غوايات

هذه الحقائب تخص حبيبي

يبحث الشُعراء عن مربطٍ للفرس، لكنهم دائماً ما يسرِجونها بدلاً عن ذلك.يسهرُ الشعراء؛ جميع الشعراء، لو رأوا شجرةً تُحلِّق في نهارٍ ما، هذه علامة. ينتظرون الليل، ثم يمضونه في انتظار المعجزة.

يسهرُ شعراءُ البلاد الواسعة الليل كُلّه عند الأسماءِ و الصفات،ويسهرُ شعراء المدن التائهة أمام أبواب الأفعال، يسهرُشعراء التفعيلة أمام النوافير، وشُعراءُ النثر أمام كل ما هو نَهرٌ. ثمة شُعراء يسهرون عند النميمة؛ في بيتها، و شُعراءٌ يدلفون أحلامهم بأعين مفتوحة،حاملين قلماً و ممحاةً و رزمة أوراق، شُعراءٌ يسهرون بعضهم لبعض،وشُعراء يسهرون خارج أجسادهم.شُعراء يسهرون لأجلٍ وآخرون بلا،شُعراءٌ عند المعنى،والمبنى،والصروح،والتصاريح،و التسابيح.شاعرٌ سَهِر الليل بنجومه،يحمل بندقية.يسهرُ الشعراء جميعاً بين خيطَين، والشِعرُ نائم ؛ أنا فرسُه، وأعرف أنه في نهارٍ ما سيُحلِّق مراتٍ أُخرى، سيُحلِّق مربط الفرس.

***

كنا قراصنة أشداء، نفترس الأمواج و الحيتان،والموت المدلى على أشرعة الأيام الهادرة. ونربط الرياح تمائماً على سواعدنا؛ كلما اشتهينا الجزر. نحن خمسة عشر رجلاً، لم تقتلهم شراهة الكنوز، و لا صداقات الحانات العابرة.كنا قراصنة أشداء إلى أن أغرقنا الدلال الناعم،إلى أن فتك بنا دوار البحر في عينيك.

***

قبلُكِ: كان يملؤنا الفراغ الصاخب،والهواء الفاسد،و تسكننا العناكب، والتوهمات والمحاولات الفاشلة. لكنني لا ألومك.أنا – بطبعي -لا ألوم العصافير،بل ألوم الأشجار التي لم تبن لها الأعشاش. بَعدُكِ :أغرقتنا الأيام، صادرنا الليل، وربتت على أكتافنا الكوابيس، وعانقنا الموت الخلاب.لكنني – بالطبع – لا ألومك أنت على السفر، بل ألومنا نحن الذين شعرنا بالغربة.

***

هذه الحقائبُ تخصُّ حبيبي، هذه تذْكِرتُه،و هذا قِطار؛هذا قِطار أوانِهِ.وأنا لم أكُن من قبلُ نصلًا ولا بطلًا، ولا غواية لأُدركَ تنازحَ الهاوية عن ما هوى. أنا أمتِعَتُكَ يا حبيبي، و هذه الحقائب تحزِمُني لو عَرِفت ليس كافيًا قولُ : أُحِبُّك، هاكَ قلبي من قلبي على طبق، سأزرعُ في اسمك : البُستان، أستطيع التنفس تحت أغنياتِنا المُعيّنة. ولا قولُ الأبد، ليس شافيًا أن أبكي، أن أُمزِّق أو أُمزَّق، أن ألعقَ الجرح مرتين، أن أدخل الجُحر مرةً بعد مرّة، أو أن أشهد خلوداً كهذا. لستُ أنا، لو عبرتُ عنق الزجاجة سالماً أو مسالماً، لستُ أنا،أنت لو لم تكسِرنا الوجهةُ نحو الربيع، هل ستأخذني معك؟

لم يكن كافياً ارتجافي تحت وطأةِ هَوْلِ التَكشُّف،من فرط إعماري لدُنك، رأيتُني محمولاً على نعشِ حِنّاء،هارباً بين معصمٍ و معصمْ،وفي تلويحة المناديل  الأخيرة،ثمة أعمارٌ انفرطت،رَفْرفَ من بينها هذا الطريقَ المُعبَّدْ.

عمر أحمد الصادق

كاتب من السودان
زر الذهاب إلى الأعلى