غوايات

مرةً كنتُ أُحْصِي حبيبي الذي فيّ و لم أنته !

تركتُ حبيبي عند حافةِ الشارعِ و ذهبتُ في الاتجاهِ المعاكس؛ لا أعرفُ إلى أين؟!  لكن و بنبرةٍ حاسمةٍ كان آخر ما قالهُ لي: لا أرجو منكَ شيئًا و أظنهُ كان يعني: ثِمارًا. شعرتُ بالوجهةِ تنكسر، و بالنهارِ ينمحي سريعًا. يومها شربتُ الليلَ كُلّهُ حتى قالتِ الخَمرُ: حبيبُكَ شجرةٌ مباركةٌ. بكيتُ…واستيقظتُ بعد يومين، قلتُ بلهجةٍ حادةٍ لنفسي: صباحُ الخيرِ و كنتُ أعني: نعم ، أنتَ وحيد.صارعتُ العتابَ، عاتبتُ الأعادي ، عاديتُ الأيادي (نعم، أنت وحيد). بكيتُ…و صحوتُ بعد أسبوعٍ،صارعتُ الندمَ ،  نادمتُ عنادِي ، عاندتُ الأنا (نعم، أنت وحيد).

بكيتُ، و زارتني الكوابيسُ؛ زارتني هلاوِسُ السراديبِ و القبورِ و الأحراش، زارتني الحمى و ضائقةُ النطقِ  و الارتجافُ و السهو، ثم زارني شبحٌ من سقفٍ ما، لم يقل مرحبًا حتى، ومكثَ يرعاني دهرًا و أفقتُ حين أفَقتُ على نفسي أُصارِحُها: عصفورٌ في اليدِ و لا عُش. قلتُ : هذا هو اسمي. قلتُ : َالرمادَ و الحصادَ معًا. و كأيِّ عصفورٍ بحثتُ عن عنايةٍ سماويةٍ (أي : عنانٍ و سماء) بحثتُ داخلَ الريشِ، بحثتُ خارجَ السربِ بحثتُ تحتَ الصِفرِ،بحثتُ فوقَ طاقتي، بحثتُ عن أبعدِ حُلمٍ، بحثتُ عن أقربِ قيامةٍ، بحثتُ سيرًا على الأيامِ، و عند حافةِ الشارعِ صادفتُ حبيبي واقفًا مكانه،وكأي شجرةٍ يابسةٍ ناداني بلغةٍ لا أفهمها. أظنه قال : منذ متى و أنت…. لكنني و بنبرةٍ حاسمةٍ و قبل أن تجردهُ الرياحُ من حفيفِ أعذاره؛ بنظرةٍ جاثمةٍ  قتلتُ حبيبي،قتلتُه في عيني، قتلتُهُ من عينيه لعلهُ يرى و كنت أعني : هاكَ ثماري ! ثم واصلتُ المسير.

***

لا تنتظر أحدًا يقودكَ  نحو ذاتك

كُن شجاعًا و ابتكر طرقًا تؤدي للهلاك

لا تختبرْ روحًا بأسئلةٍ مضت

لا تختبرْ روحًا مضت

و ادفعْ جنونكَ باتجاهِ الإشتباك

إن كان في شفتيك حرفٌ … قُلهُ

إن كان حرًا قُلهُ

أنت الحروبُ و موتُها

أنت الغنائمُ

من سِواك؟!

“مقطع من مسرحية ( أنا تربيع) “

***

لو صهيلٌ كبا، قل :تحصّن

لو حبيبٌ دنا، قل :تلدّن

لو عشيقٌ فنى ،قل:تفنّن

لو عدوٌ عدا ،  قُم تعدّن

لو قلبٌ عوى،صه تحسّم

 كل خُفٍّ خوى ،كل خوفٍ خفا؛ ليس يلزم

 لو يهدُ النوى، صدرَ حربِ الندى،لنويحٍ سُدى

غربةً غربةً،ناسفًا ما احتدم

لو يَرُدُ الصدى،صوتنا واحدا، عائدًا شاهداً

هل ستنجو هناك؛ و أنا منك لم؟

***

مرةً كنتُ أحصي حبيبي الذي فيّ؛ و لم أنته !

 مرةً كنت أشكو حبيبي الذي فيّ؛ لحبيبٍ بهِ

فهل ينتبه؟

 مرةً كنتُ أُخفي حبيبي بعيني؛ و عيني به

 مرةً كنت نفسي حبيبي و لم أشتبه.

***

حاولتُكِ بالشِعرِ :تَسلُكينَ البحرَ قطرةً قطرةً دون أن يحملَ اللفظُ عبءَ هذا المجازِ و كنتُ أعني :

لٍم تنسربُ إليك صفاتٌ – دون أن أعنيها – من بابٍ خلفي للّغةِ لتنتصبَ عندك ؟

حاولتُكِ بالنهرِ :سليلةً و سريرةً غير أنهُ كأنكِ وحدك؛من حالفك !

حاولَتْكِ الكواكبُ الدوّارةُ بالنميمةِ حتى ارتوت يا مجرةَ الماء

يعرفكِ المارّةُ كنايةً للحواس

اسمكِ:تضحكين

صفتكِ :المعدن

و كلّكِ :لا تحدثين !

***

ها حبيبي أتى

انتفضتُ

أتى !؟

سمعتُ الخُطى ؛فالتفتُ

أتى !؟

كيف كل حبيبي؛ كلهُ كلهُ،هاهنا ؟

طافئًا جمرهُ،مشعلًا خمرهُ

ناهبًا ما لنا

واهبًا كلهُ يا لهُ؛يا لهُ

ها حبيبي دنا

كيف كيف لهُ ؟

أين منهُ هنا ؟

قلت هيا تعال؛  فجئتُ أنا !

***

الحبيبُ حبيبٌ بافتقادهِ

قلبٌ فخاريٌ مكسور؛مكسوٌ بالتمادي في الخزف  الصديقُ صديقٌ بانسيابه

كأن الوقتَ قد ذهبَ و جلستما !

النديمُ نديمٌ بانتقائه

على مهلكما تشربانِ الضحكَ والعافية

الغريبُ غريبٌ بانتفائه

وحدةٌ مجازيةٌ في قياسِ الاندهاش

العشيقُ عشيقٌ باحتراقهِ

كل ما لم

كأنهُ

لكنهُ

لن !

***

تنهمرين من أعلى ؛ و أنا  الشاخصُ إليك بروحي اليابسة لا أرتوي !

***

تقولُ العجوزُ:الرجالُ دواهي

تقولُ الصبيةُ:مذابونَ هم بشفاهي

تقولُ التي عمرها لم يزل : بابا جا ، بابا جا

تقولُ المطيعةُ:الرجالُ رجالٌ ، و النساءُ خزف   تردُ الطليقةُ : يا للقرف

نساءُ القصورِ الكبيرةِ كن يقلنَ في سرهن : الرجالُ ترف

تقولُ العشيقةُ:الرجالُ حبيبي فقط

تردُ اللقيطةُ:القناعُ سقط  ؛القناعُ سقط

تقولُ العوانسُ :  أين هم ، أين هم ؟!

تقولُ التي جربت غدرهم:الرجالُ وهم

كلهم كلهم

عمر أحمد الصادق

كاتب من السودان
زر الذهاب إلى الأعلى