غوايات

أَقْدَاحٌ نَهْدَانَة

(١)

منذُ غِيابكِ وأنا سَاهِرٌ

في المُفتَرَقَاتِ وَحْدِيْ،

عندَ لَيلِ المسَافِرينَ والنَّاسْ،

أبحثُ عَنْ قَطرَةٍ طَمَرَتْها الرِّحَالْ؛

منذُ سنِينَ خَلَتْ،

عنْ أغرَاسِكِ البَعيدَةْ.

أحاولُ أنَسامَكِ كُلّ ليلةْ،

كُلّ لَيْلَةٍ لَوْ أنَامْ..

صَادٍ في الخَرائِطِ كلِّها،

مَغمورٌ في جِهَاتكِ الخَافِيَةْ.

أنهَلُ مِنكِ كعطَشِ السَّنينْ.

 

(٢)

خلفَ تلكَ النَّوافِذِ يَا غَاليَةْ؛

أقْدَاحٌ نَهْدَانَةٌ لا تَزَالْ،

خَلفَهَا عَيْنٌ تَغْسِقُ في السُّهَادْ.

 

(٣)

تُبصِرينِيْ هُنَاكَ

ألوحُ كَحُلمٍ طَوَتهُ السِّنينْ.

 

(٤)

السِّمسِمُ الذي حَصَدَتهُ البنَادِقُ يَا أُمِّيْ

غرسناهُ عميقًا فيْ القَلبْ،

الغُصُونُ الَّتي حطَّمَتْهَا الجُنُودْ،

تَضُوعُ بالبَسَاتينِ لا تَزَالْ.

 

(٥)

في ذَلكَ المسَاءْ؛

في شَوَارعَ أم درمانيَّةٍ شَاحِبَةْ،

ثمَّةَ مَا أوصدتهُ الحَيَاةْ..

 

(٦)

كُنتِ كلمةَ السِّرِ لبَابٍ يَتِيمْ،

بابٍ يُفضِي إلى جَنَّةِ النِّصَالْ.

 

(٧)

بعدَ عشرينَ عامٍ ونيفْ،

تسألينيْ ثانيةً،

هُناكْ،

في سَديمِ ذلكَ الوَقتْ،

هلْ قُلتَ لا أمْ قُلتَ نَعَمْ؟

لا أتذكَّرْ،

أَحَدُنَا قالَ شيئاً

ثمَّ غَابْ..

 

(٨)

كنتُ عَابِرِا ذلكَ الغَمْرَ في الأَخيرْ،

وَكنتِ تُنَادينَ عَلَيّ،

لَكنَّ صَوْتكِ لم يَعُدْ يَجِيء.

كنتِ تسألينيْ عن الذي هُنَاكْ،

كُنتُ آهِلًا بالحُطَامْ؛

لكنَّ صَوتكِ لمْ يَعُدْ..

 

(٩)

في محطَّةِ القِطَارِ البَعِيدَةْ،

تذرُفينَ وحشةً فِي صَبَاحٍ بَعِيدْ؛

تنادينَ عليَّ باسمٍ ما؛

تسألينيْ إذا ما كُنْتُ عَائِداً،

أقولُ لا، ليسَ بعدْ،

تقولينَ مَتَىْ؟

أقولُ وهلْ نَعُودْ؟

 

(١٠)

الكَلِمَاتُ الَّتيْ أضعتُهَا؛

الكلماتُ الصَّغيرَةُ في الشَّغَافْ.

 كانتْ هُنَا.

تذكرينها؟

كانتْ هُنَا..

كانتْ تقولُ كلَّ شيءٍ بِبسَاطَةْ،

الكلماتُ التي نَسِيتْ..

 

(١١)

عَطِشٌَ هُنَاكَ،

أُحاولُ مَلءَ الدِّلاءِ القَدِيمَةِ،

لَكِنَّ ماءَ الغَريبِ شَحيحْ

 

(١٢)

أخسَرُكِ في الطَّريقِ

ثمَّ أطرُقُ كلَّ سِيَاجْ،

فانظُريْ أيُّ وَحشَةْ..

 

(١٣)

أَرَاكِ في الأثَرْ،

مثلُ نُوْرٍ يَلُوحُ ويخفُقْ،

يَلُوحُ ويخفُقْ،

يَلُوحُ ويخفُقْ..

 

(١٤)

كلُّ هذي الزَّوَاملِ في الهَزيعِ لي؟

كلُّ هذا الهَزِيمْ؟

 

(١٥)

شَارِدٌ في الرُّضَابْ..

أنس مصطفى

شاعر وكاتب من السودان
زر الذهاب إلى الأعلى