(تابو) الزواج عند مجموعة “الدينكا”
مجموعة الدينكا النيلية في جنوب السودان – يعرفون أنفسهم بـ(جيينق) ، و ينتشرون في إقليمي بحر الغزال وأعالي النيل – العديد من الانساق التي تحدد نمط الزواج و الاختلاط بين مختلف أفرادها ، تحديداً في نظام الزواج ، حيث تعتمد جميع بطونها وعشائرها الممتدة على نظام الزواج من خارج العشيرة (Exogamy) ، وذلك خوفاً من كسر قانون التحريم الزواجي المتبع لديها ، فبالإضافة لعدم زواجهم من أقاربهم الذين تربطهم بهم صلات دم ورحم ، لا يتزوج الدينكاوي من أي امرأة ارتبطت بعشيرته برابط القرابة روحية (طوطمية) أيضاً.
و الطوطم في النسق الديني التقليدي عند الدينكا ، هو رمز مقدس يعبر عن قوى حماية روحية يرمز لها بحيوان محدد ، نبات ، مخلوقات نهرية ، أو أي جماد ، يعتقدون في وجود قرابة بينهم وبينه ، ويعرف هذا الرمز عند الدينكا باسم (ياط ، جمعها ييط) ، لكل عشيرة واحد منها ، وهناك رموز مقدسة تجمع بين أكثر من عشيرة ، يتم توارثها من الاجداد إلى الأبناء الذكور داخل المجموعة منذ قديم الزمان.
على سبيل المثال ، فعشيرة “فيي” الموجودة في المنطقة التي تقطنها مجموعة (ريك) بإقليم بحر الغزال ، و التي تربطها قرابة طوطمية بعشيرة “فاريك” بمنطقة اويل الغربية بشمال بحر الغزال ، يتخذون من شجرة اسمها (كويل) رمزاً لهم ويتعاملون معها بحذر كبير حيث لا يستطيع أي فرد منهم قطعها أو حرقها أو العبث بأوراقها ، وكذلك الحال مع عشيرة (فاكويط) من منطقة ريك ، و التي يطلق عليها اسم (جوورماج) في منطقة بور بجونقلي ، و(فاليول) في منطقة قوك بالبحيرات ، و مجموعة (فافول و ألوكيو) في منطقة (اقار) بالبحيرات ، والتي تقدس جميعها (النار) التي تعتبر بمثابة الرابط القرابي المقدس الذي يجمع بينهم ، برغم وجودها ضمن تقسيمات مختلفة اجتماعيا وجغرافيا .
ويحرم مجتمع الدينكا ، الذي يتكون من الالاف العشائر ، ولكل واحدة منها رمز مقدس ، الزواج أو اقامة علاقة جنسية بين العشائر التي تشترك في طوطم واحد ، لأنهم يعتبرون أخوة في القرابة الطوطمية “ياط” ، كما يؤمنون بأن هذا سيتسبب في مخاطر صحية تؤدي إلى الموت ، بحسب المعتقدات التي باتت تشكل جزء أصيلاً من ثقافة المجتمع وفلسفة الحياة.
يقول لويس أنيي كوينديت ، باحث ومختص في التراث الثقافي للدينكا :”يتكون مجتمع الدينكا من عدة عشائر ، لكل واحدة من (ياط) ، ولا يحق لأي رجل وامرأة يشتركان في (ياط) واحد اقامة علاقة جنسية واذا تمت فانه تعتبر (زنا محارم) وتؤدي إلى الاصابة بمرض عضال ، ويحرم الزواج بينهم لانهم اخوة في القرابة الطوطمية “.
إلى جانب التحريم الطوطمي لا يتزوج الدينكاوي من الفتاة التي تجمعه بها قرابة دم قد تصل الجد السابع لدي بعض الاسر ، كما لا يجوز الزواج بين الاسر المتناحرة ، إلى جانب الاشتراك في الرضاعة من ام واحدة والتي يحرم فيها الزواج من الاطفال التي انجبتهم ومن ارضعت من خارج اسرتها ،والحالة الاخيرة يجوز فيها الزواج بعد القيام بطقوس محددة لإنهاء تلك القرابة .
يقول دينق قوج ، عضو برلماني ومهتم بالتراث الثقافي لدي الدينكا ، للنيلان :” تفهم أي أسرة من الدينكا أن الله خلق روحاً مقدسة تقوم مقام الوسيط وسيط بين الاسرة والله ، وان تلك الروح تتقمص حيوان محدد او جماد، يسمونه (ياط) ، وتسود نوع من القداسة والتوقير و الاحترام تلك العلاقة القرابية بين الاسرة و العشيرة مع هذا الـرمز المقدس الـ(ياط)”.
يزيد قوج بالقول :” على هذا الاساس يعتقد الدينكا أن أصحاب الطوطم الواحد في الاصل عائلة واحدة، حتى اذا وجدت اسرتين تنتمي الاولى إلى أقصى شمال أعالي النيل، والأخرى من أقصي جنوب رومبيك وهم مشتركين في طوطم واحد ( ياط) يعتبرون انفسهم من اسرة واحدة ، وهذا التباعد المكاني يتم تفسيره بهجرة واحد من افراد الاسرة” .
وتقوم فلسفة الدينكا في الزواج – بعرف في لغتهم يعرف بـ “ثييك ” أو “رواي” وتعني القرابة ، على البحث عن التقارب الذي يقودهم إلى عشائر اخرى بعيدة للاقتران بها ، ويزيد دينق قوج بالقول :” الدينكا لا يتزوجون من الاقارب ، فالزواج في الاصل للتقارب ، والاقارب بحسب الدينكا لا يسعون للتقارب “.
* شاعر من جنوب السودان
* تم النشر تزامناً مع ملف الموقف الثقافي الذي تُصدره جريدة الموقف بجنوب السودان