القصص الشعبية توثيق لثقافات الشعوب
في يوم الاثنين الماضي دشنت منظمة ليكيكيري (تعنى القصص بلغة الباريا) برنامجها المسرحي الجديد و الذي سمى “موسم المسرح” ، و ذلك بتنفيذ المرحلة الأولى المتمثلة في تقليب التربة ( الحراثة أو كوروجو) و التي تعتمد على تقليب القصص الشعبية من كل جوانبها لمعرفة خفاياها و محتوياتها التراثية و الثقافية الهامة ، و قد اكتشفت إن هذه القصص (ليكيكيري) تحتوي على العديد المضامين و القيم التي توثق الموروثات الثقافية لمجتمعات هذا الوطن الكريم.
و من عظيم الفوائد المكتشفة في هذه القصص (ليكيكيري) هي احتوائها على رسائل تربوية تساهم بشكل فعال في تنشئة الأطفال بصورة فريدة عن بقية أطفال دول الجوار ، لما فيها من حكم و مواعظ داب الأسلاف على إدخالها في طيات تلك القصص لفائدة متلقيها في المستقبل القريب ، عندما يصلون مرحلة النضج الفكري و الذي يتيح لهم فهم كافة المضامين التي وردت في الحكاوي و الروايات التي سمعوها او تناقلتها الاجيال عبر جلسات الانس و السمر مع الحبوبات و كبار السن.
كنت قد ذهلت جداً لمدى أهمية هذه الثروة القومية التي تحمل في جوانبها السحرية حُكماً يتعلق بأمور الحكم الرشيد ، و كيفية إدارة شئون الدولة و الشعوب ، و كذا الحال في بعض القصص التي تعطي دروساً للأطفال عن أهمية التعايش و التداخل مع المجتمعات الأخرى بطرق سلمية تدعو لنشر ثقافة السلام و المحبة بين كافة فئات المجتمع بالطرق التقليدية البسيطة ، دون الرجوع لوسائل القمع والاستئثار الذى يهيج في النفوس النقمة و الحقد و الثورة ضد المنظومات الدكتاتورية و القمعية التي تمتاز بالقسوة و عدم العدالة في تطبيق احكامها على من يقومون بإدارة شئونهم من المجتمعات.
من خلال هذه القصص الشعبية الجميلة و الراسخة القدم ، وجدنا إن الحكماء يمررون بعض الحكم و المواعظ و الرسائل التحذيرية و التربوية من خلال ، حتى يستفيد منها من يعرفون مغزاها و عظمة فوائدها ، و قد اكتشفنا أيضا إنها مادة خامة و دسمة لمحتواها من التاريخ الحضاري لشعوب هذا الوطن العظيم ،فلم لا نعمل على إعادة جمعها و نشرها لعامة الشعب و بكافة اللغات الممكنة لتعم الفائدة القاصي و الداني مثلما فعلها الدكتور واوا المحاضر في جامعة جوبا و الذي صدر له حديثاً كتاب عن مجموعة القصص الشعبية الخاصة بمجتمع “فجولو” باللغة الإنجليزية كتجربة فريدة يحتذى بها, و تعرف الأجيال القادمة عظمة ما يمتلكون من الثروات الروائية و التراثية من القصص النادرة ، فيضيفونه لما يتفاخرون به من الثروات القومية الاخرى المتمثلة في الموارد الطبيعية ، الحيوانية ، المائية، المعدنية ،و غيرها.
أرجو أن يغتنم أصحاب المال و الأعمال الفرصة فيعملوا على جلب المعينات للمساهمة في النهضة الثقافية الوطنية ، و توفير المطابع لإخراج ما في جعبة القراء و الشباب من إبداعات و إسهامات ثقافية ثرة تصب في وعاء مشروع بناء الوطن الواحد العظيم الذي يسع الجميع دون النظر او التطرق للأثنيات أو الجوانب المظلمة الأخرى التي تعمل على قتل روح الوطنية في نفوس الشعب و الأطفال الذين هم قادة الوطن القادمين و حماة ادغاله.
* كاتب من جنوب السودان
* نُشر هذا المقال تزامناً مع ملف الموقف الثقافي الذي تصدره جريدة الموقف بجنوب السودان.