ثمار

عودة اتحاد الكتاب السودانيين: نص القرار

12

قرر قاضي محكمة الاستئناف والمختص بنظر الطعون الإدارية، د.محمود علي إبراهيم، يوم أمس الأربعاء الأول من ديسمبر للعام 2016م، قرر إلغاء القرار الصادر من وزارة الثقافة بإلغاء تسجيل الاتحاد، والمُسَبَّب بممارسة الاتحاد لأنشطة سياسية ومخالفة نظامه الأساسي. وقد وجد القرار ارتياحاً واسعاً في الأوساط الثقافية السودانية، داخل وخارج البلاد، من كتاب وفنانين وإعلاميين، وذلك لغياب الاتحاد الذي كان يقوم بأدوارٍ كبيرةٍ ونشاطٍ ثقافيٍّ بداره بالعمارات شارع 29. (الممر) تحصل عبر مصادره على النص الكامل الصادر من المحكمة، ننشر أهم ما جاء فيه في المساحة التالية:

[تجدر الإشارة إلى أن القرار المطعون فيه هو القرار رقم (1) سنة 2015 بتاريخ 29/1/2015م، الصادر من مسجل عام الجماعات الثقافية بوزارة الثقافة، والذي قضى بإلغاء تسجيل الطاعن (اتحاد الكتاب السودانيين) تحت تسبيب ممارسة أنشطة تُخالف أحكام قانون تنظيم نشاط الجماعات الثقافية القومية لسنة 1996م ولأحكام نظامه الأساسي. فهل صدر القرار المطعون فيه مشوباً بعيب مخالفة القانون وعدم التسبيب وإساءة استعمال السلطة؟

أشير ابتداءاً أن عيب مخالفة القانون لم يعد مقصوراً على مخالفة القانون باعتباره قاعدةً عامةً ومجردة، وإنما اتسع مدلوله بحيث أصبح شاملاً للمراكز القانونية التي تترتب عليها آثاراً قانونية، فكل تنكّر لقاعدة عامة، أياً كان مصدرها، وكل مساس بمركز قانوني مشروع بعد مخالفة القانون يترتب عليها الحكم بإلغاء القرار (د. سليمان الطماوي، القضاء الإداري الكتاب الأول، قضاء الإلغاء طبعة 1996م دار الفكر العربي القاهرة 691-692).

وعلى هذا الأساس وجب أن تكون القرارات الإدارية مطابقة للتشريعات النافذة وللعرف والأحكام القضائيّة الحائزة لقوة الشيء المقضي فيه، وللقرارات الإدارية السابقة وللعقود إن وجدت.

وتنص المادة (8) من قانون تنظيم الجماعات القافية القومية 1996م على الآتي:

(يجوز للمسجل العام إلغاء تسجيل أي جماعة) إذا اقتنع بعد إجراء التحريات اللازمة أن:

أ- التسجيل تمّ بطريقة الغش أو بناءً على بينات غير صحيحة.

ب- الجماعة قد خالفت أحكام هذا القانون أو اللوائح أو القرارات الصادرة بموجبه أو أحكام نظامها الأساسي.

ج- مجموع عدد أعضائها يقل عن 25 شخصاً.

ففي شأن السبب الخاص بمخالفة القانون، فإن مفوّض المطعون ضده أفاد بأنه تم إلغاء تسجيل الطاعن (القرار المطعون فيه) لمخالفة المادة (8) من القانون المذكور أعلاه، بممارسة الطاعن لنشاطٍ سياسيٍّ وهو الانضمام لاتحاد كونفدرالية منظمات المجتمع المدني، وقدَّم مستند دفاع (2) عبارة عن النظام الأساسي لهذه الكونفدرالية. وقد عقد الاتحاد اجتماعاً بدار الطاعن، وحيث أن المادة تستلزم، وقبل إلغاء تسجيل أي جماعة، إجراء التحريات اللازمة؛ فإن ممثل المطعون ضدّه (المندوب) لا يجزم بأن هذه التحريات قد تمت حيث أفاد ص 95 من المحضر (لا أعرف ما إذا كلن قد تم التحري مع الاتحاد أم لا قبل إصدار القرار المطعون فيه). وذلك عن سؤاله بواسطة الادعاء. ذلك في الوقت الذي يُفيد -وفي الاستجواب الرئيسي- أنه (في حالة الطاعن تم الترحري وتم جمع المعلومات من الجهات المختصّة قبل اتخاذ القرار المطعون فيه)، وبذلك لا يمكن الركون إلى هذه الإفادة المتناقضة كسبب لاتخاذ القرار المطعون فيه، خاصةً وأن بعض المعلومات التي يدعي الدفاع بأنها وراء اتخاذ القرار المطعون فيه قد كان مصدرها جهات مختصة أخرى (الأمن والشرطة) وحتى هذه لم يقدّم الدفاع أية بينةٍ تدعو للركون إليها. سواءً بينه مباشرةً أو مستنديه للنشاط السياسي، ولمجهوليّة هذا النشاط السياسي فإن مندوب المطعون ضدّه نفسه لا يعرف حتى طبيعته؛ أي طبيعة العمل السياسي المزعوم.

وعليه لعدم وجود التحري الذي يسبق تطبيق المادة (8) لإلغاء تسجيل الجماعة (الطاعن) أخلص إلى عدم وجود أي مخالفة لهذه المادة.

أما بشأن عدم التسبيب وسوء استخدام السلطة، فإن القرار المطعون فيه يحمل التسبيب، وهو ممارسة أنشطة تخالف أحكام قانون تنظيم الجماعات الثقافية القومية 1996م، ولأحكام النظام الأساسي؛ وعليه ولما كان القرار ناطق بالأسباب التي دعت لاتخاذه فلا محل لهذا السبب للطعن في القرار المطعون فيه، ولكن ثبت لنا مما سبق ذكره في هذه الحيثيات عدم سلامة التطبيق لنص المادة (8) من قانون تنظيم الجماعات الثقافية.

وفي شأن مخالفة النظام الأساسي للطاعن (الاتحاد) وركون المطعون ضده على ممارسة الطاعن لأنشطة سياسيّة وانضمامه لاتحاد كونفدرالية منظمات المجتمع المدني، أقول أن النظام الأساسي لم يرد به أي أنشطة يحظر على الاتحاد (الطاعن) القيام بها، وعند قبول المطعون ضده بتسجيل الطاعن وفق هذا النظام وأحكامه فلم يرد نص بمنع قيام الاتحاد بذلك. وإن كان قد فات ذلك على المطعون ضدّه عند قبول تسجيل الطاعن فليس له التمسّك بذلك الآن، هذا مع ملاحظة أن ديباجة النظام الأساسي قد ورد بها عبارة أن (أنسب ما يناسب تطور شعبنا وبلادنا هو الديموقراطية القائمة على هذا التنوع).

ثم وردت أيضاً العبارة (الانطلاق على طريق السلام والوحدة والديموقراطية)، ثم يعود المطعون ضدّه للقول بأن النشاط السياسي أن الاتحاد “يتحدث عن الحكم الراشد والديموقراطية” المحضر ص 93-94. وكل ذلك بافتراض مخالفة النظام فإن البينة لم تقم على هذا الادعاء من قبل المطعون ضدّه.

أما في شأن دعوة الاتحاد للاجتماعات بالوزارة وعدم الحضور فإن المفوّض نفسه قد عجز عن بيان أي نصٍّ قانوني يُلزم الطاعن بالاستجابة لأي دعوةٍ من وزارة الثقافة.

أما عيب إساءة استخدام السلطة، فهو عيب يشوب الغاية من القرار المطعون فيه، وذلك بتنكّب الإدارة وجه المصلحة العامّة في القرار ولم يثبت في قضية الادعاء أي بواعث خفية أو دوافع مستورة وراء إصدار هذا القرار غير ابتغاء المصلحة العامة.

أخلص من جميع ما سبق إلى الإجابة عن السؤال المطروح بثبوت عيب مخالفة القانون دون السبب وإساءة استخدام السلطة من قبل المطعون ضدّه. وعليه إلغاء القرار المطعون فيه.

محمود علي ابراهيم 
قاضي محكمة الإستئناف المختص للنظر في الطعون الإدارية

* تم النشر تزامناً مع ملف الممر الثقافي الذي تُصدره جريدة السوداني

زر الذهاب إلى الأعلى