ثمار

عن التلقي الشعري والملحمية الشعرية

زمراوي

يعقب الشاعر في هذه الزاوية ياسر زمراوي على استطلاع حول التلقي الشعري وملحميته كان قد نُشِرَ قبل أسابيع بالممر:

يلوح لنا حاتم الكناني عاكفا في شأن مسألة التلقي الشعري العربي في استطلاعه عبر حلقات، ولأني كنت أرى في التلقي قولا هو من نسج طبيعتي الحياتية وقراءتي للأشياء وكيفية إحالتها إلى صنع خلاق للفكر والجمال، قبل أن تتلون تلك القراءة من واقع القراءات الفلسفية في علم الجمال وفي دراسات التلقي البنيوية، وفي دراسات كنه قصيدة النثر العربية وغير العربية؛ وجدت نفسي من تسعينيات القرن الماضي في خضم كتابة كانت تنتحي الجمال الأخلاقي عنواناً لها في صراع ضد الشر السياسي الممثل في السلطة وأدواتها وأبواقها, وافترعت تلك الجمالية النضالية كتابة النثر ذات الجرس الموسيقي في داخلها لترتبط بفكره أثيرية هي من نفس فكرة المسروق والمُختلس في أدمغة الشعراء والهائمين في بحر جمال الحبيبة والوطن, وغير ذلك من تفعيلة من البحر الطويل ذات تنويعات متعددة وجدت أساطينها عند عاطف خيري والصادق الرضي وبابكر الوسيلة وغيرهم, وكنا صغارا ننهل منهم, فرأيت بذائقية الملحمة مشهد الفجيعة الوطنية وقت النزف الدموي المستمر في بلاد تكتوي بالحرب في جنوبها وينشغل شماله بتوافه الأمور بعد أن ضاقت به الأمور وخرج من أمر التدبير الحياتى وتصريف المعيش اليومي فكراً واستنارة, فعادت الملحمية إلى السودان وقت اندثارها في بلاد العربية الأخرى, وفجيعتنا لاحقة لا سابقة, ومن نسيج الملحمية كان يلوح صراع أزمة الفرد المشرد بين تقليدية ورجعية قبلية وعائلية لا تزن أمراً للمتقلب السياسي وبين ابتداع سياسي في طرق التنكيل وقولبة المشهد الاجتماعي والسلوكي للفرد السوداني، وبذلك المثقف السوداني والشاعر منه سواء، فهو في النهاية في محنة  المحك العائلي والعشائري لتخرج كتابته نثراً أو تفعيلة ذات صدى جرسي من واقع ترداد الألم فيه متعمداً الاشتغال على المفردة الأثيرة وأصدائها من التفعيلة.

السؤال قائم كما سأل حاتم: هل غابت الملحمية؟ الحقيقة أنه غاب الشعر واستعاض عنه الجمهور بالبرامجية. ما نشهده من برامج تلفازية للشعر هو إحساس بالمعزة للشعر دون قوة للشعر، وفقدان لـ(طعامة الشعر) كما ذكرت في مقالة سابقة وكما أشارت لقولي هذا آراء في استطلاعه السابق, والملحمية سواء غابت أو أنها ما زالت قوية تكون بقوة موقع الملحمي الشاعر من المشهد الشعري، وبقوة موقفه من حقيقة الشعر تبياناً لواقع المجتمع إن تحدث الشاعر عن نفسه أو مجموعة, ليس لكونه شاعراً مُهوِّماً في الأحلام الذاتية المحضة والتكبر بسلطة يكتسبها من جمع الحروف مع بعضها ووجود فرصة لأن تنشر كتابته ونصه في ملف أو مجلة.  ويلوح السؤال أكبر كما يقول كمايقول القاص والكاتب المصري عزت القمحاوي: هل نحتاج إلى البلاغة في زمن الربيع العربي بعد وضوح الفعل السياسي واتباع المنهج البوعزيزي وما شابهه في التعبير وبعد ظهور الصورة كمُعبِّر أكبر؟ تبدو حقيقة أن الشعر في محنة على عكس ما يقول الشاعر عاصف مأمون, لأن هذا الشتات السوداني والعربي يحتاج إلى جمع بكتابة أكبر تجترح وسائلها الجديدة وطرق كتابتها كما يقترح الكاتب عبد المنعم الكتيابي في حواراته الشفهية التسعينية, وذلك لا يكون إلا بتراكم الكتابة والانفتاح على الذات دون مواربة والكتابة المجربة والانفتاح على كتابات الآخرين وتحديد مفهومية للشعر ولو طيفية عند كل كاتب وشاعر لنعرف أين نحن.

* تم النشر تزامناً مع ملف الممر الثقافي الذي تصدره جريدة السوداني

زر الذهاب إلى الأعلى