قشرنا عن جسدينا النُّعاسَ
1
طرِبنَا يا صدِيقِي بِقارِبِ الشَّوقِ، وأبحرنَا بِرِعايةِ الموجِ في عِطرِ الكلامِ
2
لا تتوسلُ لِعدُوِّكَ
مُتْ وأنت تضحكُ عليه
3
يضحكُ قبرُ أبِي لما أخبرتَهُ بأني عاشِقٌ، ويملأهُ الزَّهرُ
وحين اِنتهيتُ بأن أحفادِهِ يفتقِدُونَهُ نبتتْ غاباتٌ شائِكةٌ، طارتْ أشجارٌ وزمجرتْ وُحُوشٌ
4
الفِكرةُ ليست في أن تتَّسِعَ نافِذةٌ لِشمسٍ
فبينما خُيُوطٌ شفَّافةٌ تتكسَّرُ أمامَ موجِ ظِلٍّ مثلاً، بِمقدُورِ خيطٍ واحِدٍ أن يرى بِالنَّافِذةِ أَثرِ نفاذِهِ القدِيمِ، ويرتدُّ
5
إنما يبحثُ المرء الحقِيقِيُّ عن كيفِيَّةِ قتلِ من يرى في المرايا واحِداً واحِدا
6
قتلتُهُ مرَّاتً عدِيدةً هذا القلبَ الأخرقُ، بِيدِيَّ المُجردتينِ، بِفاسٍ، بِخنحرٍ صدِئٍ، وأفلتهُ في رملِ النِّسيانِ مرَّاتٍ
لكِنَّهُ
يُغادِرُ مُجدَّداً على قارِبٍ
مثقُوبٍ، وإِلى صدرِي يعُودُ
7
هذا هو اللَّيلُ
خفِيٌّ عن الأصابِعِ، خفِيٌّ بين الأَصابِعِ
وعيناهَا تبرُقانِ ولا أراهُمَا، وقلبُهَا يصعدُ لِلمِرأةِ، يُبصِرُنِي وينبِضُ، لا أبصِرهُ فهذا هو اللَّيل
8
تصعدُ الوحوشُ إلى قلبِ الصَّيَّادِ، والغابةُ لِأنفاسِ الحطَّابِ
يصعدُ اللَّيلُ لِفمِ الحزِينِ، والنُّجُومُ لِأصابِعِ العاشِقِ
تصعدُ الضِّحكةُ لِشرايينِ الوردةِ، والاِبتِسامةُ لِمفاصِلِ القُبُلاتِ
.
.
.
يصعدُ اسمِي إلى النِّسيانِ، وجرائرِي لِلتَّخبُطِ تحت الأقدامِ
9
وعصِيرُ قُبلتِهَا كعصيرِ مِشيتِهَا بين الشَّرايِينِ كعصِيرِ ضِحكتِهَا لما تتلاحقُ القُبلُ…
10
هناك شعرةً خفِيّةٌ بين المرءِ والمرءِ يقطعُهَا الغضبُ
11
الشُّلةُ شرعنةُ التَّزلُّفِ وتكرِيسُ الكاسِدِ…
12
أوينا الحُبَّ بِأسِرتِنَا
فاستحالت ناراً ورمادا
13
وأضعُ قدماً على قدمٍ
لا أعرِفُ إن كانت اليُسرى أعلى أم اليُمنى؟
وهل ذا موجَ قلقٍ أوْ ندم؟
14
لا تتذمر يا صدِيقِي
أنها على وجهِ التَّعيِينِ لحظةُ بِدايةِ سحقِكَ
وإنما
أقلب الطَّاوِلةَ تماماً، ولِينسحِقَ تحتها من قُدِرَ له
15
ظِلِّي في اللَّيلِ غرِيقُ
وفي النَّهارِ يشربُ شاي مُنعنعٍ قرب النَّهرِ
16
لِأيِّ محطَّةٍ كان يُؤدِّي شارِعُ الفتياتِ اللَّواتِي مررنَ قبل دقائِقٍ قلِيلهٍ في الحلمِ؟
لِأيِّ ملاذٍ اِلتجأنَ من حِصارِ عُيُونٍ تتقافزُ من النَّوافِذِ تتبعُ خطُوهنَّ؟
17
لقد وصلتْ جمِيعُ الأدِلَّةِ من فضاءاتِ الكِتابةِ، ووضعُوهَا أمامِي على الطَّاوِلةِ
أنا أعشقُكِ يا فضاءات الكِتابةِ
18
على ساقٍ واحِدةٍ يُهروِلُ بنا الزَّمنُ، والأُخرى
يُخبِئُهَا بِكُمِّ قمِيصِهِ
لِيركِلَنَا بها آخر المطافِ
19
يثُورُ الثَّائِرُ ليُحيَّدَ مسارِ الموجِ الْمُندفِعِ نحو قارِبِهِ
20
الحِكاياتُ القدِيمةِ رملٌ لِذكرياتٍ ترسمُهَا أصابِعُ الأنِ
21
كُلَّمَا وضعتُ يدِي على كتِفِ السَّعادةِ أطفأهَا حرِيقٌ هائِلٌ
22
وأنا مُشجرُ الرُّوحِ قُبالتِي رملٌ تُهاجِمَهُ الرِّيحُ
23
خُذْ الزَّهرةَ مِن شذاها، والبُستانَ مِن شجرهِ المُتوحِّشِ
خُذ الكلِماتَ مِن الملامِحِ، والشَّارِعَ من أزقتِهِ النَّزِقةِ
خُذ اللَّيلَ من قهقهاتِ السُّمارِ، والنَّهارَ من مهارِبِهِ
خُذ الحبِيبةَ مِن الشّمُوخِ، والقُبلاتَ من الِارتِقاءِ المرِنِ
خُذْ الولدَ من الاِتِّجِاهاتِ، والبِنتَ مِن الشَّبابِيكِ المُشرعةِ
خُذْ القلقَ من الحنِينِ، والمرايا من اِنعِكاساتِ الثَّملِ
خُذْ البابَ من الجُنُونِ، والتَّودُّدَ من العصافِيرِ، وَالفرحَ من مساساتِ المُستساغِ
24
في الصَّباحِ
نُداعِبُ أنا والنَّسِيمُ شعرَهَا
ويقرأُ كلانا عليها من شِعرِهِ، فتمِيلُ لِألحانِ الثَّانِي ثم تغمُرُنِي بِالنَّدى
25
ما الجِهةُ التي اِلتفتَ إليها فطارَ سقفُ اللَّيلِ وانكشفتْ سمواتٌ؟
26
اِحتاجتْ لُحُومُ رُوحِي الزَّائِدةِ لِأَسودٍ ضارِيةٍ تنهشُهَا
27
– ما القتلُ؟
– شفرةُ النَّقصِ
– والقتِيلُ؟
– حِنَّاءُ الحياةِ
– فالقاتِلُ؟
– عُشبٌ مُقلَّمٌ
28
يأتِي الأجلُ لِقطعِ الطَّرِيقِ على الأملِ
29
تارة يلقفُنِي الصَّمتُ، وأُخرى الحنِينُ…
قلبِي حبلٌ قصِيرٌ يتلوَّى قُبالةَ شجنِ الوُجُودِ
30
أُرهِقنَا من الزَّودِ عن أنفُسِنَا بِقِشرِ اللَّيمُونِ
31
يا نبضَ قلبِي توعَّكَ، توقَّفَ عن الدَّردشةِ مع نهرِ الحياةِ النَّضُوبِ
32
يا للهُوةِ التي أوقعتنا فيها الأمانِيُّ
عسى ولعلَّ منْ مُقتضيَاتِ النَّحِيبِ لا أروِقةِ الأشجانِ
33
الحياةُ سِلسِلةٌ من الاِنتِظاراتِ لِأشياءٍ لن تحدُثَ
34
يجِبُ إلا تكُونَ موجُوداً لكي تحيا هذه الحياةَ بِشكلٍ جذَّابٍ
35
ثمَّ مكانٌ شاغِرٌ بِالقلبِ، يقِفُ فِيهِ الغِيابُ على مهلِهِ، وثمَّ ملامِحُ لِلغِيابِ تنهلُ الضَّبابَ وتطِنُّ بِالأورِدةِ
ثمَّ قلبٌ اِبتلعَهُ الشَّاغِرُ، ثمَّ غِيابٌ
36
أجرحُ ظِلِّي بِالنِّسيانِ، وأجُوِبتِي بِالأسئلةِ المُخاتِلةِ
أجرحُ المرايا بِالدَّورانِ، والحنِينَ بِالذِّكرياتِ النَّشوانةِ
أجرحُ اللَّيلَ بِالنُّعاسِ، والصَّباحَ بِاللَّيلِ
أجرحُ الشَّارِعَ بِشُحِّ المشِيِّ، والحِذاءَ بِالخِزانةِ
.
.
.
أجرحُ الشَّيءَ بِاللاشيء، واللاشيءَ بِالتَّرنُّحِ
37
قُبلةً قُبلةً قشرنا عن جسدينا النُّعاسَ
38
دون سببٍ مُحدَّدٍ
حملتُ اللَّيلَ على كتِفِي وهرولتُ لِضفةِ النَّهارِ
39
في خِفِّةِ الغزالِ يذهبُ الظَّامِئُ إلى عُزلتِهِ المسنُونةِ
40
تنامُ العدالةُ واقِفةً حتى يستيقِظَ ضمِيرُ القاضِي فتنهضُ…
41
أنا كائنٌ ألقى البُكاءَ بِمحطةٍ ما، باتت أحزانِي أكبرُ من وُسعِهِ
البُكاءُ ورِقَّةُ الطَّبعِ
42
أطلقتُ على شياطِينٍ بغُرفتِي بخُوراً، فاتَّسعَ البابُ لِي
43
سأقُصُ عليكِ قِصَّةً أُخرى
جرى تحت جِسرِ الشَّهواتِ ماءٌ كثِيرٌ، وأنا دون لونٍ مُعيَّنٍ أظهرتُ مراياكِ بِي
44
هكذا يمضِي اللَّيلُ
بين تِيهٍ وتِيهٍ
وأنا من حيث أدرِي ولا أدرِي أتنزهُ في التِّيهِ
45
خلال دقِيقتينِ يُمكِنُكَ التَّفكِيرُ في كيف تزرعُ أُفُقاً على جناحِ عُصفُورٍ
46
أنجِزْ بحركَ وقارِبكَ، وخُذْ إليهِمَا أنفاسكَ اللاهِثةِ، ثم كُنْ موج أيَّامِكَ الآتِيةِ في التِّيه
47
لو أنك شرعتَ بالكلامِ
لتدفقَ من قلبِكَ نهر
النَّهارُ غرِيبُ المقامِ
فاللَّيلُ جهيرُ السَّهرِ
الحنِينُ طبلُ الغرامِ
وأصابِعُ العاشِقِ شجرُ
48
كُلُّ اِمرأةٍ طِفلةُ الحياةِ
تستحِمُ رُوحُهَا بِمِياهِ الحلاوةِ
فيضحكُُ قلبُ العالمِ، ويستعِيدُ الفرحَ
كُلُّ اِمرأةٍ تمسحُ على طرفٍ من قلبٍ الحياةِ
فينبِضُ لِيقِينِهَا بِالولهِ
49
هكذا إذن
تُرِكتُ في مهبِّ الغِيابِ الطَّوِيلِ، فأذعنتُ لِسطوةِ الأسى
50
وأبقى أُحِبُّ اِمرأةً
ضِحكاتُهَا ألوانُ لوحةٍ، وعيناهَا سماءُ لوحةٍ، وأحادِيثُهَا أخيلةُ الشُّعراءِ وراء لوحةٍ
وأنا أبقى أُحِبُّهَا كرِيشةٍ ماضِيةٍ في غيِّ أن بها بقِيَّةَ لوحةٍ
فما بالُ القُبلةُ عالِقةً في شفتي شاعِرٍ ولوحةٍ؟
51
ماتَ من لم أنتظِرَ موتِهِ، وعاشَ من ودِدتَ ألا يعِيشَ – قالت الحياة
52
هكذا بِلا هوادةٍ
تتقصَّانَا الحياةُ من أقصانا لأقصانا
53
الموتُ مُعتمَّةً دواخِلِهِ، وينشُرُ الضِّياءَ على العالمِ، فيعثُرُ بذا على المُضِيئينَ، لِتبتلِعُهم دواخِلِهِ النَّهِمةِ
وهو مِعبرٌ مُتفلِتٍ لا يسمحُ بِمِكُوثِ الأرواحِ بينه وهلةً فَتَلْتَحِقُ بالبرزخ مُنتظِرةً اآخر العابِرِينَ
54
فتعلَّمْ إذن
أَن تختبِئ تحت جِراحِ الحياةِ
ولا يراكَ أحدٌ
لا تبتسِمَ إن السَّماحَ ورطةُ الأحياءِ مع الموتِ
55
أمتزِجُ بها بِحواسِيِّ التِّسعِ
ففاضتْ مجرَّاتُ النَّهاراتِ
أيسعُنِي، أن سللتَ الحواسُّ، وُسعٌ؟
56
عندما يبدأُ اللَّيلُ في التَّفنُّنِ
يضُخُّ على قلبِكَ الشُّجُونَ
وأنت منفِيٌّ بِالأقاصِي، تجمعُ الأناشِيدَ من دنٍّ الأُفُولِ
57
هيا اِحترِقْ
مازال ليلُكَ بِكرٌ
وقنواتُ قلبِكَ مفتُوحةً على السَّعِيرِ
58
لعل الحياةَ، وهي تلوي ذِراعِكَ نحو جِهةٍ أخرى، تأخُذُكَ لِتكتمِلَ!
59
ثملٌ، مجازاتٌ، مزاجاتٌ، …
——–
*
أغمِزُ بِسنارةِ المِزاجِ يانِعَ المجازِ
*
يستعِيدُ المُترنِّحُ اِتِّزانَهُ بِمزِيدٍ من الثَّملِ
*
فُزتَ في لُعبةٍ خاسِرةٍ اِسمُهَا الحياةُ
*
اغسِلُ بحرَ المجازِ من نظراتِنا المُلوثةِ
*
لاح المكانُ مجازاً، قبل أن تأتي، ثم انفجر
*
هيا لِنمسحَ الصَّفحةَ السَّابِعةِ من دفترِ الثَّمالةِ والأشجانِ
*
جاء العِيدُ محمُولاً على النَّقالةِ فأسعفناهُ بِاللَّيمُونِ
*
الكأسُ دُونكِ ماءٌ
والفِراشُ موتى يتقلبون
*
طيُّ قصِيدةٍ قدِيمةٍ قرأتُ قِصَّةً ثانِيةً وشرعتُ في سردِهَا
*
اِحتِلنَا على المجازِ بِالكلِماتِ فدحرجنا عن جوهرتيهِ
*
نُطبِبُ جِراحَنَا بِالمجازِ والأملِ والنِّسيانِ
*
لا نجاةَ لِمجازٍ خلفَهُ سُعاةٌ يتقاذفُهُمَ الظَّمأُ
60
نزقٌ ليلِيٌّ
—–
*
يتجاوزُنِي البحرُ، أنا قارِبُ المرايا والنَّزقِ!
ظنني شجراً أو صخراً راكمَهُ في عدوِهِ بِاتِّجاهِ البرِّ
ظنني ناياً منسِيّ، وقارِباً مُحطَّما
ظنني بحراً
*
سُكُونٌ يسكنُنِي بينما أصابِعُ ليلِ النَّزقِ تلعبُ بِي…
*
ادعُ، دُونَ جدوى، الأرقَ يُعِيدُ ضبطَ إعداداتِ النَّزقِ أَوَّلِ اللَّيلِ
*
في خِضمِّ النَّزقِ اللَّيلِيِّ
والعِناقِ أقربُ من طلقةٍ لِرأسِ الأسى
*
هدمتْ الأيَّامُ بيتَ شِعرٍ، فأقامتهُ اللَّيالِيُّ على صدرِ النَّزقِ.
أغسطس 2020