ثمارغوايات

صنمُ الوحشةِ

بله-الفاضل2

1

أُصادِقُ الأرضَ، أُعانِقُها
فتُمطِرُنا المسافاتُ
أُصادِقُ السّماءَ، أُحادِثُها
فيهمِلُني السأمُ

2
لو بمقدُورِنا
اِرتِداءِ الهزائمِ ثياباً!

3
لا استخدِمُ في حُبّي لكِ
سِوى حُبّي لكِ
وهو لا يُشبِهُ في أيِّ حالٍ
خلا حُبّي لكِ..

4
تنقّلَ بِرقةٍ في متاهاتيّ أيها الحُبَّ، أنتَ واحِدٌ لواحِدةٍ، وأنا كُلّي مخابِئُ.

5
ما هذا أيها الحُبّ، أُجنِنتَ؟
كيف توقِدُ شمعةً بقلبي، وتوجَهُ الرّياحَ نحوها؟
أتودُّ اِقتِلاعي من جُذُوري؟
لن أعذُرَكَ البتّةُ إن حدثَ أيُّ شيءٍ في حديقةٍ أنشأتُها كملعبٍ خلف نبضِها بهذا القلبِ الذي تُنشِنُ عليهِ.
ثم، ما الذي ترتدِيه؟
لا أنتَ جُننِتُ تماماً، فهذا فصلُ البّردِ يا صديقي، وأنتَ تضعُ قُبعةً فوق رأسِكَ فحسبُ..
صه، سأمشي دون صوتٍ إلى الحديقةِ وأقطِفُ لعينيكَ المزمُومتينِ حياءً من محلٍ ما
صه، سأدعكَ في جُنُونِكَ وأضعُ روحي بين كفيِّ النّومِ مثلاً، أو السّهو، أو الغِناء..

6
نحبُّ الحياةَ، حين تُغمِضُ عينيها أو تفتحهما..
نحبُّ الحياةَ، نطأُ على أرضِها، ننهشُ تفاصِيلَها، نمدُّ لها طوقَ النّجاةِ، لكنها
لكنها
سُرعانَ ما تلتفِتُ نحونا، وترجُمُنا بالخواءِ
نحبُّ الحياةَ، لأنها مُلوُّنةً، لأنها مُفخّخةً، لأنها لم تستِرحْ ساعةً منذ أن تعرّفتْ علينا
منذ انطلقنا نطوِي وسائدَها، نُرتِّبُ شعرَها، نأخُذُها إلى الفضاءِ الطّلقِ
فتُعاقِبُنا بالحُبِّ
نحبُّ الحياةَ بكُلِّ المُمكِّنِ من الدّهاءِ
نحبُّ الحياةَ…

7
بجرحِ نفسِكَ في الصّميمِ، تجرحُ آخرينَ، وإن لم يُقدّرَ لهم إدراكَ جرحِكَ.

8
ماذا إن سقطتِ الكُرةُ الأرضيّةُ
وتبعثرنا في ظُلُماتِ مجرّةٍ ما؟

9
الطّبيعةُ العاريّةُ وجهُكِ
في بدءِ تشكُّلِهِ لإقامةِ نبضِ الطّبيعةَ
حتى نجرحَهُ بتضارِيسِنا القاسيةِ.

10
يتفرّعُ عن رأسي الكونُ
وينفلِتُ كذلك خيّالٌ
ليؤسِّسَ دُنياهُ في فضاءٍ بعيدٍ.

11
قُمْ، وافتحَ كُوّتِكَ في الجِدارِ يا ولدي
وانطلِقْ ببحرِكَ لا تلُويّ على شيءٍ.

12
اليدُ كونٌ
تهصِرُ بين إِصبعينِ الأرضَ، بمقدورِها
وتدعُ ما تبقى منها كي تدِبَّ عليه الحياةُ، بمقدورِها كذلك
أو نحو ذلك..

13
أرفعُ نِصفاً فيسقُطُ الثّاني
فيما دونيّ، يتداعى الأساسُ
ولا يعبُرُ شارِعٌ لشّارِعٍ.

14
هل رأيتْ
ثمة زورقٌ هُناكَ
وماءٌ يسعهُ
لكنه، ماءً يتعثّرُ في الماءِ
إن شربتَهُ
تبلّلَ الزّورقُ، وإن تدفّقتَ إليهِ طلباً لبرٍّ
تناهشُكَ الظمأُ
فقُلْ لي، هل وصلتْ؟

إلى صديقي: عدنان خضر

15
داخِلُ الحَزنِ
أكُتبُ أُغنيةً بجناحينِ
تدلِفُ بيتَ عُرسٍ
فيرقُصُ قلبُ عاشِقٍ وهو يعانِقُ كلِماتَها واحِدةً إثر أُخرى
داخِلُ الحَزنِ
أديرُ مصنعاً ليلياً لبطاطين تقِي بعضَ الأرواحِ لفحِ الصّقيع
واُغطِّي بقبضتي زِرًّا ينفثُّ ريحَ الأسى إن سقطتْ نُدفةٌ ثلجٍ عليهِ، ذا مُشغِلُ ما أنا داخِلهُ
داخِلُ الحَزنِ
أُنظِفُ مجرى عينيّ بدأبٍ، فإن تدحرجتْ سهواً دمعةٌ ما، لم تُحبّسِ.
ما الذي لا ينفضُّ عن النّفسِ، فتُقعي أبداً داخِلَ الحَزنِ، خلا أن القلبَ ساهِرُ؟

16
ما انفكُّ أشرحُ لعصافِيرَ تُحلِّقُ إبان همسِها الملدوغِ أنه ليس ثمة قفصٌ واحِدٌ في قلبي.

17
قالت:
حين أحاوِلُ جرحَكَ
أعزِفُ موسيقى حزينةً
وأسألُكَ بقلقٍ:
هل تأذيتُ؟

18
دلِلْ زُهورَكَ يا ولدي
فإنها نوافِذُكَ إليكَ.

19
ينهضُ الشّارِعُ في كُلِّ شيءٍ
ماشياً إلى الأعاليّ، إلى الأعاليّ
فكيف لا ترونُهُ؟

20
غريبٌ يقِفُ ليحرِسَ خُضرةَ الأحراشِ
هكذا أخبرنيّ العُصفُورُ
ولطمني!

21
إن نجوتَ من ليلةٍ ظلّتْ تقرِضُ أطرافَ روحِكَ
وتتوغّلُ دون هوادةٍ
فخُذْ نفساً وأبدأَ المعرِكةْ.

22
للتي خبأتْ بِمعطفِ قلبي
أُغنيةَ هواها
أنها تُمزِقُ نبضي
فخُذيها إليهِ..

23
اراقِبُ بمرحٍ كُلّ مساءٍ
ثعلباً يحفِرُ في قلبِ كِتابةٍ لي
ويُسقِطُ الكلِماتَ..

24
الشِّعرُ
جُرأةُ الأصابِعُ على اختِلاسِ ماءِ الحواسّ السائِرَ لسُقيا القلبِ…

25
لِتُعانِقَ كلِمةً فيستقِيمُ المَرادُ
تُوشِكُ على تمزِيقِ روحِكَ
فيهويّ المعنى في جُبِّ المسافةِ
بين تنقيحاتِ الرُّوحِ والعِناقِ..

26
بحنجرتي تسرِي المباهِجُ
حتى إذا ما غرفَ النّومُ ملامِحَهُ
غنيتُ: أُحبُّكِ صحُويّ والقصائِدُ..

27
يأتِي صديقِيّ من غِيابِهِ المُترنِّحِ وعلى مِشيتِهِ غِبارُ المسافةِ، ليضعَهُ على الطّاوِلةِ في شكلِ شجنٍ لا ينقطِعُ، بدوري، وقد حبستُ أكثرَ من اِنعِكاسٍ، أُلقيّ شمسينِ من أصابِعي، وأقولُ: أين كان المسارُ حين انفجرتْ في السّاحةِ قُبلةُ اللّيلِ للنّهارِ، وانكدرتْ نُجومُ الأرضِ؟

28
أكُونُ المسافةَ، الوقتَ والشّارِعَ، وأزهارَ الحدائقِ التي تطِلُّ عليكِ
حين تكُونُ خُطوتُكِ القادِمةَ.

29
يُغالِطُونَ في وِجُودِكَ خالِقي
وأنا أُغالِطُ في وِجُودي!

30
يجرِّبُ عُصفُورٌ على شجرةِ المعانيّ
أفكاراً قديمةً، رغِبَ حين واتتهُ، نِسيانَها
لكنها، في السِّرِّ، طفِقتْ تحفِرُ لنواياها
ملاذاتَ أجنِحةٍ تخفّفنَّ من جَردةِ الأمانيّ.

31
الذين أوقفُوا دمَهُم لصنمِ الوحشةِ يقضِمَهُ بظِلالِهِ الذّهبِيةِ
مضُوا في التحرُّشِ بالمرايا
وانتِهاكِ أشجارَ الحنينِ بالصّمتِ.

32
لو تُرِكَ الأمرُ للإِنسانِ لما أبقى في الحياةِ من شيءٍ…

33
من ذا الذي لا يُحِبُّ الحُبَّ
ويُشغِلُه؟
ويسعى وســعهُ كي يأسُرَهُ
ويُدلّلُـه.

34
ريشةٌ لرسمِ الأنفاسِ
****************
في النِّسيانِ ريشةُ روحٍ مُمزّقةٍ اِنسلّتْ للتّوِّ من كهُوفِ السّهوِ
في النِّسيانِ عقلٌ لا يلعقُ جِراحَهُ مرّتينِ
في النِّسيانِ هبُوبٌ ما لها من مدارٍ يزِنُها، ولا من محلٍ تتفادى رابيتَهُ… مُقتحِمةٌ كُلَّ مجالٍ بذاتِ الأنفاسِ
في النِّسيانِ تِنّينٌ، أوتارٌ هجرها السّعيرُ، نقُوشُ شكٍّ، مرايا مقلُوبةٌ، رجفةُ متُونٍ فاتِنةٍ، غنجُ أُنثى، تربُّصاتُ صَفِيٍّ بغواياتِهِ، قرعُ طبلٍ لساحِراتٍ…
في النِّسيانِ أنفاسيّ المُصطفاةُ وعُرسي.

35
لن تجِدَ ومفتاحكَ خلا بابَ الجحيمِ
ينتظِرُ..

36
لا أنصحُكَ بربطِ حِزامِ الأمانِ يا ولدي
قبل ركضِ قلبِكَ في مِضمارِ الهوى..

37
إلى أين اِتّجهَ الحُبُّ
تبِعناه
راجِلونَ، على نفّاثةٍ، أو على ظهرِ سُلحفاة…
حتى يعثُرُ علينا
ميتونَ، أحياءٌ بأنفاسٍ لاهِثةٍ، سُكارى، غافُونَ، سابِحونَ بكأسِ ماء…
نحنُ أسرى هذا الكائنُ الهُلاميّ
نحن رعاياه
نحنُ أفرادُ عائِلتِهِ اليتامى
نحنُ خدمُ بَلاطِهِ، كهنتُهُ، مُريدوه…
إلى أين اِتّجهَ الحُبُّ
جئنا مِنا، من حيث كُنا، من حيث لم نكُن، وولينا الدّبر عنا
فارقنا الأسى، فارقنا الشّارِعَ، فارقنا الجِهاتَ، طوينا المسافاتَ في رعُونةٍ
دلقنا للنّهرِ الماء
ثم أعِدنا رسمَ كُلّ شيءٍ على هواه
إلى أين اِتّجهَ الحُبُّ
مارسنا كُلّ شعائرٍ سلفتْ، كُلّ شعائرٍ آتيةٍ
حتى بلغنا أولَ الحاءِ
وابتلعناه
.
.
.

إلى صديقي: عدنان خضر

38
يعُودُ لثِيابيَّ بريقُ جِدِّتِها
حالما تلمّسَها أصابِعُكِ.

39
احلُمُ بالسّلامِ عليها
فيسقُطُ جِدارٌ بيننا اسمهُ العالمُ.

40
تعالي بشِقِّكِ الأيسرِ، حيثُ أنتِ كُلّكِ كائنةً، أعني تلك الجِهةَ التي يعرِفُها قلبي ولا تقرأُها عينُ.

41
بلى يا مولانا (صلاح فائق)
يقِفُ قِطارٌ مُكتظٌّ بالهارِبينَ من الحربِ بغُرفتي
وللأسفِ
الشّايُّ فقط ما أتقِنُ إِعدادهُ
فيؤلِمونَ لأنفُسِهم ولي
بعضَ ما أُربِّيَّ بغابتي من وحُوشٍ
ثم يُغادِرُون بعد أن أوشكوا على الاِنتِهاءِ من بِرميلي عَرقٍ أدخِرهُما لموتى
التفِتُ، فأجِدَهم قد نسوا القِطار!

42
أيُّ أُغنيةٍ لي
هي أُحجِّيةٌ تتسلّينَ بحلِّها
حتى يتّصِلُ شارِعيّ بقدميكِ.

43
لن أحذِفَ ولوجُ شمسٍ
عبر بابِ السّهوِ
ستضيءُ مثل أيِّ لحنٍ عابِرٍ
شتّتَهُ شدُوكِ الشّاسِعِ بالرُّوحِ.

44
ما أبهظَ المشيّ على قدمينِ جائِرتينِ
هندسَّ الشّارِعُ ملامِحَهُ لهما!

45
على الكُرسيّ مهارِبُ للأحاسِيسِ
يذوِّبُها الهواءُ، فتستحيلُ حُرُوفُ..

46
في السّابِعةِ والنّصفِ صباحاً
ينزلُ العالمُ من رأسي
ويشرعُ في السّيرِ.

47
دون حذرٍ
أدفعْ بابَ قلبٍ
أنتَ ساكِنهُ الوحيدُ؟

48
لا تطرُقُ البابَ
أنتَ بالدّاخِلِ
قبل أن تأتيّ.

49
لقِطعٍ مُتساويةٍ قطّعتُ بُرتُقالةً
وهوّنَ عليّ أن أدمُعِنا المحبُوسةُ ستلتئمُ في الجسدِ.

50
هُنا إن حطَّ طائرُكِ
أو هُناك
أنتِ تصعّدينَ
تصعّدينَ
وقلبي مهبطٌ و مِطارٌ
وصالةٌ لأحاسِيسِكِ الزَّهرُ.

51
أجرحُ قلبَكِ عن قصدٍ ليضيءَ العالمُ.

52
حولي ماءٌ من كُلِّ ماءٍ، وأنا بحرٌ شرِبتهُ سُفُنُكِ.

53
الجُنديُّ الرّابِعُ في الصّفِ السّابِعِ، والذي لم يعرِفْ أبداً لِمَ هو هنا، أردتهُ رُصاصةُ قناصٍ كان جائلاً بعينيهِ المُغمضتينِ في فضاءاتِ أُغنيةٍ عاطِفيةٍ..

54
يقعُ ظِلُّ الجالِسِ على موسيقى العابِرينَ
وهم يشُدُّونَ ملاءاتَ أحلامِهم على الشّارِعِ..

55
أنا في النّهرِ كسمكةٍ على سُدّةِ الثّرى
أسبحُ كقارِبٍ جنحَ بهِ الموجُ
ف
يُشاعُ بأني غريقُ..

56
خفِفي عليّ عواصِفي
موسيقى السُّكُونِ
فإنها وساوِسُ وثملُ..

57
صوتُكَ تغلغلَ في الهواءِ
ولم ينزِلْ إلى أُذنيّ..

58
وميلُ الشّجرِ
مُحاولةٌ لتوقِيعِ مُثُولِهِ بين يديكِ، قيل
وانحِناءةٌ لعبُورِكِ
أقولُ.

59
هذا مِفتاحُ العالمِ بيدي
فأين البابُ؟

60
حتى ظِلّيّ لا يرضى إلا أن يسيرَ وهو يُعانِقُكِ…

61
كُلُّ طيفٍ زارني أبرزَ أوراقَهُ الثُّبُوتيّةَ، إلا طيفَكِ، لأنهُ هُويتي..

62
أنتِ تُكافِئنَ ذِكرياتيَّ المُشرّدةَ بملاذٍ بعيدٍ عن زقزقةِ العصافِيرِ المُتجوِّلةَ في الحوائطِ ليلَ نهار..

63
وجهي
منذ أن رأكِ
لم يعُدْ بمقدُورِهِ الظُّهورِ بمِرآةٍ أُخرى.

64
اعتمِرْ قُبعتَكَ أيها الحُبُّ
أنت دون جوان لا يخلعَها ليركِضَ بقلبيّ المفتوقِ..

65
فالذي يحجُبُ الرُّوحَ عن العالمينَ فُولاذُ، فلا يطالُها العبثُ
فالذي، إن رقتِ الرُّوحُ، أضحى لمقامَكَ غِلالةُ نسيمٍ، تشفُّ عن الأحاسيسِ الزُّهرِ
فالذي يغدِقُ علينا البصرُ
فالذي ما أن تقطُنَهُ، ليُحيلَ لكَ الفُولاذَ ماءَ
فالذي أنتَ.

66
في المعركةِ
سينتصِرُ الغُبارُ، يقِلُّ دمُ الكُونِ
لكن الشّارِعَ لن ينسى أن ثمة حُلفاءَ لقلبِهِ وأرصفتِهِ لن يعودوا..

67
مُختلٌّ أيُّ حرفٍ بمسافاتٍ على وشُكِ العِناقِ ولم يُشِرنَ إليكِ أنتِ..

68
كأن السّكينةُ فضاءٌ رحِبُ أطُلُّ عليهِ، يطُلُّ عليَّ
كأن الغِناءُ هواءٌ أشقشقُ لهُ، يشقشقُ لي
كأني نُقطةُ دمٍ بدأت أولُ الأمرِ في خيالِ حبيبينِ، بدأت في دقاتِ قلبينِ، بدأت…
سأسقُطُ إذن بين دفتي كِتابٍ لتتخلقَ الأجنحةُ، أسافِرُ على سُفُنِ الكلِماتِ إلى حيث كُلّ تيهٍ حياةُ
أسافِرُ وما من موانئ ولا شُبهةُ ضِفاف..

69
اللُّغةُ مسرحُ الحُرُوفِ
إن اجتمعت في زنازِينِ العِباراتِ المُلتئِمةَ
أو تقافزت في المعانيّ الجائلةِ بالأرواحِ..
اللُّغةُ شمعةُ النّفوسِ الضَّجِرةِ..

70
وصلتُ مُتأخِراً بأغنيةٍ فياضةِ الشّجنِ
إلى بيتِ مِزاجيّ في محطةِ الصّحوِ..
تعِبَ المُغني وتقطعتِ الأوتارُ.

71
المِرانُ الدّءوبُ على رمي الشّارِعِ في الهاويةِ لن يحملَهُ للتّخلّيَّ عن كيف يديرُ وجهَهُ عنكَ حتى تنصاعَ لنواميسِهِ..

72
المِرانُ الدّءوبُ على رمي الشّارِعِ في الهاويةِ لن يحملَهُ للتّخلّيَّ عن كيف يديرُ وجهَهُ عنكَ حتى تنصاعَ لنواميسِهِ..

73
أتقدَّمُ خُطوتينِ ثم أتقهقرُ لإِحصائِها فأجِدُها قد نَقصتْ خُطوةٌ ونِصفٌ!

74
على أيِّ حالٍ هذا مسارُ الأسرارِ

فأتَّخِذَ لِنفسِكَ حيطتَها

وأْشربْ البحرَ كُلَّما اِمتلأَ.

75
لقد مَلأتَ الكوبَ لِأخِرِهِ حقاً

لكِنّكَ ركِبتَ موجاً لم تغسِلْهُ الهشاشةُ يا صديقي.

76
كانت الإشارةُ كافِيةٌ لِلاِنعِطافِ إلى الشَّمالِ!

77
قال:

أحتاجُ جِدًّا لِشهقةٍ واحِدةٍ

أضعُ معها قلبِيّ في المجالاتِ الرَّحِبةِ

وأمُوتُ.

78
قال الحطَّابُ:

صالحتُ قبل قلِيلٍ بين العِطرِ وقارُورتِهِ التي فرٌ عنها

ذلك

في طرِيقي لِهدمِ بُستانٍ.

79
فعلاً
كانت أوراقُهُ تحترِقُ
وتتطايرُ كلِماتُهُ الحُبلى بالبراكينِ
للتجوَّلَ عاريةً ومُتأثِّرةً بفقدانِها لبيتِها المُسطّرِ.

80
جفّ المِدادُ في الفضاءِ، فهل جبّتِ المسافاتُ عُمقَ العِناقِ؟

81
أُقطِّرُ حِدّتيَّ في لهاةِ الشّوقِ.

82
ما أُبصِرُ؟
شُرفةَ حنينٍ يرقُصُ عليها ظِلّيّ المذبُوحِ.

83
أنتَ لم تعُدْ تُبصِرُ، باتَ صوتُكَ يا صديقيَّ أعرجُ!

84
أحتفِظُ مُنذُ الأزلِ بِأُغنيَّةٍ في أصابِعِي، تسطُعُ حنجرتُهَا أولُ ما تتصفَّحُها مُوسِيقى رُوح..

85
أمدحُ الصَّمتَ بِالتَّخشُّبِ، بِاِنتِظارِ شجرةِ غابةٍ ما كي تُحوِّلَنِي إلى بابٍ، أو تلتهِمُنِي، لا بأسَ..

86
طيِّبُونَ جداً الأصدِقاءُ

يجرحُونَ قلبكَ بِالسَّكاكِينِ، يُطفِئُونَ سجائِرَهُم عليهِ، وبِرمادِها يندمِلُ.

87
لا أخجلُ البتَّةَ من اِرتِكابِ جريرةِ النِّسيانُ.

88
تريُّث  أيُّها السّائِسَ

ليس ثمَّة عربةٌ..

وأنا مذ وضعتُ عند قدمي جدَّتي الِّلجامَ

نسِيتُ دورَ الحِصانِ.

89
يُفتِّشُونَ عن البابِ، طفِقُوا

والبابُ لا يراهُ خلا المِفتاحَ يا أحبابُ، فاِقتنعُوا

وها أنا قد جرَّبتُ ركضَ البهلوانِ حذا الأنيابَ، فاِغتبطُوا..

90
على مرمى الشّمسِ
○●○●○●○●○●○
صباحُ الخيرِ أوهاميَّ المُتراكِمةَ، صباحُ الخيرِ.
ص ا صاريةَ النِّسيانِ، أُنثى السّعيرِ، قراءاتَ المرايا، ص ا.
يأتي الصّباحُ ليُفتِّشَّ في عيونِنا الدّامِعةِ المُغلقةَ عن أثرِ حياةٍ،
عن سبيلٍ يتغلغلُ عبرهُ إلى أنهارِنا الجامِدةِ، عن نبضٍ يناديهِ: ص ا.
ص ا للذين رافقوا النُّجومَ حتى أطفأها الصّباحُ بالوضُوحِ، للذين عكفوا على صبِّ الهوى في ملاءاتِ العتمةِ فهتكوا اِستِشرائَها، للذين لا يبرحونَ شجرةَ الأهـِ..
آهٌ يا صباحَ الخيرِ، آه.
ص ا مراتَ الوقوفِ عن القيامِ، مراتَ الرّكُوبِ على ظهرِ التّثاؤُبِ، مراتَ الخُلودِ إلى التّشاغُلِ عن ص ا للأرواحِ المقرُورةِ المُمسِكةَ بالزّهرِ لهشّاشةِ القلبِ، ص ا…
ص ا لطائرٍ سجنَ شقشقاتَهُ في أُذنيكَ وعلّقَ جسدَهُ الدّقيقِ على النّافِذةِ، وروحُهُ راكِضةً في البراريِّ البعيدةِ، روحُهُ القائلةُ لكَ ص ا.
ص ا للمسجونِ، للمحُزونِ، للمفقُودِ، للميتِ، للموجُودِ، للمُحتاجِ، للموعُودِ، للأيامِ والأحلامِ والأشجانِ والشّكِّ…
ص ا للطعناتِ في قلبي، أعانِقُها وأنزِلُ من سريرِ اللّيلِ أضرِبَهُ بوجهِ الحُبِّ، أفلِتَهُ لمرمى الشّمسِ
وانفلِتُ..
صباحُ الخيرِ.

91
قال:
أنا سفينةٌ تتقاذفُني أمواجُ الحياةِ
وتُهاجِمُني الطُّيُورُ الجارِحةِ.

92
ضيقٌ بابُ البيتِ
لكن مدائنَ وقُرى وغاباتَ تدخُلُ عبرَهُ
في آنٍ..

93
حزينٌ لأني صحوتُ وألفيتُ الحَزنَ حائراً يتلفّتُ إثرَ أحلامٍ غبيّةٍ داهمتني بالوُرُودِ فشرّدتهُ.

94
أُكرِّرُ

ضِحكتكِ ترنُّحُ العصافِيرُ

أنفاسُكِ مأوى الطَلِّ

وأنا

نارٌ تتمشَّى في غابةٍ.

95
أُكرِّرُ
المقهى خالٍ وشكاوى عُزلتِهِ رُفِعتْ إلى الرَّصِيفِ

والشَّارِعِ قاضٍ عدلٌ.

96
كم مدِينةٌ حُطِّمتْ بين أصابِعُكَ، وأنتَ تعرِفُ من عرقٍ في العُنقِ أن القلبَ مرفأُ حرائِقَ، والعينَ نزفٌ…

97
قال قاتِلٌ:

سأصيغُ لِجنازتِي أُغنِيَّةٌ

تُفسِّرُ المُوسِيقى كلِماتَها للطيرِ

وترقُّصُ على إِيقاعِها البّرِّيِّ أوراقُ الشَّجرِ.

98
قال الذي لن أنعاهُ:

يومٌ ما، إن لم يُنصِتْ الموتُ،

سأحمِلُ مُوتِي وأمشِي إِليهِ.

99
البردُ ذاتُهُ ما يولِدُ الدِّفءَ في الكلِماتِ.

100
من حينٍ لأخرٍ
أدعُ الشّارِعَ يمرُّ فوقَ رأسي
ولا أسمعُهُ.

101
ها إن سمتَكِ الحريفُ وعِطرُكِ المُزنِّرُ للمسامِ واِبتِسامُكِ…الخ.. تتكالبُ جميعُها
وتُلقي بعُزلتي الأنيسةِ في العدمِ.

102
سأُلبِسُ كلِمةً لا تتزحزحُ عن محلِّها قِناعاً يقيني شُرُورَ فتكَها بقصيدٍ للحبيبةِ..

103
دعُونِي
أُدرِّبُ شجنيّ على التّزلُّجِ في العتمةِ، عسى أن يراهُ الجرسُ.

104
يُحذِّرُكَ من الوُقُوعِ في الشَّركِ
ويسبقُكَ إليهِ
يا لهُ من حاقِدٍ!

105
سلنِي
أيُّ أُغنيَّةٌ شرّدتَها الرِّيحُ
واِحتوى الشّارِعُ المُتناثِرُ من شُمُوعِ دمِها النّورانيِّ؟

106
قال:
قبل المُنعطفِ
التفِتي التفاتتِكِ الأخيرةُ
ثمة قُبلٌ لكِ تلحقُ بكِ
وأخشى أن تضلَّ طريقُها لشفتيكِ.

107
دون أدنى رأفةٍ بالمسافاتِ
طويتُ الشّارِعَ بجيبي
جئتُكِ، بين أصابِعي جميعُ الأعيادِ.

108
دون تريُّثٍ منا
نرتقي حتى أقصى قصيٍّ
بالصُّورةِ
ثم تُزلِزلُها المصائدُ.

109
أحذر من مُحاولةِ اِستِعادةِ اِبتِسامتِكَ من فمِ الشّارِعِ، فإنهُ يخلِطُها بالأسفلتِ.

110
أنا طوقُ نجاةٍ لي
لكِني لم استدِلَّ عليّ.

111
جاري البحثُ عن مِرآةٍ أودعتُ بأزِقتِها ضحكتي.

112
أسمحُ للحديقةِ أن تجلِسَ بنهري..
ما بالُ الحديقةُ تُدخِنُ على قبري؟

113
لو اجبتُها
لجرتْ إلى الصّقيعِ نارٌ
وتداعى الهولُ.

114
الفضيحةُ كائنٌ يتجوّلُ في القُربِ حتى يلكُزَهُ نبضٌ مُشرَّدُ..

115
يُخرِبُنا الخرابُ أيها الحربَ، يتنقلُ بلا وازِعٍ على وجوهِنا، يلتهِمُ نضرتِها، يفتِكُ بمائِها…، وهكذا تتوزّعُ بأجسادِنا اِنكِساراتُ الرُّوحِ والعذاب..

116
متى تأتين؟
ليأخُذَ الصّمتُ شكلَهُ المُحبَّبِ، كُرةٌ مُتدحرِجةٌ في سمواتِ المطرِ.

117
اِنهدّ لي بخِضمِّ الحربِ بيتُ
فرتقتُ قلبيّ وبالماءِ احتميتُ

118
في مِرآتِنا
تُخفينَ لي كُلّ صباحٍ شيئا
هذا الصباحُ، مثلاً، ناولتنيّ المِرآةُ عبيراً ونوافذا…

119
يأتِي الشّارِعُ إليكَ حين ينتهيّ من اِستِخدامِهِ غيرُكَ!

120
اِستقرَّ كُلُّ شيءٍ بمحَلِّهِ
فهل شاهدتُ قلبَ امرئٍ
في طرِيقِهِ ليصيِّرَ نهراً؟
قلبي نهرُكِ!

121
جهّزتُ صوتيَّ منذ أن تعرفتَ عليهِ ليقولَ: أُحبُّكِ
لكنهُ دائماً عِندَها ما يختنِقُ!

122
تعالي أتعرّفُ عليكِ
أوقِفي مطرَ عِطرِكِ، أوقفي الضُّوءَ المُموُّهَ لذُراكِ..
تعالي، كي ألِجَّ من جُزُرِ النِّسيانِ لشمسِكِ..
تعالي، لأغرقُ في نواكِ.

123
أمدحُ الشّجرةَ فتُقتِرُ ظِلَّها الممدودِ، كلما اقتربتُ إليهِ سحبتهُ بمِلعقةِ اللّهوِ قليلاً قليلا، بينما يمرُّ بشماتةٍ إلى أنحائِها ظِلي.

124
ما شأنُكَ بها أيها الظِلَّ
هي لي لا لكَ!

125
تنفّسَ على أشواقٍ لا تعرِفُها.

126
حين أراني على شكلِ عازِفٍ
استغرِبُ، أبكي؛ ثم
أُغني أغنيتي الوحيدةَ: أنا الموتى، أُبادِلُ الكلِماتَ بالكفنِ..
هذا، وأصابِعي الطويلةَ كقفزاتٍ طائشةٍ تتلاعبُ بالأوتارِ.

127
قال:
هل أنا من خرقَ سفينةِ الحُبِّ
ليأخُذني بكُلِّ هذا العُنفِ؟

128
قال:
يلهُونَ على سطحِ قلبي
رُغم أنيّ لم أُغلِقْ مرةً
بابَهُ غير المرئيّ!

129
قال:
أنا واحِدٌ من أخرينَ
تأخّروا في القُدُومِ من ثُقبِ مجرةٍ في كوكبِ النِّسيانِ.

130
الأوجهُ يا صديقي أن تضعَ ربطةُ عُنقٍ بلسانِكَ وأُخرى بعقلِكَ.

131
لا أهرَبُ من الوحشِ
فبقلبي عبِيــرٌ أوحشُ.

132
أحدِّقُ في الصّمتِ بالثّرثرةْ.

133
من عاداتِكَ العدِيدةِ ألا تُعِدَّ العُدَّةَ
لعدوٍّ يعدوّا بِكَ إلى عَداكَ.

134
ولوجهِكَ المُتناثِرِ في غاباتِ النّظر
أوراقُهُ المُتساقِطةِ، وأشجانُ الــوتر

135
الشّرُّ لا يحمِيهُ شرٌّ ثانٍ يضادّهُ، كلاهما نكبةٌ نكباءُ

136
الخشبُ قلبُ النُّورِ، روحُ المعانيّ
والرّعشةُ اللّذيذةُ التي تحتِضنُها أصابِعُ.

137
أسلّمُ عليها
فيمشِي الحالُ لحالِهِ
وتنتهِيُّ الأهوالُ.

138
ضَعْ فُوّهةَ المُسدّسِ
على الفِكرةِ
وأطلِقْ رَصاصةَ النِّسيانِ.

139
بخِفّةِ الذّئبِ، ينسلُّ العِشقُ إلى قلبي
منكِ إليكِ، والشّارِعُ الارتِعاشُ..

140
أيها الرّجُلَ النّاسُ
غادرَ النّاسُ بعدَكَ
ورنتِ الأجراسْ
ها قد مرّ قُربَكَ
كونٌ، وانطبقتِ
الأقواسْ
(فأجلِسَ)، محلَكَ
القصِيَّ بالأساسْ.
إلى روح الراحل الكبير: جون قرنق

141
يُراقِبُنيّ الشّارِعُ
بينما أحاوِلُ الهربَ إلى ظِليِّ في الجِدارِ
ويعرِفُ أنهُ سيستردُّني والظِّلِ بأزقتِهِ.

142
في المشهدِ التّاليّ لغُرفةٍ مليئةٍ بأشباحِنا، يغمُرُ المكانَ ضوءٌ يتلِفُ جُزئياً لحظةَ اِحتِراقٍ مُعتِمةٍ.

143
لا أعرفُ أبداً
كيف يمُرُّ سِربُ موسيقى
إلى القلبِ
والمنافذُ كُلّها محرُوسةً بالموتِ!

144
في المحطّةِ
ألُوكُ اِنتِظاراً لا أعرفهُ، داخِلُهُ أُنثى من أزمِنةٍ آتيةٍ، ترتدِيّ بعينِيها وجهيَّ كُلّه، ولا يظهرُ منه سِوى ما ألُوكُ في المحطّةِ!

145
المجنُونُ، يظِنُّ أنيَّ ريشةً، كلما اقتربنا من قُماشةٍ ما، غمسَنيّ في ألوانِ قلبِهِ أو قُبلتِهِ، لا أذكُرُ.
قالت امرأةٌ في اللّوحةِ.

146
البردُ يتآكلُ تماماً، يستحِيلُ مُجوُّفاً من الدّاخِلِ
وبرأفتِكِ، تنفُخِينَ عليهِ
فيتبعثرُ ذرّاتُ دِفءٍ تحتوِينيّ قِطعةً قِطعة..

147
بينما أنتَ على فِراشِ الأخيلةِ، تتوزّعُ بين أمواجِ موتِكَ..
تذكّرَ، لا ترفعَ الغِطاءَ عنكَ.

148
– أيها الفتى، أيها الفتى
لم تختبئُ في العتمةِ بشمسِ روحِكَ المُصوّبةَ لنهرِ أنوثتِها المُتفجِّرَ؟

صوتُ مِرآةٍ في فيلمٍ سيُصوّرُ في العامِ 3121م…..

149
الحُجرةُ
□□□
على الجِدارِ يسارُ تقدُّمِكَ لحِراسةِ الصُّورةِ أمامَ عينيكَ بالنّظراتِ الفاحِشةِ
على الفِراشِ في الزّاويةِ أرقُدُ
وبذاتِ الهيئةِ التي ستراها في الصُّورةِ
فلم لا تدعُ الصُّورةَ وقد طعنتها المراحِلُ المُتلاحِقةَ من التّعريةِ
يطعنُها غُبارٌ، فيطعنُني
يطعنُها أسىً، فيطحنُني

فدعَها، وتعالَ
نطعنُ المراحِلَ يسارُ الحُجرةِ بالعِناقِ والقُبلِ..

150
النِّساءُ النِّساءُ
حِبالٌ تربُطُ الأرضَ فلا تنشقُّ عن أخادِيدِها
ييمِّمنَ بالمراكِبِ نحو السّماءِ..

151
هل جربتَ الرّقصُ على مُوسِيقى الصّمتِ؟

152
القُبلةُ نهرُ الرُّوحِ الظّامِئةِ، شلالُ الجسدِ.
القُبلةُ زهرةُ الأشجانِ، أُغنيةُ العِطرِ في شجرةِ العِناقِ…

153
أوقِدْ ناراً لكُلِّ آنٍ
علّ الدِّفءُ يُفصِصُ مفاصِلَكَ
أيهذا المشدُودَ بالبردِ.

154
لم تُشظِنا المِرآةُ المُتشظِيةُ البتةَ
لأنا أتيناها شظايا
أيُّ شظيّةٍ منا حِكايةٌ وراءُ حِكايةٍ
وقد قرأتنا المِرآةُ وأخفتْ أسرارَنا الدّاميةَ!

155
وراءُ ألواحِ الشُّوكُولاتةِ، وراءُ الوردِ المُبتسِمِ الألوانِ، وراءُ وثباتِ الغِبطةِ…، ثمة ما يختبئُ عن عينيكَ النّهِمتينِ للتّرويحِ، ثمة أرضيةٌ لمرامِكَ، تُفرزُ بعنتٍ من تكتكاتِ الوقتِ و شِباكِ الأسى المشدُودِ والدّمِ..

156
الذي نامَ على كتِفيِّ صغيراُ
ظلّ ظنٌّ، نمى واتَّخذَ إلى الشّرايينِ سبيلا

157
بهُدُوءٍ…
ب
هُ
دُ
و
ءٍ
أغلِقِ البابَ أيها الحُلمُ القديمُ بالسّلامِ
وتعالَ لنُباشِرَ القلقْ.

158
هل بقِي من مجالٍ صغيرٍ لظنٍّ أخيرٍ
بأني عِملاقٌ جداً، عِملاقٌ جداً
ولا أرى الشّارِعَ؟

159
ستكُونينَ لي في النِّهايةِ، لا مناص..
يتها الخُطوةُ الضّائعةُ وغير المرئيِّةِ لعينيّ الشّارِعِ.

160
الشِّعرُ مكرٌ يا صدِيقتِي

لو أنّهُ، مثلاً، زلَّتْ قدمُ أُنُوثتكِ في حوضِهِ، فأنتِ ستكُوِّنينَ من خمِيرتِهِ شجرةَ غَنجٍ ضخمةٍ، سيُزيِّنُها كُلُّ فحلٍ عابِرٍ بنُورٍ، مِفتاحُهُ بيدِ مُجتاحِهِ، وَالثَّمرُ لفطِنٍ كالسَّحابِ الخُّلّبِ، وإنما، ولأنَّ المِغناجةَ، ذاتُ القدرِ الكثِيرُ من الرَّيبةِ والاِرتِباكِ، سترتطِمُ بِخُيلاءٍ بخِيلٍ، ولا تُدرَكُ وإِن فاتَ الأوانُ، وعلى الأنقَاضِ زُيّنتْ الدَّارُ غيرُ الواقِفةِ، بِأكالِيلٍ مطرُوحةٍ ولوحاتٍ مُستنِدةً على طُوبٍ مُكسَّرٍ… ليرشُقُها جمِيعاً غُبارٌ تلو غُبار..

ما هذا؟ تتباعدُ الشُّقَّةُ بين المُرَّادُ ووسِيلةُ إِيصالِهِ، حيث يمضِي المُرَّادُ بمحلِّهِ في التّملمُلِ والوسِيلةِ تسعى من جِهاتٍ نائِيةٍ أن تبلُغَهُ، وهذه لذاذاتٌ غير مجزُوزاتٍ، إذ أن المُرَّادَ لا يقدِرُ على السَّيرِ، لا لما يُقعِدُ، وإنما لِطبعِهِ الجَّلدِيِّ، طبعُ اللّابِثِ، طبعُ المُرابِطِ لِاقتِحامِهِ من أيِّ الجِهاتِ والمسافاتِ…

ذا، فالشعر مكر يا صديقتي
رمحتْ رعشةٌ في الخباءاتِ، تسولتها، من براكِينٍ مُسدّدةٍ بِاللِّينِ أو القسوةِ، تسورتكَ، وبدأَ التّماوجُ، تارةً تتنامى أجراسُ الوِئامِ بينكَ وبينها، وأُخرى ترتفِعِينَ بِكِ إِلَى الخُّلّبِ!، وليس في الخُّلّبِ قِياساً من اِرتِفاعٍ، وإِنّما قِياسُ الشّطحِ الذي لا قِياسَ لهُ…
أرأيتِ كيف؟

الشِّعرُ مكرٌ عليك، مكرٌ لك

أينما اِتَّجهتْ خيلُ اللَّحظةِ، لحظةُ التَّوتُّرِ، لا يكُنْ لِلرَّسنِ من محلٍّ في اليدِ، الرَّسنُ السَّحابُ، الرَّسنُ الغيبُ، الرَّسنُ الضَّبابُ…، فإن صادفتْهُ يدُك، لتُحوِّرِيها إذن، آنَذاك، إلى برقٍ يعبُرُ الرَّسنَ، فبذلك تستعِيدِينَ صلادةَ اللَّحظةِ، اللَّحظةُ ال لا رسن.

م
ك
رٌ
والمكرُ أُنثويُّ السِّماتِ، شاعريُّ الفُحُولةِ
والمزيجُ الموتُ.

161
نحن نعرِفُكَ أيها الغريقَ
نسمعُ صُراخَكَ، نُراقِبُ قشّتكَ
وأنتَ، كسِحابتينِ، ترفّعُكَ سماءٌ، تُنزِلُكَ أرضٌ.

162
الصّباحُ
أبعدُ من كيف تسِيرُ
وأنت تنظُرُ إلى أقدامِ الشّاشةِ.

163
بيدٍ عبأها السّرابُ
يسقِنا الزّمنُ
وبلا نخلٍ أو غابٍ
سحلتنا المُدُنُ
هذا وارِدَ الكِتابِ
فلم الشّجنُ؟

164
مُجدّداً
ستنسى وأنتَ في الصّفحةِ الثّالِثةِ بعد المائةِ
أن تُريقَ لِلحِكايةِ
شهوةَ أن تموتَ بخِنجرِ قاتِلٍ في (الحي الخطير)*.
* اسم رواية ل (محمد بن ميلود)

165
أقربُ مسافةٍ للفِعلِ الكلامُ
وأبعدُ فِعلٍ للكلامِ المسافةُ!

166
كرِّسِ اللّحظةَ القادِمةَ، من هناك، من مُنعطفِ الورِيدِ الثّالِثَ عشرَ الذي يعلُو قليلاً عن بابِ المُسامرةِ اللَّطيفةَ بينكَ وطيفَ طيِّبةٍ ماتتْ وهي تشتهيُّ أن تولّدَ لتكونا معاً في مُجابهةِ هذا الموتَ المُتناسِلَ في الكُونِ…
كرِّسها يا قلبي المفتوقَ لقهقهةٍ ماجِنةٍ ماجِدةٍ بطولِ المسافةِ بين البِنتِ وولادِتها التي لم تتِمّ..
وانكتِمَ إلى الأبدِ.

167
داخِلَ موجُ الهُتافِ
تجوالُ طرائقٍ وطرائدٍ، لُغةٌ ولودةٌ.
خارِجَ بحرُ الرُّوحِ
لا أحدُ، لا زاويةُ، لا بيتُ.
بين الموجِ والبحرِ
أفتحْ قوسينَ
ضعْ رمزاً واحِداً واضِحاً خارِجهما
وانكِسرْ.

168
نواحٌ ضالٌ منذ الأزلِ يتراكضُ بين أصابِعي السَّبعينَ
هل من جِدارٍ ليِّنٍ، ينصحُني عابِرٌ ما، لأُعلِقَهُ عليهِ؟

169
الجائِعونَ لأرغِفةِ الطُّمأنينةِ
نزفوا دمَ أرواحِهم في القلقِ
وصّدأتْ ذِكرياتُهمُ الغارِقةَ في النّزقِ.

170
تحت ضِرسيّ الكلِماتُ
متى تعرّقَ حرفٌ
عالجتِ المسافةَ أمواجُ.

171
أولُ الوافِدينَ نحوي أنتِ
وأخرهم قلبي الذي يظن بأنه استوعبك.

172
أمشي بِرفقٍ هُنا في الغِيابِ
لأن الوقعَ يحدثُ هُناك، قُربَ قلبُ أُمي.

يناير2017م

* شاعر من السودان

زر الذهاب إلى الأعلى