن تندلع في أي مكان في الخرطوم وفي غيرها .
هل يمكن أن نعتبرها زيارة لجغرافيا شخوص رواياتك زوج إمرأة الرصاص ، أجاك الطويلة، اداليا دانيال والقس بيتر في الجنقو مسامير الارض وغيرهم ؟
يا سلام طبعاً كتبت كثير جداً عن الجنوب قبل أن أرى الجنوب كتبت عن طريق الحكاوي والقراءة ، بتلقى مليكة شول وأبونا بيتر واداليا دانيال وأجاك الطويلة وزوجها ، ديل يعني أصحابي جئت لكي أبحث عنهم ، وهم في أحيائهم الجميلة مثل حي ” أطلع برة ” يمكن أن يكون حي اداليا دانيال وكدا ، فأنا سعيدٌ جداً وأتعرف على مدينة جوبا حبة حبة .
كيف عقدت العزم على الزيارة وسط الانباء التي سمعتها عن المشاكل بجوبا ؟
بطبيعة الحال أي شخص يخاف من العسكر ، والحرب موضوع غير محبذ بالنسبة لي يعني مناطق الحروبات والجيوش والاسلحة وبطبيعتي أخاف من البوليس خاصة في دول العالم الثالث تجد العسكر لا يتمتعون بالوعي الكافي لكيفية التعامل مع المواطن وانتهاكات حقوق الانسان وغيرها ، فأنا جوبا بالنسبة لي كانت حلم ولازم يتحقق بأي ثمن كان وكيفما يحدث .
في العام 1997م كتبت رماد الماء و كانت تتنبأ مبكراً بانفصال جنوب السودان، كيف فكرت في ذلك ؟
نعم ، والغريبة رواية رماد الماء تنبأت بشيء لم أكن واعٍ به تماماً بقدر ما جرت الأحداث ، والحرب بين الشمال والجنوب والموت والدمار الذي خلفته وتفتت النسيج الاجتماعي وكثير من أشكال عدم إحترام القانون ، كلها كانت تقود الرواية نحو منظور معين ، ونتيجة لعمل أدوات السرد بألياتها وقوتها وصلت إلى إنفصال جنوب السودان ، وأنا بعد إعادة قراءتي للرواية أحسست أن الإنفصال حدث بنفس الطريقة كما جاء على متن الرواية .
كثيراً تقول أنك ليس على علاقة بالسياسة، ولكن ما تسرده في رواياتك هو عكس ذلك ؟
بالطبع الانسان بطبعه سياسي كيف تأكل وتشرب وتتزوج وتحب “البنيات” ده كلو سياسة بالمناسبة ، وحتى إذا قررت أن تشرب من الماسورة دي برضو سياسة يعني هل المويه نظيفة وهل الماسورة تعمل وإذا لا تعمل فلماذا ، يعنى ده كلوا له علاقة بالسياسة ، لأن السياسة هي الفعل الاجتماعي اليومي ويحدث بين الانسان ونفسه والانسان ومجتمعه ، بمعني أن كل سؤال يعتبر سؤال سياسي فبالتالي أنا لست بعيداً عن هذا ، وأضيف بأنني لست سياسياً بالانتماء الحزبي وليس لدي أي حزب أنتمى له ولكن لدي فكر وفهم للحياة ونظرة للمستقبل وهذا كله سياسة .
كتبت كثيراً عن الهامش خاصة في الجنقو مسامير الأرض ومسيح دارفور، وأخذ الناس إنطباعاً عن تبني بركة لفكر واتجاه سياسي معين ؟
أولاً موضوع الهامش لكى يفهمه الناس هو ليس هامش مكاني فلا نستطيع أن نقول أن خشم القربة هامش أو جوبا أو غيرها ، بقدر ما أن الهامش هو المركز وأين تتركز القوة سواء كانت إقتصادية سياسية وإجتماعية وفكرية ، بالتالي فإن المركز متحول ونسبى في مكان يكون هامش وفى مكان آخر مركز لذلك المركز والهامش ليست لهما علاقة بأمكنة بقدر ماهي حركة قوة كما ذكرت ، ويمكن أن تجد القوة السياسية في مكان والاقتصادية في مكان آخر والإجتماعية في منطقة أخرى يعنى في التوازنات التي تحدث ما هو إلا القوى في الوقت الحالي ، هل يمكن أن نعتبر القوي مالياً هو المركز أم القوي فكرياً هو من يقود التحول سواء كان إجتماعياً أو غيره ، وفي الجانب الآخر هل القوي سياسياً هو الأقوى ، يعنى دي حاجة معقدة جداً ، فعندما كتبت عن مناطق معينة لا يعنى أنني ركزت على الهامش بل ركزت على القوة المتحولة ولديها مراكز كثيرة ، في رأي أن الأطراف والمركز لا تجمعهما علاقة أمكنة أو بشر محددين بل علاقة قوة ومدى توفرها ومدى تأثيرها .
شخوص روايات بركة هل هي شخوص واقعية مستلهمة من الواقع ؟
أسماء الشخوص يمكن أن تكون أسماء أصحاب والأماكن موجودة في الواقع في القضارف وكسلا ، ولكن القصة في الرواية خيالية بالطبع وستظل خيالية لأن الرواية ابنة الخيال وفنه، وعمل الأدوات السردية في الخيال ، وبالتالي لا توجد رواية بدون خيال صحيح يمكن أن تتشابه الوقائع حتي في تطابق أسماء الشخوص والأماكن قد تختلف .
تحدثت عن كرهك للعنف والعسكر وعندما ننظر لبطل رواية الجنقو نجده وكأنه أخذ شيء من شخصية الراوي عندما رفض الإنضمام للثوار وفي النهاية أخذ طريق اللجوء، فالى أي مدى أثرت شخصيتك في بطل الرواية ؟
يجيب ضاحكا ” والله إلا البطل ده يكون مؤثر في شخصيتي ” ولكن لم أكن أقصد هذا تماماً وأنت نبهتني لشيء مهم لتشابه شخصيتي مع شخصية البطل ولكن كما قلنا الأبطال أو الشخصيات الورقية داخل الكتاب أصبح لديها قوة تسيطر عن طريقها على الكتاب يعني تخوفنا وتذهب بأشيائها وأصبحت في حد ذاتها قوة مرعبة جداً ، يعني يمكنهم أن يسيطروا على النص ويفعلوا ما بدا لهم حتى تتأثر بشخصيته التي هي من صنعك وانقلبت عليك كما يقال انقلب السحر علي الساحر .
كيف وصل بركة ساكن إلى مرحلة يوصف فيها بالروائي الكبير و قدوة الكتاب الشباب ، خاصة وأنك كنت قد نشأت في بيئة لم تكن مشجعة لأن يكون المرء مفيداً حتى؟
صحيح البيئة والمجتمع الذى نشأت فيه غير مشجع ، وكان يمكن أن أصبح جندياً أو أي شيء آخر ، وهي كما ذكرت كلها وظائف محترمة ولكن المجتمع نفسه من دفعني لأكون شخصاً مختلفاً من خلال الرعاية التي وفرها لي رغم فقره، وهي رعاية كبيرة ولا يمكن نكرانها أو نسيانها أو تجاهلها وأنا مدان لتلك الرعاية ، وكل ما أكتب شيء ينتابني شعور بأنني لم أوف هذا المجتمع حقه بعد ، هنالك آمال وأحلام لم أعبر عنها وطموحات وأيضا بعض الجنون وبعض الخير والشر، أشياء كثيرة تدور في الرأس .
* نُشر هذا الحوار تزامناً مع ملف الموقف الثقافي الذي تُصدره جريدة الموقف بجنوب السودان.