ثمار

القصيدة السوداء

يستقل الحافلة المتجهة ناحية الجنوب، ويبدأ إعادة خيط التفكير،يعود الى أيامه الأولى، والوافدون ترتجف أياديهم وأرجلهم، يتوسلون عاطفة المكان،فتاة من قرية نائية، عند سفح جبلٍ هندي،تسرع الخطى في صباحات مبتلة لتعمل في مصنع شرائح البطاطس، وأخرى تسابق زخات المطر،قادمة من ريفٍ لايعلم بوجود المدن، يتذكر ضحكتها والحافلة تعبرالجسر، زجاج الحافلة ترتسم عليه خطوط الماء،المطر، الأنفاس تحـد من الرؤيا، صبي مختلط الأنساب نحيف، شعره أجعد كثيف على أطرافه خيوط ذهبية،يرسم بسبابته حرفاً،لأبيه المتخفي في رحم الغيب،نساء يذكرنه بصباح كان ينتظر فيه المترجم  في المقهى العلوي، عاملات نظافة بزي أزرق موحد،منهمكات بتلميع الأرضيات في بهو محطة القطار  الكبرى، وسيقان النساء البيض تقرع أجراس الصلاة في خطواتها ورجال منهكون،وقادرون على البكاء،على القهقهات والصراخ، لكنهم في صلاة الوجوم، هنا عند المنعطف وقبل أن تبلغ الحافلة المبنى المتهالك، يحتمي الناس بمظلة زجاجية من المطر،تتهلل وجوههم بقدوم الحافلة،ينفتح باب النزول الخلفي،يتراكض بعض الركاب مسرعين في كل إتجاه، ينفتح الباب الأمامي،يتدافع الواقفون إلى داخل البص،لا يكترث،ينظر إلى المبنى المتهالك،إلى النافذة في الطابق الثاني،قبل عقدٍ كان هذا المبنى نزلاً في داخله القادمون الجدد، وعلى الحائط الخارجي المبتل دوماً طحالب،ومساكنه يطفئ النور ويحدثه عن أمه ويغطي الظلام الدهشة، بصوته المليء بالحشرجات، يتحدث عن أمه وقسوتها قال له أن أمي تكرهني وأنا أيضاً أكرهها.يهرب من تلك الذكرى،كان دوماً ينتظر حتى يفرغ صدره ويدخل في نشيج وينام.

وجوهٌ جديدة في الحافلة بينهم امرأة أربعينية من جزر الهند الغربية، تشبه أم الصبي  المقتول، بعد  الدرس،غطت صورتها الصحف والشاشات، وهي تشير بسبابتها نحو الشرطي،ملامحها تملأ الكون كما يردد زميله في العمل،صارمة كسلطان يملأ قلوب الحاشية والحراس رعباً.

كان يعلم موعد نزوله من البص على بعد محطتين،وسيعبر أمام الذين يجلسون قرب حائط الكنيسة،سيتذكر في الثانية الأخيرة أن الناس هنا لا يلقون التحايا  بلا مبرر،  فيحبس السلام في فمه.

زميله في فسحة العمل يقف في الساحة الخلفية للمبنى ودخان القهوة يتصاعد من كوبه الورقي، وهو يردد لقد مزقت صورة الطائر وحطمت منقاره، لأضع القماشة البيضاء وأنتقي من قصيدة “ماذا علمنا ستيفن ؟” بعض أبياتٍ ويردد:

*نحن نعلم من هُم القتلة

رأيناهم يسيرون أمامنا

متغطرسين كملائكة الموت

وأن وصول الحافلة ليس مضموناً

ثم يصمت برهة ويقول:

سيقف الجندي  هناك

على الرصيف المقابل ينتظر أوامر سيده

ليقتل ما تبقى من كبرياء

وأسميها القصيدة السوداء

……………………………….

* قصيدة للشاعر Benjamin Zephaniah

What Stephen Lawrence Has Taught Us

محمد مسوكر

كاتب وروائي
زر الذهاب إلى الأعلى