لا تَعَبَثوا بأطفالي: لا لثقافة الجندر
ترجمة: معز الزين*
في العاشر من سبتمبر 2016، احتشد الآباء والأمهات من مختلف الولايات المكسيكية في الشوارع للتعبير عن رفضهم لمبادرة حكومية تهدف إلى إصدار تشريع يسمح بزواج المثلييِّن. فمن خلال رفعهم لشعارات مثل: “خلق الله رجل وامرأة. لا لثقافة الجندر”، أو “لا يوجد وطن بدون أسرة”، عبَّر المكسيكيون عن قلقهم حيال عواقب هذه المبادرة على الأسر، والتي تهدف إلى تثقيف الأطفال جنسياً. فقد عبَّر بعض المتظاهرين عن مخاوفهم من أن نموذج العائلة “التقليدي”، الذي يتكون من رجل وامرأة وأطفال، أصبح عُرضة للتفكّك والانهيار، مُتهمين ثقافة الجندر، التي تهدف إلى إعادة تشكيل الأدوار الجنوسيِّة القائمة على العلاقة التقليدية بين الرجل والمرأة، بأنها سُتنمي الميول الشاذة جنسياً وسط الأطفال.
ومن خلال هذه التحرُّكات الحاشدة، انبثق مقترح جديد “لخلق جبهة أمريكية لاتينية للدفاع عن حق الحياة والعائلة”، بوصفها مبادرة أخذ يتردد صداها في عدة بلدان لاتينية، مُستمِّدة إلهامها من حشود المتظاهرين المعارضين للتقدم الذي تم إحرازه في السنوات الأخيرة على صعيد حقوق ذوي الميول والهويات الجنسية المتنوعة والمزدوجة (LGBT)* وحقوق المرأة ـ مثل حق الإجهاض والحقوق الموروثة أو ذلك الحق الذي يتم اكتسابه وإقراره من خلال التشريع الذي يسمح للمثليين بالزواج. إن المُقلق في ثنايا هذا المشهد، أنه بينما تأخذ هذه المبادرات المناهضة لثقافة الجندر في تقوية نفسها من خلال الشبكات العابرة للحدود، نجد أن العنف المُنظَّم والممارس ضد المرأة ومجتمعات (LGBT)، التي لا تخضع للأدوار الجنوسيِّة القائمة على العلاقة التقليدية بين الرجل والمرأة، لازال مستمراً ومتصاعداً. لذلك، فإن معظمنا الآن يحتاج إلى إخضاع الأدوار الجنوسيِّة التقليدية والعنف الذي ينجم عنها للفحص والمساءلة، في الوقت الذي نشهد فيه اشتداد قوة تلك المجموعات التي تعمل على تكريس الوضع الراهن والحفاظ عليه كما هو، من خلال إمعانها في ممارسة العنف المُنَّظم والمستبيح لأجساد وحيوات النساء وذوي الهويات والميول الجنوسيِّة المختلفة.
إن حالة المكسيك ليست معزولة: ففي كولمبيا، في العاشر من أغسطس 2016، تجمهَّر الآباء والأمهات، من مختلف المدن، واحتشدوا في الشوارع لمناهضة مقترح تضمين “ثقافة الجندر” في المنهج التعليمي بالمدارس. إذ احتدم الجدل المعارض في أعقاب توزيع وزارة التربية والتعليم لكتيبات تعالج مضامينها الثقافة الجنسية وتهدف إلى إدماج مدخل المساواة بين الجنسين في المنهج التعليمي، طبقاً لمبادئ وموجهات المحكمة الدستورية العليا، وذلك من أجل خلق نظام تعليمي غير تمييزي ويحترم الهويات والميول الجنسية المختلفة للطلاب. وكانت أنجيلا هرنانديز، ممثلة سانتاندير (هيئة حكومية)، والتي شاركت أيضاً في مظاهرات المكسيك، قد جمعت كل المعارضين لمقترح وزارة التربية والتعليم في حركة واحدة للدفاع عن قيم العائلة التقليدية تحت مسمى “أبطال العائلة”.
إذ احتشد الآباء والأمهات وممثلي الكنائس المسيحية والمحافظين في الشوارع، مدافعين عن قيم الأسرة التقليدية، ومعبِّرين عن مخاوفهم من تأثير نفوذ الدولة على تثقيف أطفالهم جنسياً، ملوحين بشعارات من شاكلة: “لا تعبثوا بأطفالي”. وقدد ندد هولاء المعارضين بخطة وزارة التربية والتعليم، الهادفة إلى تضمين “ثقافة الجندر” في المنهج التعليمي من خلال كتيبات الثقافة الجنسية، بأنها ستؤدي إلى تدمير الأسرة وإذكاء الميول الشاذة جنسياَ وسط الطلاب. وبعد عدة أشهر، تظاهرت نفس الحركة متهمة اتفاقية السلام بين الحكومة الكولومبية والقوات المسلحة الثورية (FARC) بأنها سوف تعمل على نشر “ثقافة الجندر” مما يشكل ذلك خطراً على الأسر الكولومبية.
وفي الرابع من مارس 2017، صرخت بيرو أيضاً ” لا تعبثوا بأطفالي”. إذ احتشد الآباء والامهات ورجالات الدين والمحافظون في الشوارع، للتعبير عن مخاوفهم ورفضهم لبرنامج وزارة التربية والتعليم الذي يهدف إلى تضمين مدخل المساواة بين الجنسين والثقافة الجنسية في المنهج التعليمي بالمدارس. وقد عبَّر بعضهم عن رفضه من خلال شعارات رددها المتظاهرون مثل: “ثقافة الجندر لن تعمل”، “الحكومة تريد أن تجعل أطفالي شاذين جنسياً”، “و يا أيها الوزير، لا تجعل أطفالي شاذين جنسياً”. وفي وسط ميدان حاشد بالمتظاهرين، ألقى فيليب بوترز، وهو قيادي مُثقَّف ومعلِّق بإذاعة البيرو، خطاباً طالب من خلاله بفصل وزير التربية والتعليم، ماريلو مارتينيز، استناداً على أن مقترح الوزارة يمثل هجوماً على القيم التقليدية، بعد أن أشار المُقترح بشكل إيجابي إلى المثلييِّن والمتحولين جنسياً، الذين هم في نظر بوترز يعانون من مشكلات نفسية خطيرة.
كما شهدت البرازيل بانوراما مماثلة: ففي العام 2015 أجازت الهيئة القضائية المحلية بماناوس قانوناً يمنع تضمين “ثقافة الجندر” في منهج المدارس المحلية. وقد احتفى مارسيل ألكسندر، عضو حزب الحركة الديمقراطية الذي اقترح مشروع هذا القانون، بصدوره مؤكداً أنه يمثِّل انتصاراً له وللأسر، باعتبار أن ثقافة الجندر تعمل على تشكيل الأطفال من خلال إذكاء الميول الشاذة جنسياً في أوساطهم. وعلى نحو مماثل، اقترح عمدة آريكمي في البرازيل، في يناير 2017، مشروع يهدف إلى تخفيف مضامين “ثقافة الجندر” من المقررات الدراسية، مشيراً إلى أن مسؤولية تثقيف الطلاب جنسياً تقع على عاتق الوالدين وليس المدارس أو وزارة التربية والتعليم.
إن أكثر ما يثير القلق حيال هذه المبادرات، إنها انبثقت في ظروف أخذت فيها الجرائم التي ترتكب على أسس قائمة على التفرقة الجندرية تتكرر باستمرار: ففي كولمبيا، في العام 2016 لوحده، تم رصد وتسجيل 731 جريمة قتل ارتكبت في حق النساء لكونهن نساء، بمعدل 2.4 من النساء كل يوم. وفي البيرو، طبقاً لمسؤول مختص يعمل لدى الهيئة الوزارية العامة لمكافحة الجريمة، أشار إلى أنه في الثمانية سنوات الأخيرة تم اغتيال 946 امرأة لكونهن نساء. أما في البرازيل، وطبقاً لإحصائيات مكتب سياسات المرأة، تم اغتيال حوالي 4،762 امرأة نتيجة لحالات عنف ارتكبت في حقهن لكونهن نساء. وبطريقة مشابهة، نجد أن كل البلدان الأربعة عانت من عواقب ارتكابها انتهاكات لحقوق الإنسان جراء النزاعات المسلحة أو ممارسات النظم الشمولية والديكتاتورية. إذ تُبرهن هذه الحالات كيف أن العنف يُرتكب بشكل مختلف ومتفاوت بين النساء والرجال على أسس قائمة على التفرقة الجندرية. كما أن هذه البلدان، وباعتراف محكمة البلدان الأمريكية لحقوق الإنسان (IACHR)، شهدت ازدياد ارتكاب حالات عنف ضد ذوي الهويات والميول الجنسية المختلفة (LGBT)، أو أولئك الذين يُعتقد أنهم كذلك. وعلى نحو أبعد من ذلك، كون هذه الفئات الاجتماعية عرضة للوصم والتهميش، فإن ذلك يحول دون تمتعها بحقوقها الاجتماعية والاقتصادية والثقافية. وفي ذات السياق، نجد أن النساء المتحولات جنسياً هن الأكثر عرضة للوصم والتهميش. فبحسب إحصائيات (IACHR)، فإن مستوى توقعات الحياة المرتبطة بمعدلات العيش في بلدان أمريكا اللاتينية، بالنسبة لهذه الفئة من النساء، يتراوح ما بين 20 إلى 25 عاماً. وهو معدل مُقلق يعكس إلى أي حد تحول الوصمة الاجتماعية دون حصول النساء المتحولات جنسياً على خدمات الرعاية الصحية والتعليم والتوظيف. وبالمثل، تجد هذه الفئة من النساء نفسها مكرهة على العمل كعاهرات، تحت ظروف قاسية ومزرية تجعلهن أكثر هشاشة وعرضة للعنف والاستغلال من قبل الشرطة.
إن هذه السياقات تكشف لنا عن أهمية تطوير سياسات موَّجهة لجعل المواطنين أكثر حساسية تجاه الكف عن استخدام نماذج التنميط والوصم الاجتماعي السائدة. إلا أن تنامي قوة الحركات الجماهيرية العابرة للحدود، تلك التي احتشدت وجابت الشوارع، إثر وقوعها تحت وطأة فوبيا المثلييِّن والمتحولين جنسياً، يُعرِّض هذا المسعى للخطر. لذلك، فمن المُلِّح أن يتم توجيه وتوظيف المشاريع التعليمية ـ وحتى تلك العابرة لحدود البلدان اللاتينية ـ في تفنيد الأساطير والأكاذيب التي تحيط بقضية الجندر، بفحصها ومساءلتها نقدياً، وذلك للرد على مخاوف وهواجس الآباء والأمهات، الذي انخرطوا مع الحشود والمتظاهرين، وعلى أولئك الذين يصفون الجندر بكونه “أيديولوجيا”. وفي الواقع، إن منظور الجندر يكشف إلى أي حد يُمثِّل الجندر تجربة جوهرية في تشكيل هوُّياتنا، وكيف أن هذا التشكيل يتم في بعض الحالات من خلال العنف والتوزيع غير المتساوي وغير العادل للموارد والسلطة، وإلى أي حد يدفعنا أيضاً للتفكير في استراتيجيات بديلة تجعل الرجال والنساء قادرين على تشكيل علاقات أكثر مساوة وعدلاً. إن هذا يعدو أكثر من كونه تهديد، أقرب إلى الوعد الذي يذهب في اتجاه خلق مجتمع عادل لا يكون فيه أحد ضحية للعنف أو يكون عرضة للقتل لكونه من ذوي الميول والهويات الجنوسية المختلفة.
إحالات:
*(LGBT): تحيل اختصاراُ إلى (lesbian, gay, bisexual, and transgendered): أي إلى الشواذ جنسياً والسحاقيات ومزدوجي الجنس والمتحولين جنسياً.
*مارغريتا مارتينيز أوسوريو: تعمل مارغريتا باحثة في معهد ديخِستوسيا لأبحاث المجتمع والقانون والعدالة. كما أنها تُدرِّس الفلسفة والتاريخ في جامعة روساريو، إذ تعمل محاضرة في كلية للعلوم الإنسانية منذ العام 2014. وحالياً تعمل مساعد باحث في مجال مناهضة التميِّيز، كمجال فرعي من مجالات الجندر العديدة. وتتمحور انشغالاتها البحثية حول الجندر والنظرية السياسية والنسوية والنزاعات المسلحة.
* كاتب ومترجم من السودان