غوايات

الأرجوحة

راودتها عن نفسها تبسمت، اختفت تبعتها…

أعني الفكرة

أنوار النيون بألوانها المتعددة تحيط بالمكان، أطفال يلعبون، عشاق يتهامسون، نافورة مياه من مركز الحديقة، تزيد فورتها تغطي سطح الأرض، ويأتي الطوفان، تتمايل الجودي، تتقاذفها الأمواج، تجحظ العيون بالرعب، رمتها الموجة الأولى في عمق الفراغ الذي يمسْ الماء شهقوا، زفروا لما عادت بهم الى السطح.

سطح الماء هادئ تحت كبري المك نمر، الحكايات عادية السرد مسترسل، نحكي ونشير لجهات عديدة، قطعنا ثلثي المسافة بين ضفتي نهر قيشون السيارات مسرعة تلحق بقافلة المدينة الغارقة في الضوء والضوضاء، بعكسهم نخطو بتأن مستأنسين، ينخفض صوت السيارات، يخلو الكبري إلا من بعض المارة.

سطح الماء ساكن، هدأ كل من في السفينة، غشيتهم السكينة ناموا.

صر … صر… صر صوت هوام الليل، خرير مياه النهر المموسق، الموجات التي تتلاعب في حنو، كل هذا ولا إضاءة غير المرسلة من أعمدة الكهرباء بالكبري، المدينة الضاجة خلفنا، تضج مياه النهر تترنح الجودي يصرخ أحدهم أنزلوني وفي خضم الجلبة صمت الثاني نهائياً، فيما أصابت الثالث نوبة ضحك هستيري، بينما خرجت عيون الراع من أحداقها لتتحقق مما يجري حولها.

بحري أمامنا غارقة في الهدوء والظلام، بعد أن أعاد الجذر ماء الطوفان الى حوض نافورة الحديقة، بعد أن أطفئت أنوار النيون الملونة بالحديقة، بعد أن نزل راكبي الجودي بأمان، بعدها صارت صاخبة الهدوء، مشعة الإظلام.

في الذاكرة كان الكفن بالشاطئ والشمس غاربة، لوّنت بياضه قبل أن توقع إذن رحيلها، فتاة ذات شعر فضي تتأرجح على شعاع الضوء.

تدفعها زقزقة العصافير الآيبة الى أعشاشها، هي أول من صحى إثر ضحكاتنا التي رجت دواخلنا رجت ماء النهر وأزعجت ساكنيه، احتج قزمان ذوى شوارب طويلة، تعاركا شد شارب أخيه، زعق بصوت مدوي …

سمبرية تنادى بإسمي أن تع…

الكفن لأواني الزار، تعاد للبحر عندما لا يجدن من يستخدمها، للبحر مخاليقه، وساكنيه، يسكنون نهاراً ويتحركون ليلاً، البحر كل الأشياء، ذاكرتي تسبح فيه، وفيه غرق الشلب الذي غرر بالفتاة في نص الشبكية المقلوبة والمعين الخفي ، في حوارية الحنين ضم منزل المبروكة السبعينية قديمة الجمال ، في ذات خسوف خطف ساكنيه العريس ولم يبن ، حبوبة الودع ذات الثوب الأسود تخرج منه وتعود إليه.

جن أحد أجدادي لأنه كان يعمل في البحر.

المدينة الضاجة خلفنا، الضاحية أمامنا نتساير فجأة أصرخ …لأن ما يدور بخلدي أزاح ما يجري أمامه وحلّ هو، واراه كاملاً وأول ما رأيت الفتاة ذات الشعر الفضي، يأتيني صدى صوتي، من أهرامات البجراوية الحدود الشمالية لمدينة بحري، ليجدني غارقة في الدموع إثر الصرخة.

وما زلت أراودها عن نفسها ومازالت تتبسم، تختفي أتبعها، أعني أفكاري

سارة الجاك

روائية وقاصة من السودان
زر الذهاب إلى الأعلى