غوايات

حِنَّاءُ القلب

يا سيدةَ النهر

في الغربة ثَمَّةَ ليلٌ موحش

ومسافات كلما طويتُها

باعدَت بيني

وبين الشوارعِ التي لوَّنتها يدَاكِ بعطرِ الرّيحان

وحدَهُ نهرُ الَمحَبَّاتِ

خلف الغيوم العابرة

فتحَ دَرْبَاً في مدائن رُوحي السَّكْرى

ونالَ من عينيك دمعَ العاشقات

هو نفسه الماءُ الذي من شرفة الأحلام

يدفعُنا إلى كهف السنين

وكنزِهِ المدفونِ أعواماً

على جبلٍ

قد شيّدتهُ أناملُ البنتِ التي كنتِ

وظَلَّ متكئاً على وطنٍ يطوفُ على رُبَاك.

كلُّ ليلةٍ

افتحي صوتَ الكمنجات

حتى يسيلَ مندفعاً

على قمحِ قُبلتنا الشّهي

واكشفي ماءَ الينابيع التي في قاعِ مجرى الدّم

ستمطرُ من نهديكِ وعداً وأماناً .

نجمةُ العشقِ التي طوقتنا

بضوء لهفتها

منثوراً على تلك الأنوثة في بلاد الريح

اتركي شلالاتِها البِكر تنزل من سماء الروح

على شجرِ البلاد الواسعة

لنكتبَ لحنَ الأغنيات

وترانيم الطبول على أهازيج الصباح

ومن قناديلها الحمراء

في ليل الهوى

نبني جسور الأمنيات.

شجرُ البراري

خلف الريح يمضي

ليكسرَ وحشةَ هذي العتمةِ من ليلِ الصحراء

هو ظلٌّ باردٌ

على الأرواح يكبر

حتى يصيرَ على المدى سجَّادةً للبوح.

جغرافيا الليل

وقَفَتْ على رمل المسافات الطويلة

بساقٍ مبتور

وجناحٍ كسرتهُ الأشواق

تسقي ورد الحكايات

وحضن الأمنيات الماطرة

نغماً يُضئ مجرةَ الأفراح

طالعاً كالضوء من موسيقى الأزهار.

ها أنذا

أترنّحُ مجذوباً يا سيدة الأنهار

خفيفاً كموج الطريق

عابراً إليك

كحالِ قلبي الخفوق

ومثل ضحكةٍ تطيرُ من زلزالِ صوتِكِ الحنون

تغسلُ أحزان الليل

أجئ صاعداً إليكِ

تتبعُني مجرات الحنين

ورقصةُ النهرِ التي رسمت على خدّ المسافةِ قُبلةً ولهانةً

يا سيدة القلب

هذا المساء

رأيتُ صورةً لكِ

رأيتُ بستانَ الحبِ

الذي تفتّحت على أشجارِهِ لمعةُ العينين

ونهديكِ المختبئين تحت فستانِك الهزّاز

لا

بل هما في الخباء صاعدين

مثل نجمين نافرين في صدر السماء

رأيت يداً ناعمةً تُشْبِهُ إشراقة المانجو في غابات الجنوب

رأيت شفتيك

وفيهما رأيت حقلَ الورد

الذي تفتّح تحت أمطار بلدتِنا

على تخوم نهر النيل الأبيض.

طينُ المزارَاتِ

الذي علّقتِ الفتياتُ على أغصانه أحلامَهن

هو عجينةُ الحنّاءِ

التي صارت على يديكِ قلباً عامراً بالأسئلة

نقوشاً زاهيةً على الأصابعِ

أو هي حنَّاءُ القلب

وأنتِ شاردة

بنظرات الوجد

تسألين الروح

أما كفى؟

 أما آن لهذا القلب

أن يضجَّ بماءِ الحياة؟

أن يركضَ مثل فراشات الحب؟

والنهر من عينيك عابراً

ورائقاً يسيلُ كالنسائم المبجلة

لعاشق رصف الطريق أزاهر من مياه الحب.

ياسيدة النهر

وهند الأحلام

عند الفجر

عند أول الكلام

ستشرق الشمس من ضفافنا دافئةً

كأحضان العشاق تحت هدير الماء

سنمضي إلى هناك

إلى مصائر العشاق

إلى الحب أخضرَ النسمات

مزهراً على نوَّار الورد.

إلى السحاب مارداً ودافقاً

كشهوةِ الصباح

حين تسري بالخيالِ نشوةُ العناق.

نصار الحاج

شاعر من السودان
زر الذهاب إلى الأعلى