غوايات

الرَّكضُ في سهولِ السافانا

عمليَّةُ نزعِ الأفكارِ، واقتلاعِها من رأسِك.

تتطلَّبُ جُهدًا إضافيًّا،

قلبًا غليظًا،

التفاتةً حادَّةً سريعةَ التقطيع.

كميَّةً غيرَ محدودةٍ من الشَّر،

تكفي لإذابةِ قطَعِ الحديدِ الصَّدِئة،

أو تدويرِ مئتي طُنٍّ من الخُرْدة،

لكن لا بدَّ من فِعْلِ ذلك،

أحيانًا ينبغي عليكَ فِعْلُ ذلك، وأنتَ في مَكتبِكَ، وسطَ الحضورِ الكثيفِ

للأفكارِ الخَطِرة،

ينبغي عليك فِعْلُ ذلك، بدلًا من الصُّراخ، أو طلبِ النَّجْدة،

عليكَ إشغالُ نفسِكَ.

ومن الضروريِّ فعْلُ ذلك؛

لكي تنجوَ من التهشُّمِ الكاملِ،

عليكَ أنْ تتأمَّلَ كلَّ فكرةٍ، قبلَ إتلافِها،

الرَّكض في سهولِ السافانا

منذَ ثلاثةِ أيَّامِ، وأنتَ تركضُ

في كلِّ مكانٍ تذهبُ إليه،

تجدُ السافانا في انتظارِك،

المطاردةُ، الافتراسُ

الهشُّ والصُّلْبُ القويُّ والضعيفُ

الزَّرَافَى والغِزْلانُ.

الجاموسُ الوحشيُّ، النمورُ، والكلابُ الصيَّادة،

الجرادُ، والجُنْدُبُ، والنَّملُ، والصَّراصير.

المشهَدُ اليوميُّ الحيّ،

الوحلُ ،البِرَكُ، الوقوعُ في الفَخّ،

“يالَلهولِ .. ماذا يفعلُ هؤلاءِ البشرُ ببعضِهم؟!”*

عمليَّةُ إتلافِ فكرةٍ قد تستغرقُ وقتًا أطولَ ممَّا تتصوَّرُ،

كأنْ تقرِّرُ الذهابَ لجبلِ شمس، مشيًا على الأقدام،

أو قضاءَ إجازتِكَ في الجبلِ الأخضرِ، بينَ الجبالِ، صعودًا وهبوطًا في السلالمِ الحجريَّةِ الضَّخْمة،

أو الانضمامَ لبرنامجِ هُواةِ رفْعِ الأثقال،

من الأفضلِ إزاحةُ أصابعِكَ من وجهِ النَّمِر،

والتخلِّي الكاملُ عن كلمةِ (ترويض)،

من الأفضلِ عدمُ المخاطرةِ بأحذيتِكَ الجديدةِ،

وأنْ تُوقِفَ، على الفورِ، تصديرَ حنانِكَ وإنفاقَ ضوءِ روحِكَ  لجهاتٍ مجهولة.

لم يتبقَّ لديكَ الكثيرُ من الوقت.

عليكَ فقط التركيزُ على مشهدِ ذوبانِ السُّكَّرِ في الماء،

على ميَلانِ الساعةِ، وتساقطِ الدَّقائقِ في الصَّحْنِ الزُّجاجيِّ

على تداعياتِ جسدِكَ الساخنِ

وصوتِكَ الذي تركتَهُ نائمًا في غرفةِ الضُّيوف.

*من نصِّ (أَلعبُ وحدي) للشاعر فراس سليمان

فتحية الصقري

كاتبة من سلطنة عُمان
زر الذهاب إلى الأعلى