ثمار

استعراض لرواية (يوم انتحار عزرائيل)

1

يوم انتحار عزرائيل يعتبر أول عمل روائي للقاص السوداني (جنوب) آرثر غابريال ياك. وقد قمت بمراجعة هذا الكتاب الجليل بعد الحصول على موافقة شفاهية, هاتفياً من المؤلف نفسه، وكذلك بتشجيع من بعض الأصدقاء الذين فرِحوا لصدور الكتاب.

يوم انتحار عزرائيل: للقاص والروائي آرثر غبريال ياك لقد أُنجِـزت هذه الرواية في إطار برنامج آفاق لكتابة الرواية العربية بالشراكة مع “محـترف نجـوى بركات”, الإسكندرية: دار العين للنشر ، برقم الإيداع بدار الكتب المصرية: 13797/ 2016 . وقام تصميم الغلاف فرانكشتاين: رقم الإيداع بدار العين للنشر المصرية: 6 394- 490 – 977 – 978.

والجدير بالذِكر هو أن للقاص والروائي والكاتب الصحفي آرثر غابريال, مجـموعات قصصية صدرت له في تسعينات القرن الماضي بجمهورية مصر العربية حيث كان يتلقى دراسته الجامعية. ومن أشهر هذه المجموعات، المجموعة التي صدرت له بعنوان: “لا يهم فأنت من هناك”.

الرواية في مُجملها, محاولة لتسليط الضوءِ على أحداث سبتمبر 2013 ودور الأثنية (القبلية) فيها. فقد حاول المؤلف أن يثير مجموعة من أسئلة حول خطورة تسيس القبلية أو قبلنه السياسة، وهى أسئلة قد هدف المؤلف من خلالها لاستنطاق الواقع السياسي القبلي الذى خيم على مدن وقرى جنوب السودان بعد الأحداث وتصوير ما صاحبها من أحداث بشعة, بشكل إبداعي.

وقد حضر المؤلف أحداث 15 سبتمبر بكامل تفاصيلها من خلال المعايشة في مدينة جوبا, مهد الحدث. والكتاب حوى فصولاً, أو ما يمكن تسميتها, “مشاهد” ما يمكن أن تمتع القارئ وتجعله يسترسل القراءة. فقد عرض الكتاب  مشاهد بشعة تعكس واقع الأحداث، ومحاورات سياسية ، ومخاصمات جدلية وتناصح ، فيخيل فيها القارئ أن حرباً شبت حوله وغارات شُنٌت. وكلما انتقل القارئ من فصل إلى فصل أحس بتغير المشاهد وتتابع الحداث.

استهل الراوي آرثر الكتاب, في الفصل الأول، بمشهد عادى فيه “كان الكولونيل فرانكو مستلقياً على سريره الكبير المصنوع من خشب المهوقنى  البنى اللامع….”يستجمع ما تعلق ففي ذِهنه في آخر جلسة له مع صديقة وليم ويلسون جبخانة الذى قال وهو يمازح صديقه: “بأن هذا السرير الضخم لا يصلح إلا لعروسين يقضيان فيه ليلتهما”. لكن فجأة ، عكر صفوة جو الكولونيل “قعقعات أسلحةٍ آتية من بعيد” ( ص:12) ورغم ان الكولونيل فرانكو ، الذى قاد معارك ضارية ضد الجيش السوداني في أحراش الجنوب ، لم يكترث كثيراً بتلك الأصوات ، إلا ان كثافة الأعيرة النارية في تلك الليلة قد جعلت…. قلب الكولونيل ينبض بسرعة جعلته يتحسس تلقائياً المسدس النمساوي القابع تحت وسادته ، مسدسه الذى لم يفارقه منذ توقيع اتفاقية السلام الشامل في عام 2005 ” (ص: 13 ).

ثم ينتقل الراوي بسـلاسة احترافية إلى المشـهد الذى اعتبرته البداية التي وفـرت المحـاور الأسـاسية لسياق حبكة الرواية… “كولونيل, إنهم يريدون قلب حكومتنا!! (ص. 20) هكذا تلقى الكولونيل فرانكو المكالمة الهاتفية. وكان ذلك صوت الجنرال كليمنت… الذى لم يعطه فرصة التفكير ثانية واحدة ، أردف كلامه بأمرٍ صارمٍ حازمٍ  ” أمشى إلى قسم شرطة قوديلى”. الكتاب, أيضاً حوى شخصيات مثيرة للجدل. فبجانب الكولونيل فرانكو, هناك الجنرال جرمايا و صديقهم وليم ويلسون جبخانة الموظف في منظمة دولية ، كريستينا أخت الكولونيل فرانكو, وأم لادو….الخ.

أمتع ما في الكتاب ، المحاورات والمخاصمات الجدلية والتناصح بين كل من الكولونيل فرانكو مجوك مجاك والكولونيل جرمايا ووليم ويلسون جبخانة. فقد كان ثلاثتهم زملاء في مدرسة واو (أ) الابتدائية. وقد عكس الراوي أمزجتهم المتناقضة بأسلوب درامي شيق إذ تأخذ أحياناً الطابع الهزلى أو المزاح والجد في مواقف أخرى. وحتى لا أفسد متعة القراءة وما فيه من تفصيل تركناه لقريحة القارئ لتظهر فيه قوتها الاستيعابية.

إنها لصدفة جميلة أن يدشن الكتاب ” يوم انتحار عزرائيل”، في الوقت الذى تحقق فيه السلام في ربوع الوطن. فقد يتيح التوقيت فرصة سانحة لمراجعة النفوس المثقلة بهموم الوطن. فقد كتبت في مقال لي سابق ، لا أعرف إن كان قد صدر في أي من الصحف المحلية ام لا, عن خطورة التيار القبلي في جنوب السودان ” وتتمثل خطورة القوى القبلية في إنها تستقطب فئات ذوى قابلية لمشايعة التعصب الانفعالي للقبلية وحتى المشاركة في العدوان على الآخر. وتتميز الشخصية القبلية بالميل إلى نعت الآخر بألقاب توسم الآخر بالدونية او الجهل بتاريخ ومآثر قبيلته ، لذلك غالباً ما تكون خطابات القوى القبلية حصرية منغلقة وإبعاديه تستهدف فقط العقل الجمعي الانفعالي بين قبائلهم. كما يهتم الإنسان القبلي غالباً بالتخويف والوعيد, ورسم صورة نمطية مزيفة عن الآخر بغرض التعبئة النفسية”. وفى الكتاب أمثلة تعبر عن هذا المنحى. مثلاً: يقول عم الكولونيل فرانكو: ” لا يمكن لبنت قبيلة تعلمت وأصبحت دكتورة ان تتزوج من قبيلة أخرى!”(ص:37).

إنه لأمرٌ صعب للغاية أن أجادل الراوي آرثر غابريال في تسمية الكتاب بــ( يوم انتحار عزرائيل ) لكن بعد اطلاعي على الكتاب ، خطر على بالى بعض الملحوظات ، خاصة عندما مررت بالمشهد الذى فيه يحاول وليم جبخانه ان يعرف صديقه فرانكو مواقع الصواب. دا شنو يا كولونيل؟….كنا بندافع عن أنفسنا يا وليم….إنتو مين يا فرانكو. إنتو مين؟ يعنى اللى انا سمعتو صحيح؟”(ص: 76-77). الم تر ماذا فعلوا فى ليلة 15 ديسمبر؟ الم تر يا وليم؟” (ص: 85) “وفى مشهد آخر سكت وليم ليلتقط انفاسه المشبعة بالغضب واستطرد قائلاً: ” يا صديقي ، أنت لست سوى عزرائيل يمشى بين الناس.”(ص: 368). فــ (عزرائيل) ملك الموت ، يمكن ان  يستوعب دلالته بيسر القارئ الملم بالثقافة الإسلامية العربية. فقد حاولت أن أجد ملاك بهذا الإسم وبهذا المهمة في الكتاب المقدس ،سوى في الأسفار العبرية(العهد القديم) او الأسفار اليونانية (العهد الجديد) ولم اوفق ، والله أعلم. لاحظت ايضاً غياب شخصية نظِيرة للكولونيل فرانكو مجوك مجاك أو الكولونيل جرمايا ، من الجانب الآخر ، متعلم بعض الشيء بدلا من الشخصية الكجورية ، قائد الجيش الأبيض. لان الجيشان يحملان نفس السمات. وكذلك لان الفئات المتعلمة في الوقت الراهن ، هي الحاضنة ليرقات القبلية والمروجة لها بصورة سلبية سوى في المدن أو الأرياف.

أرجو ان يكون في ما وضعت من وجيز القراءة فائدة للقارئ ومحفزاً لاقتناء الكتاب. فالكتاب ( يوم انتحار عزرائيل ) لا يحو تعقيدات لغوية او مفاهيم مبهمة ، بل الكتاب عموماً جدير بالقراءة ، شيق ولا يترك سانحة للملل, حاول فيه القاص والراوي آرثر غابريال ياك ، بكل شجاعة ان يجعله مرآة نرى فيها وجه الوطن العبوس ، وجوهنا نحن ونتعرف على ملامحنا الوطنية حتى تسرع قلوبنا إلى دعوة الوفاق والمصالحة. لذلك أعتبر الكتاب إضافة حقيقية يمكن ان تثرى مكتبتنا في جنوب السودان.

* كاتب من جنوب السودان

* تم نشر تزامناً مع ملف الموقف الثقافي الذي تُصدره جريدة الموقف بجنوب السودان.

زر الذهاب إلى الأعلى