في الخامسة بعد الثّمانين
تخلع أضراس ليلها قبل أن يتمّ احتفاله
تتعثّر كثيرا في أثوابها المثقلة بهموم حداد لازم قلبها
و عينيها ونوافذ بيتها.
تتحسّس أعضاءها ببطء الوقار
و تعيد ترتيب أنفاسها حتّى يداهمها الإجهاد.
حتّى دعاء الصّباح صار شبيها بحشرجة الأشجار.
و صوتُ المؤذّن المتعجّل دائما،
مازال يفاجئها وهي تقاوم عرجَ العصا
و وهنَ العظام عند الوقوف بين حين وحين.
كم يبدو إناء الوضوء بعيدا
و الفجر ..
تماما مثل صلاته مليء برائحة لا تفسّرها الأشواق.
في الخامسة بعد الثّمانين
ستباغتها دموع ثقال بسخونة عابرة و هي ترتّب موادّ الصّباح،
حليبَ الأمومة للقطّة التي تحسن إزعاجها،
انتظارَ رنين الهاتف دون طائل كلّ صباح
و الجلوسَ طويلا تحت شجرة لا اسم لها
كي تراقب الشّمس و هي تقتّل الظّلال من حولها،
و التّفكيرَ العميق.
لكن فيم التّفكير؟
مطبخها النّظيف جدّا تخاف دوّاره
و حجرة الطّعام معطوبة أنفاسها و قفلها ضائع
قوافل النّمل شتّت الخريف شملها
و حتّى انهمار الدّقائق من ساعة الجدار لم يعد يثير لديها الشّعور بالغرق.
في الخامسة بعد الثّمانين
لن ترهق نفسها بتفسير الجوّ الغائم كلّما هزّ الدّعاء عينها للسّماء،
أو تذكّرت أنّ الأذان العجول تأخّر
و أنّ ماء الوضوء بعيد…
أبعد من ذاك الفجر.
* شاعر من تونس